[vc_row][vc_column][vc_column_text]
بالرغم من التراجع الملموس في عدد المهاجرين غير القانونيين نحو أوروبا والذي انخفض بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية إلا أن حركة الهجرة غير النظامية للقادمين من جنوب الصحراء لم تتقلّص جراء القيود المفروضة على التنقل داخل المدن وبينها.
تحميل المقال
مقدمة
في يوم 18 يونيو 2020، أنقذت وحدات خفر السواحل التابعة للبحرية الملكية المغربية ثلاثة وتسعين من الساعين للهجرة السرية[i] قادمين من بلدان إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى[ii]، كانوا على متن قوارب متهالكة تقليدية الصنع بينهم خمسة عشرة امرأة وعدد من القاصرين والأطفال في عرض البحر المتوسط. في الوقت ذاته، أعلنت السلطات الإسبانية وصول 986 مهاجرا من جنوب الصحراء إلى أراضيها ما بين منتصف مارس و3 ماي الماضيين[iii]، رغم إغلاق المغرب حدوده منذ 12 مارس[iv] وفقا للإجراءات الاحترازية ضدتفشي فيروس كوفيد-19. كما قامت السلطات المغربية بإحباط عمليات هجرة غير نظامية خلال أشهر الحجر الصحي، من بينها توقيف 157 شخصا سعوا للهجرة غير النظامية معظمهم من جنوب الصحراء في عرض المتوسط والأطلسي ما بين 2 و4 ماي[v]، وإحباط انطلاق مهاجرين غير نظاميين (لم يحدد عددهم) نحو جزر الكناري على متن قارب بمدينة طرفاية (جنوب) في 14 يونيو، تبين أن 37 منهم كانوا مصابين بفيروس كوفيد-19[vi].
تظهر هذه المعطيات أن دينامية الهجرة الغير نظامية لم تتوقف بالرغم من إجراءات حالة الطوارئ الصحية في المغرب. فبالرغم من التراجع الملموس في عدد المهاجرين الغير قانونيين نحو أوروبا والذي انخفض بنحو 24 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019 بمجموع 1295 مهاجرا[vii]، إلا أن حركة الهجرة غير النظامية للقادمين من جنوب الصحراء لم تتقلّص جراء القيود المفروضة على التنقل داخل المدن وبينها بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية[viii] التي جرى تمديدها خمس مرات حتى 10 شتنبر 2020[ix].
إن استمرار عمليات الهجرة غير النظامية في ظل حالة الطوارئ الصحية – رغم انخفاض أعداد الساعين لها –يعمق من المعاناة المضاعفة لهذه الفئة. ففي الأوضاع العادية فإن هؤلاء المهاجرين الغير نظاميين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء يعتبرون في نظر الأمم المتحدة “فئة هشة”[x] تعاني تحديات جمّة في الحصول على العلاج الطبي وتأمين الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، ومما يزيد في معاناة هؤلاء غياب مراكز إيواء خاصة بسبب رفض الحكومة المغربية توفيرها لهم[xi]. إلا أن أزمة كورونا عمقت من معاناة هذه الفئة بسبب إجراءات السلطات في فرض حالة الطوارئ الصحية، والتي تزيد من تفاقم أوضاعهم بسبب عدم تسليم السلطات لوثيقة التنقل مما جعلهم يواجهون خطر التوقيف أثناء التنقل لاقتناء ما يحتاجونه من أغراض. بالإضافة إلى عدم اتباع السلطات الإجراءات الوقائية أثناء وضعهم في مركز الاحتجاز، هذا بالإضافة إلى صعوبة الحصول على القوت اليومي وما يحتاجون من مواد غذائية نتيجة قيام السلطات بفرض حالة “حصار” مضاعف على المخيمات التي يقطن بها المهاجرون الغير نظاميون خلال فترة الحجر الصحي، خاصة مع تقييد لحركة الدخول والخروج إليها ومنع جمعيات المجتمع المدني من الوصول إليها لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إليهم[xii]. كما عملت السلطات على إبعاد المهاجرين من المدن الرئيسية والمناطق الحدودية، مثل مركز إركمان بالناظور (شمال شرق المغرب)، وترحيلهم بعيدا نحو مدن الجنوب (مثل مراكش وتزنيت وبني ملال وغيرها)[xiii]. ويزيد هذا الترحيل القسري في تعميق الهشاشة لديهم، وإعادة مسار اندماجهم الاجتماعي إلى نقطة الصفر، وبالتالي إجبارهم على الانطلاق من جديد نحو المدن والمناطق التي تم إبعادهم إليها[xiv]. وعلى هذا المنوال، يصبح المهاجرون غير النظاميون من دول إفريقيا يمرون عبر باب دوار لا يفتح أمامهم أمل الاستقرار.
تركز هذه الورقة على تحليل أثار إجراءات فرض حالة الطوارئ الصحية على المهاجرين الغير نظاميين في المغرب من خلال محورين يتناول الأول معاناة المهاجرين الغير نظاميين في المغرب خلال الأوضاع العادية، ويتطرق الثاني للمعاناة في زمن جائحة كورونا.
1. السياق وخريطة الإنتشار
قبل تحليل التحديات التي يواجهها المهاجرون غير النظاميون من جنوبي الصحراء في المغرب، من المهم تقديم صورة واسعة حول الظاهرة، حيث يعتبر المغرب في السنوات الأخيرة بلد منشأ واستقبال وعبور للمهاجرين، لذلك فإن دينامية الهجرة غير النظامية لم تتوقف بالرغم من سن المغرب سنة 2014 سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء تقوم على إدارة تدفق المهاجرين وتسهيل اندماجهم داخل المجتمع المغربي، إضافة إلى محاربة الاتجار في البشر.
ويعتبر المغرب نموذجا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسياسته في مجال تدبير الهجرة. فقد تم تنزيل هذه السياسة الجديدة للهجرة عبر 11 برنامجا و81 عملية همت إجابات متجددة للتحديات التي تطرحها قضية الهجرة[xv]. كما أن من نتائج هذه السياسة إطلاق حملة استثنائية لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين المقيمين بطريقة غير قانونية بالمغرب أسفرت عن تسوية أزيد من 23 ألف حالة تمثل 83 في المائة من العدد الإجمالي للطلبات المقدمة في المرحلة الأولى سنة 2014، وما يقارب 20 ألف طلب في المرحلة الثانية بين متم دجنبر 2016 ومتم دجنبر 2017[xvi].
هذه السياسة أهلت المغرب ليقدم خطة عمل إفريقية بشأن الهجرة خلال القمة الثلاثين للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا في 29 يناير 2018 ويترأس بشراكة مع ألمانيا المنتدى العالمي للهجرة والتنمية الذي انعقدت قمته الحادية عشر بمراكش بين 5 و7 دجنبر 2018، ويحتضن قمة لمنظمة الأمم المتحدة لأول مرة في مدينة مراكش بين 10 و11 دجنبر 2018 خصصت للمصادقة على الميثاق العالمي من أجل هجرات آمنة.
ولكن بالرغم من ذلك، لا زالت هناك صعوبات تواجه دراسة ظاهرة الهجرة غير النظامية في المغرب، وعلى رأس هذه الصعوبات غياب معلومات رسمية تحصر عددهم بشكل دقيق وكذا خريطة انتشارهم.
يقدر عدد المهاجرين الغير نظاميين ما بين 25 ألفا و40 ألفا، معظمهم من دول جنوب الصحراء، وفق تقديرات وزارة الداخلية سنة 2013[xvii]، ولحدود الساعة لا توجد إحصاءات رسمية محينة حول أعدادهم.
وقد توصّلت المعاينة الميدانية التي أجراها الباحث والتي تضمنت حوارات معمقة مع المهاجرين إلى أنهم ينتشرون أساسا في ثماني مدن تعتبر مراكز تجمّع رئيسية: أربعة منها في الشمال وتُطل على المتوسط (طنجة، وتطوان، والحسيمة، والناظور)، وثلاثة في الوسط (العاصمة الرباط، والدار البيضاء، وفاس)، وواحدة في الشرق هي وجدة التي تعتبر بوابة المهاجرين غير النظاميين رغم الحدود المغلقة مع الجزائر منذ نحو ربع قرن.
رغم جاذبية هذه المدن لمهاجري جنوب الصحراء لأسباب متداخلة، يمتدّ انتشارهم أيضا إلى ستّ عشرة مدينة أخرى بسبب موقعها كمناطق عبور أو لكونها هدفا لعمليات التّرحيل التي تقوم بها السلطات، في مقدمتها تيزنيت وأكادير وإنزكان ومراكش، تليها آسفي وبني ملال وخريبكة وبنجرير وقلعة السراغنة، فالفقيه بنصالح وسوق السبت وورزازات وتنغير والراشيدية وزاكورة، ثم أزيلال آخر مدينة استقبلت مهاجرين مُرحّلين في يونيو 2019. ويتخذ المهاجرون من هذه المدن محطة استراحة قسرية قبل بدء رحلة عودتهم إلى المدن الرئيسية للاعتبارات التالية:
– وجدة: تعدّ هذه المدينة بفضل موقعها الجغرافي على الحدود مع الجزائر المنفذ الرئيسي للمهاجرين غير النظاميين، وأيضا محطة استراحة من رحلة جحيم طويلة قادتهم من بلدانهم الأصلية جنوبا إلى المغرب أقصى شمال إفريقيا. ورغم أن الحدود مع الجزائر مغلقة منذ ربع قرن، لم يمنع هذا الوضع تدفق مهاجري جنوب الصحراء، الذين يتسللون بمساعدة مهربين ينشطون على الحدود بين البلدين[xviii] إلى قرية بني درار التابعة لإقليم وجدة على بعد 23.2 كلم، وذلك انطلاقا من مدينة مغنية الجزائرية الواقعة في ولاية تلمسان بالغرب الجزائري على بعد 15 كلم من المركز الحدودي المسمى ب”العقيد لطفي” جزائريا، وب”زوج بغال” مغربيا. وخلال العقد الماضي، كان المهاجرون غير النظاميين يستقرون أساسا في ثلاثة مخيمات عشوائية إما بمحاذاة كلية الحقوق، أو غابة حي المساكين، أو الطريق الحدودي غالا في وجدة، قبل أن تشن السلطات سنة 2015 حملة لتفكيك هذه المخيمات، أرغمت عددا من المهاجرين على مغادرة المدينة، فيما اختار البعض الآخر كراء شقق سكنية محاذية لمحيط المخيمات. ومن أجل تدبير لقمة عيشهم، يعتمد المهاجرون على التسول ومساعدة المواطنين المغاربة، فيما يستفيد المسيحيون منهم من المساعدات التي تقدمها لهم الكنيسة الكاثوليكية بالمدينة.
– الناظور: رغم تفكيك السلطات في فبراير 2015 مخيمات المهاجرين الأفارقة غير النظاميين بغابة غوروغو[xix] القريبة من مدينة مليلية المحتلة بأقل من 16 كيلومترا، والتي كانت محطة لتجميع المهاجرين الراغبين في دخول مليلية بطرق غير شرعية، مازالت الناظور أهم محطة لاستقبال المهاجرين وتستمد رمزيتها من كونها المحطة الأخيرة للراغبين في التسلل لأوروبا عبر السياج الحدودي لمليلية المحتلة، لكون غابات أخرى مازالت ملاذا لآلاف المهاجرين الطامحين إلى اقتحام السياج. تجربة قد تتكرر أكثر من مرة لدى الأشخاص أنفسهم رغم استمرار الحملات الأمنية في هذه الغابات أدّت في عام 2018 إلى اعتقال حوالي 9100 مهاجرا وترحيل نحو 3000 آخرين إلى مدن وسط وجنوب المملكة، من بينهم 700 تم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وحدوث خمس وفيات داخل المخيمات بسبب الظروف المعيشية الصعبة[xx].
– تطوان: ما يقال عن الناظور ينطبق جزئيا على تطوان البعيدة عن السياج الحدودي لمدينة سبتة المحتلة بأقل من 40 كيلومترا، حيث تعتبر الخيار الثاني المفضل للمهاجرين الطامحين في الهجرة عبر اقتحام السياج الحدودي. وكانت غابة “بليونش” التابعة لعمالة المضيق-الفنيدق، الواقعة على بعد 7 كيلومترا عن سبتة مستقرهم لسنوات، قبل أن تنظم السلطات في غشت 2019 حملة واسعة النطاق في هذه الغابة وتفرض طوقا أمنيا عليها حال دون حصول تجمعات للمهاجرين أو إقامة مخيمات جديدة.
– طنجة والحسيمة: تعتبر هاتان المدينتان منفذا لأوروبا عبر قوارب الموت بسبب واجهتيهما البحريتين. لكن رغم التشابه بينهما فلا تخلوان من اختلاف، فالمهاجرون في طنجة يكترون شققا بعدد من أحيائها السكنية على رأسها حي “بوخالف” الذي أصبح معروفا بين الساكنة المحلية باسم حي “الأفارقة”، وسط حديث عن احتلال بعضهم شققا تعود ملكيتها لأشخاص يقطنون خارج البلاد[xxi]. أما في الحسيمة،فيختبئ المهاجرون في غابات باتفاق مع الميسّرين (المهرّبين) بانتظار موعد الرحلة الموعودة، وعلى طول الغابات المجاورة على الطريق الفاصلة بين سلوان والحسيمة يتجمّع بين الفينة والأخرى عدد من المهاجرين كلما اقترب موعد محاولة اقتحام جديدة.
– الدار البيضاء: بدأ تدفق أفواج المهاجرين إلى هذه المدينة منذ بدء عمليات ترحيلهم من الشمال وتوزيعهم بين عدة مدن، فحظيت بالنصيب الأكبر منهم منذ مطلع 2017. وتمكن المئات منهم من تشييد مخيم كبير قرب محطة ولاد زيان الطرقية (محطة الحافلات) التي تربط بين المدن. ولكن هذا الموقع شهد حرائق متكررة وأحداث عنف بين القاطنين فيه وسكان الأحياء المجاورة تضاربت أسبابها، مما جعل رجال الأمن يطاردون كل من ضبط خارج السياج الحديدي المحيط بالمخيم. ولا ينحصر وجود المهاجرين على من تم ترحيلهم من مدن الشمال، فالمدينة الأكبر في المغرب تظلّ ذات جاذبية بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين الساعين لكسب مبالغ مالية من امتهان التسول أو العمل في حمل السلع بأسواقها الكبرى التي تعرف رواجا كبيرا، على أمل ضمان ما يكفي لبدء رحلة العبور إلى أوروبا.
– فاس: مدينة بعيدة عن المنافذ البحرية، غير أنها ملاذ آخر لمهاجري جنوب الصحراء، لكونها كانت تشمل أكبر مخيم عشوائي كان يسع مختلف الجنسيات الأفريقية، وأقيم فوق عقار تابع للسكك الحديدية، قبل أن يجري تفكيكه وإخلاؤه بالكامل منتصف2018[xxii]. ولا يزال عدد من المهاجرين يقيمون في المدينة ويكترون شققا سكنية في بعض أحيائها الشعبية، ويمتهنون التسول عند إشارات المرور وفي المدارات الطرقية.
يوضح الجدول رقم (1) المدن الرئيسية لانتشار مهاجري جنوب الصحراء
مدن انتشار مهاجري جنوب الصحراء | ||
المدينة | شقق بأحياء سكنية | مخيمات عشوائية |
طنجة | بوخالف- مسنانة | – |
تطوان | بابوري- كورنة- المدينة القديمة | – |
الناظور | بني ينصار- سلوان
ن- أزغنغان |
بولينغو- لاكاريير- بقيوية- لخميس اقديم- جوطية |
وجدة | المساكين- الأندلس- القدس-حي الحكمة (بوعرفة سابقا)-محيط الجامعة | – |
الدار البيضاء | الحي السكني- لاجيروند- فرح السلام بالألفة- ولاد زيان- جنان اللوز- المستقبل بسيدي معروف-المدينة القديمة | بجانب محطة ولاد زيان الطرقية |
الرباط | اليوسفية- يعقوب المنصور-المسيرة- القامرة | – |
فاس | ليراك- ظهر المهراز- النجاح-مونفلوري
الأطلس- لابيطا الدكارات |
– |
الحسيمة | منازل معزولة بمساعدة مهربين | – |
المرجع: تركيب الباحث
يوضح الرسم خريطة انتشار المهاجرين من جنوب الصحراء[xxiii]
المرجع: تركيب الباحث/أسبوعية الأيام
-
المعاناة في الأوضاع العادية: ثلاثية المجهول
بالرغم من المجهودات التي بذلها المغرب في سبيل تسهيل اندماج المهاجرين الدوليين، إلا أن المهاجرين غير النظاميون يعانون من تحديات يمكن تلخيصها في ثلاثة تحديات أساسية:
أولا: تحديات الحد الأدنى من العيش السليم
بمجرد وصول المهاجرين إلى المغرب بعد المسار الشاق الذي قطعوه قادمين من أزيد من عشرين بلدا جنوبي الصحراء الكبرى، يصبح الهاجس الأول لديهم هو المسعى لضمان الحد الأدنى من شروط العيش كالمأكل والمأوى والدواء والملبس. ويكون المدخل لتحقيق ذلك غالبا هو ما يجود به المحسنون أو ما تقدمه بعض الجمعيات التطوعية من مساعدات خيرية، وكثيرا ما يلجؤون أيضا للتسول في الشوارع، أو امتهان مهن متفرقة وبسيطة في القطاع غير المهيكل الذي يساهم بأكثر من عشرين بالمئة من الناتج الداخلي الخام في المغرب[xxiv].
وبالرغم من أن المغرب قد أصبح نقطة وصول لعدد من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، إلا أن عددا منهم يعتبر المغرب نقطة عبور نحو أوروبا، ولهذا فهم يرغبون في تحقيق “حلم المغامرة الكبرى” المتمثل في قطع المسافات باتجاه نقاط محددة في شمالي أو جنوبي غربي المغرب تمثل في نظرهم جسرا للعبور إلى أوروبا عبر إسبانيا أو جزر الكناري، مما يضعهم في مسارات مختلفة، وليس بالضرورة التوجه مباشرة إلى المدن التي تقرّبهم من نقاط الهجرة[xxv].
ثانيا: صعوبة الحصول على العلاج
حاولت الحكومة منذ 2003 تسهيل استفادة المهاجرين من جنوب الصحراء من العلاج من خلال تمكينهم من الخدمات الصحية الأولية في جميع المركز الصحية تشمل الرعاية الوقائية والاستشارات الطبية العامة (صحة الأم والطفل، برنامج التلقيح..) والاستفادة من جميع البرامج الصحية الوطنية (كالوقاية وعلاج مرض السيدا، مرض السل، الملاريا..)[xxvi]. غير أن هناك صعوبات جمة تقف في طريق هؤلاء المهاجرين في السعي لتلك الخدمات الاستشفائية بسبب ضعف المنظومة الصحية المغربية التي يعاني منها المواطنون المغاربة أنفسهم.
قد يستفيد البعض ممن حالفهم الحظ بتسوية وضعيتهم القانونية ضمن مبادرة تسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين التي أطلقتها الحكومة بتعليمات من الملك محمد السادس سنة 2015، والتي وقعت أربع وزارات[xxvii] بموجبها اتفاقية تقرّ توفير التغطية الصحية الأساسية للمهاجرين النظاميين بما يعادل نظام المساعدة الطبية “راميد”.
لكن ينطوي هذا الحق في العلاج على تعقيدات، ولا يشمل معالجة كل الأمراض، وإنْ كان المهاجرون يعانون وتيرة أمراض ذات خصوصية معينة.[xxviii] ويمكن تقسيم أصناف الأمراض لديهم إلى نوعين: أمراض عامة يتشابهون فيها مع باقي المواطنين المغاربة كالسكري والضغط، وأمراض خاصة ذات قرينة بطريقة عيشهم سواء في الغابات التي تفتقر لأبسط ظروف العيش الصحي أو في الشقق السكنية التي يكتظون بها، وقد تشمل بعض الغرف في بعض المدن نحو عشرين شخصا يبيتون ويأكلون ويطبخون في المساحة الضيقة ذاتها دون فصل حتى بين الجنسين، مما تنتج عنه أمراض جلدية وتنفسية[xxix].
هناك نوع ثالث من الأمراض يرتبط أساسا بالمغامرات التي يخوضونها لاقتحام السياج الحدودي، مثل الكسور والجروح الغائرة التي تحتاج في بعض الأحيان إلى إجراءات جراحية.
ثالثا: غياب مراكز إيواء خاصة
مما يزيد في معاناة المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء رفض الحكومة تشييد مراكز إيواء خاصة لهم لأنها لا تعتبرها حلا لمشكل الهجرة[xxx]. ويعيش أغلب هؤلاء الباحثين عن الحلم الأوروبي حياة التشرد، ويلتحفون الأرض في الخلاء، أو يتكدسون في شقق للإيجار، أو يعيشون بدون مأوى أو يحتمون ببعضهم بعضا في خيم مصنوعة من قصب وكرتون وأكياس بلاستيكية تشكل مخيمات عشوائية في الغابات.
منذ 2015، اتخذ انتشار المهاجرين منحى جديدا هو المبيت في العراء أو الانزواء في شقق سكنية، بسبب نهج الصرامة في التعامل مع المخيمات العشوائية التي كانت منتشرة في مدن عديدة قبل أن تتقلص لتشمل مدينتين فقط بعد تفكيك ثمانية مخيمات في السنوات الخمس الأخيرة في سبع مدن (انظر الجدول رقم 2). أما بقية المخيمات فتوجد بين الناظور التي تضم إلى حدود الأسبوع الأول من يوليوز 2019، 12 مخيما في ضواحيها (بولينغو ولاكاريير وبقيوية ولخميس اقديم وجوطية)[xxxi]؛ والدار البيضاء حيث مخيم محاذي لمحطة “ولاد زيان” الطرقية.
وإزاء تزايد حملات تفكيك المخيمات في السنوات الأخيرة، أصبح المهاجرون غير النظاميين يلجؤون إلى كراء شقق في أحياء سكنية أطلق على كثير منها اسم “حي الأفارقة”، بلغ عددها ثلاثين (انظر الجدول رقم 1). وقد حدثت توترات مع السلطة أحيانا بسبب لجوء بعض المهاجرين إلى “احتلال” مساكن بطريقة غير قانونية تعود ملكيتها إلى مغاربة يقطنون بالخارج، حيث نظمت عملية إخلاء واسعة لعدد منها واحدة في يوليوز 2015[xxxii].
الجدول رقم (2) يوضح المخيمات التي فككتها السلطات في الفترة ما بين يناير 2015 وأكتوبر 2019
8 مخيمات كبرى فككت بين 2015 وأكتوبر 2019 | ||
تاريخ تفكيك المخيم | المدينة/ الموقع | تفاصيل التفكيك |
12 فبراير 2015 | الناظور- غابة غوروغو | كان محطة تجمع رئيسية للمهاجرين الراغبين في اقتحام السياج الحدودي لمليلية، وخلال عملية التفكيك قالت وزارة الداخلية إنها نجحت في تحرير العديد من المهاجرين، خاصة من النساء والأطفال الذين تم احتجازهم في ظروف مزرية من طرف عصابات تهجير يتزعمها أجانب ومغاربة. |
18 غشت 2015 | وجدة – بمحاذاة كلية العلوم القانونية والاقتصادية | تم نقل المهاجرين الذين ضبطوا في المكان عبر 7 حافلات لنقل المسافرين، قبل هدم الخيم وحجز كل ما بها من محتويات. |
18 أكتوبر 2017 | الناظور- منطقة سلوان | سبق لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” أن أصدرت تقريرا بشأنه سنتين قبل إخلائه ووصفت الوضع الحقوقي فيه بـ “المأساوي”، مضمنة تقريرها شهادات لمهاجرين مقيمين فيه. |
فبراير 2018 | تطوان – غابة بليونش | أسفر تفكيكه عن ترحيل أزيد من 1200 مهاجر وفق تقديرات جمعيات حقوقية، ومنذ تلك الفترة لم يثبت إقامة أي مخيم بالغابة التي كانت مأوى للمهاجرين لسنوات. |
يوليوز 2018 | فاس- فوق عقار تابع للمكتب الوطنية للسكك الحديدية) | كان يضم أزيد من 4000 مهاجر من جنسيات مختلفة، واضطرت السلطات إلى إخلائه بعد صدور حكم قضائي يقضي بإفراغ العقار التابع للمكتب الوطني للسكك الحديدية، وعقب إشعار المهاجرين بضرورة مغادرته ثلاثة أيام قبل تنفيذه، استجاب إليها ثلثي المهاجرين، فيما واجه الآخرون عمليات الترحيل. |
12 مارس 2019 | أكادير- قرب المحطة الطرقية بأكادير | جاءت عملية التفكيك، وفق ما أعلنته ولاية أكادير، بعد ورود شكايات متعددة من الساكنة المجاورة، وتم نقلهم بموافقتهم إلى مركز اجتماعي للإيواء في حي “أنزا”، يتوفر على متطلبات الحياة من مأكل ومشرب ورعاية طبية. |
4 يوليوز 2019 | الدار البيضاء- قرب محطة ولاد زيان الطرقية | عرف إخلاء جزئيا، وشهد في مرات عديدة إضرام النار، وأحداث عنف متبادلة مع الساكنة، ويضم أكواخا من أعمدة خشبية وقماش تعلوها أغطية بلاستيكية. |
شتنبر 2019 | آسفي- قرب المحطة الطرقية للمسافرين | أقيم في 2016 نتيجة حملات الترحيل، وتعزز بالخيام البلاستيكية والقماش والكارتون، ولم تعرف عملية تفكيكه مقاومة من جانب المهاجرين. |
المرجع: تركيب الباحث
-
المعاناة في حقبة كورونا
في العشرين من مارس 2020، دخلت حالة الطوارئ الصحية في المغرب حيز التنفيذ بمقتضى مرسوم بقانون صدر في الجريدة الرسمية[xxxiii] نصّ على حظر مغادرة الأشخاص محل سكناهم[xxxiv]، وأي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه إلا في حالة الضرورة القصوى[xxxv]، وتقييده بورقة التنقل الاستثنائية[xxxvi]. وينطبق ذلك على كافة المواطنين والمقيمين في المغرب، بمن فيهم المهاجرون غير النظاميين.
أملت الإجراءات الخاصة بجائحة كورونا ترديا جديدا في أوضاع المهاجرين من جنوب الصحراء، مما زاد في الطين بلة مقارنة مع الظروف المتردية التي كانوا يعايشونها في ظل الأوضاع العادية. وعلى غرار الحجر الصحي الذي فرضته جل دول العالم، أقرّ المغرب أيضا مرسوم الطوارئ الصحية في 20 مارس بعد أسبوعين من تسجيل أول إصابة مؤكدة لشخص وافد، كان من نتائجها توقف شبه كلي لعجلة الاقتصاد الذي تكبد خسائر بلغت مليار درهم (مليون دولار) يوميا[xxxvii] طيلة ربع عام قبل أن يبدأ تخفيف الحجر الصحي عمليا في 25 يونيو باتخاذ قرار فتح التنقل بين المدن[xxxviii] باعتباره آلية لعودة الحياة الطبيعية واستئناف الأنشطة الاقتصادية.
وتكشف المتابعة الميدانية أربعة مؤشرات رئيسية على تفاقم أوضاع المهاجرين غير النظاميين خلال أشهر الحجر الصحي:
أولا، عدم تسليم السلطات وثيقة التنقل الاستثنائية إليهم على غرار المواطنين المغاربة، مما سبب لهم متاعب وصعوبات في التنقل لاقتناء الأغراض التي يحتاجونها، وأصبحوا معرّضين للتوقيف في حالة مغادرتهم مأواهم. ولم تنفع بعض المطالب في تسليمهم الوثيقة المذكورة التي تضمن حرية التنقل لمكان العمل أو لأجل اقتناء المشتريات الضرورية للمعيش اليومي في محيط مقر السكن أو العلاج أو اقتناء الأدوية[xxxix]. غير أن معاناتهم تختلف حسب مكان وجودهم لحظة تعليق التنقل بين المدن، فمن قادته الظروف إلى المدن الكبرى، كان أفضل حالا من المنزوين في الغابات وضواحي المدن، حيث واجهوا متاعب إضافية في ضمان المأكل والمشرب، بسبب التشديد الأمني الذي حال دون تنقلهم إلى محلات بيع المواد الغذائية حتى بالنسبة لأولئك الذين لديهم مبالغ نقدية.
وكان القاطنون في الشقق السكنية ولو بأعداد كبيرة أفضل حالا من سكان المخيمات العشوائية التي تعاني كل أنواع الهشاشة، والتي أصبح وصول الجمعيات الخيرية إليها شبه مستحيل، بسبب الإجراءات الحكومية الصارمة التي تمنع كل أنواع الاختلاط والتجمعات خشية تفشي الوباء، وذلك رغم أن ساكنة المخيمات كانت تعتمد بشكل كبير على دعم الجمعيات والحملات الطبية التطوعية التي تنظم قريبا من خيامها. ومن المؤكد أن ترك الآهلين في هذه المساكن البدائية لحالهم يعانون الجوع والمرض وصعوبة الوصول إلى المياه النظيفة قد يؤدي إلى تفشي أمراض وأوبئة أخطر من كورونا في صفوفهم.
ثانيا، عدم اتباع السلطات إجراءات الوقاية أثناء وضع المهاجرين الموقوفين في مركز الاحتجاز الواقع في منطقة أركمان بالناظور، كالتباعد الاجتماعي وتوفير الكمامات[xl]، وذلك أثناء استئناف تدخلات السلطات ضد مخيمات المهاجرين في 15 أبريل، بعد توقف امتد بين الفترة بين 13 مارس و15 أبريل[xli].
ثالثا، ثمة مؤشر آخر ساهم في تفاقم معاناة مهاجري جنوب الصحراء لا تتم الإشارة إليه في الغالب لكن له تأثير بالغ، هو تقلص عمل جمعيات حماية المهاجرين خلال أشهر الحجر الصحي إما لسبب ذاتي أو بسبب منعها من توزيع المساعدات لاعتبارات أمنية وصحية. وبرز ذلك بشكل واضح في مدينة الناظور بسبب بُعد المخيمات عن مركز المدينة. ولعل ذلك ما دفع جمعيات تشتغل في المجال إلى مطالبة السلطات الحكومية بالتدخل الفوري لحماية المهاجرين من انتشار فيروس كورونا المستجد[xlii]. علما أن جمعيات حكومية وغير حكومية خصصت لفائدتهم حملات تطوعية كتلك التي أطلقها المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر بعض لجانه الجهوية، مثل اللجنة الجهوية بفاس مكناس التي تابعت بتنسيق مع جمعية محلية وضعية عدد من المهاجرين من دول جنوب الصحراء، ممن لا يتوفرون على مأوى، توجت بتدخل السلطات المحلية في 30 مارس لتوفير المأوى لهم وتمكينهم من الفحص والمتابعة الطبية، وأيضا اللجنة الجهوية بالداخلة وادي الذهب التي أثمرت اتصالاتها مع السلطات العمومية تقديم المساعدات لفائدة عشرات المهاجرين ممن يتعذر عليهم تأمين الاحتياجات الأساسية في ظل الحجر الصحي[xliii].
رابعا، أما المؤشر الأخير عن معاناة المهاجرين فهو استثناؤهم من الاستفادة من الدعم المؤقت للأسر العاملة في القطاع غير المهيكل المتضررة من فيروس كورونا، رغم أن عددا منهم يشتغلون في هذا القطاع. وبلغت المساعدة المالية للأسر التي أصبحت لا تتوفر على مدخول يومي إثر الحجر الصحي، والتي تم منحها من موارد صندوق محاربة جائحة كورونا[xliv]، 800 درهما للأسرة المكونة من فردين أو أقل، فيما وصلت إلى 1000 درهما للأسرة المكونة من ثلاث إلى أربع أفراد، و1200 درهما للأسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أشخاص[xlv]. وجاء استبعادهم من الدعم رغم مطالبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان توسيع التدابير المتخذة لدعم كل الفئات الهشة بما فيها المهاجرين واللاجئين[xlvi]، والذي كان سيكلف حوالي 96 مليون درهم فقط باحتساب الحد الأقصى من عدد المهاجرين المتوقع في 40 ألفا، وثلاث أشطر من الدعم كما هو منصوص عليه، وهو ما يشكل أقل من 1 بالمئة من المبلغ المرصود للعملية المحدد في 11 مليار درهم.
بالإضافة إلى ذلك، تأثر المهاجرون بشكل مباشر بحالة الحجر الصحي في البلاد بسبب تقييد الحركة وحملات الترحيل من منطقة لأخرى التي تنهجها السلطات.
تُظهر خريطة انتشار مهاجري جنوب الصحراء أعلاه، أنهم في حركية مستمرة، لكن حركيتهم تختلف تبعا لخطة العبور نحو أوروبا. بالنسبة لمن يختارون اقتحام السياجين الحدوديين فإن حركتهم تكون في اتجاه واحد وهو الوصول إلى إحدى المدينتين تطوان أو الناظور مع تأمين قوت يومهم دون حاجة لجمع المال. بخلاف من يفضلون الطريق البحري، والذين يشكلون الغالبية (18 محاولة وصول لأوروبا من أصل 24 تمت بحرا سنة 2017[xlvii])، فإنهم مطالبون بدفع مبالغ مالية للمهربين تتراوح بين 2000 و5000 دولار (بين 21 و53 ألف درهم)[xlviii]، ويمكن أن ترتفع في فصل الصيف عندما يكون البحر هادئا وتكون مخاطر الرحلة أقل.
قد تساعد الأموال التي تفرضها شبكات التهريب في تفسير لجوء عدد من المهاجرين إلى الاستقرار في المغرب لسنوات بحثا عن عمل، واضطرارهم لأجل ذلك للانتقال بين عدد من المدن. وتتولى هذه الشبكات قيادة المهاجرين عبر متاهات البحر، وتساهم في بروز سوق لهجرة “قاتلة ومربحة”[xlix]، رغم الجهود التي تبدلها السلطات الأمنية لملاحقتها، والتي نتج عنها تفكيك 36 شبكة إجرامية تنشط في مجال الهجرة غير النظامية في الفترة ما بين يناير و15 شتنبر 2019، وتوقيف 301 منظما لعمليات الهجرة السرية، وحجز 2026 وثيقة هوية أو سندات سفر مزورة، فضلا عن توقيف 22 ألفا و747 مهاجرا غير نظامي، بينهم 16 ألف و245 أجنبيا خلال الفترة المذكورة[l]. ويمكن التوصل إلى “رقم معاملات” الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت، انطلاقا من فرضية نجاح عدد المهاجرين الموقوفين في العبور لأوروبا بالاعتماد على المهربين، ودفعهم الحد الأدنى من المبلغ المطلوب المتمثل في ألفي دولار، حيث تظهر العملية الحسابية أنه قد يبلغ 45.5 مليون دولار (428 مليون درهم).
لكن في ظل حالة الطوارئ الصحية المفروضة في المغرب، والتي كان من أهم إجراءاتها تعليق حركة التنقل بين المدن، توقفت حركية مهاجري جنوب الصحراء بشكل جزئي، باستثناء تحركات قليلة تم رصدها بين مدينتي وجدة والناظور التي يفصل بينهما 160 كيلومترا[li].
تنطبق نفس الملاحظة على عمليات ترحيل المهاجرين من منطقة لأخرى، إذ لم ترصد أي من الجمعيات المدافعة عن المهاجرين وقوع عمليات ترحيل خلال فترة تنفيذ الطوارئ الصحية. لكن، يبقى الترحيل المتمثل في نقل مهاجري جنوب الصحراء من مدن الشمال إلى مدن أبعد أحد الإجراءات التي تتبعها السلطات في السنوات الأخيرة. وتثير عليها انتقادات الجمعيات الحقوقية، بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعتبر تلك الإجراءات غير قانونية وأن عدم التوفر على أوراق الإقامة لا يمكن أن يكون حجة للترحيل من منطقة لأخرى[lii].
بيد أن السلطات تتمسك بأن ترحيل المهاجرين من منطقة لأخرى فوق التراب الوطني لا يتعارض مع القوانين الدولية لأنه لا يتعلق بالترحيل إلى بلدانهم الأصلية، وإنما بإعمال القانون الذي يتيح لها منع أشخاص لا يتوفرون على أوراق إقامة من ولوج أماكن معينة[liii]، وأن الهدف من وراء ذلك هو إبعادهم عن شبكات الاتجار بالبشر.
-
خلاصة
يبدو أن دينامية الهجرة غير النظامية في المغرب تأثرت بجائحة كورونا بمستويات متعددة. كما يعكس ذلك انخفاض حركية المهاجرين وتوقف عمليات الترحيل من منطقة لأخرى. لكن، لايزال هناك تحدّيان جديدان يلوحان في الأفق:
– يتعلق التحدي الأول بكون حركية الهجرة غير النظامية في المغرب تتقلص، لكنها لا تتوقف حتى في ظل أوضاع استثنائية وغير مسبوقة مثل ما عاشته البلاد جراء الحرب ضد جائحة فيروس كورونا والتي يصعب التنبؤ بأسوأ منها.
– يعدّ مهاجرو جنوب الصحراء غير النظاميين إحدى الفئات الأكثر هشاشة في البلاد، مما يفرض تحركا استعجاليا للتقليل من حجم المعاناة التي تفاقمت خلال الفترة السابقة في أرض المغرب الذي يمثل بحكم موقعه الجغرافي بوابة إلى أوروبا، وصدقت نحو 150 دولة منذ سنتين على الميثاق العالمي للهجرة أو “الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية” في مراكش يومي 10 و11 دجنبر 2018. ويعتبر هذا الميثاق أول وثيقة دولية بتزكية الأمم المتحدة تنظم قضية الهجرة وتتعامل مع تدفقات المهاجرين في العالم. وترتكز أهدافها الثلاثة والعشرون على حقوق الإنسان وعدم التمييز وتيسير حصول المهاجرين على الخدمات الأساسية، وتقر بالحاجة إلى نهج تعاوني لتحسين الفوائد العامة للهجرة، مع التخفيف في الوقت ذاته من مخاطرها وتحدياتها للأفراد والمجتمعات في بلدان المنشأ والعبور والمقصد.
ويمكن أن يكون المدخل لتحقيق ذلك بالعمل من أجل توفير الحد الأدنى من شروط العيش الكريم وتحسين عملية الولوج إلى العلاج للتقليل من المعاناة مستقبلا.
الهوامش
[i] – البحرية الملكية تنقذ بعرض البحر الأبيض المتوسط 93 مرشحا للهجرة السرية من إفريقيا جنوب الصحراء، وكالة المغرب العربي للأنباء، 18 يونيو 2020، على الرابط التالي:
[ii] – المصطلح المستخدم لوصف المنطقة من القارة الأفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى.
[iii] – أزمة كورونا تزيد متاعب المهاجرين الأفارقة الجنوب صحراويين بالمغرب، فرانس 24 (نقلا عن “أ ف ب”)، 13 ماي 2020، على الرابط التالي:
[iv] – بلاغ تعليق الرحلات الجوية والنقل البحري للمسافرين من وإلى إسبانيا، وكالة المغرب العربي للأنباء، 12 مارس 2020، على الرابط التالي:
[v]– البحرية الملكية توقف 157 مرشحا للهجرة غير الشرعية في المتوسط والأطلسي، وكالة المغرب العربي للأنباء، 6 ماي 2020، على الرابط التالي:
[vi] – الملك محمد السادس يرسل فرقة عسكرية إلى طرفاية، الصحافة، 22 يونيو 2020، على الرابط التالي:
[vii] – مصدر سابق: أزمة كورونا تزيد متاعب المهاجرين الأفارقة الجنوب صحراويين بالمغرب، فرانس 24 (نقلا عن “أ ف ب”)، 13 ماي 2020،
[viii] – مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الجريمة الرسمية، عدد 6867 مكرر، بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، الصفحة 1782. مرسوم رقم 2.20.371 صادر في 25 من رمضان 1441 (19 ماي 2020) بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19، الجريدة الرسمية، عدد 6883 مكرر، بتاريخ 25 رمضان 1441 (19 ماي 2020)، الصفحة 2776. مرسوم رقم 2.20.406 صادر في 17 من شوال 1441 (9 يونيو 2020) بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19 وبسن مقتضيات خاصة بالتخفيف من القيود المتعلقة بها، الجريدة الرسمية، عدد 6889 مكرر، بتاريخ 17 شوال 1441 (9 يونيو 2020)، الصفحة 3394.
[ix]– مرسوم رقم 2.20.526 بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء اتراب الوطني، تقرير أشغال اجتماع مجلس الحكومة 6 غشت 2020، البوابة الوطنية، على الرابط التالي:
[x] – إشكالية الهجرة في سياسات واستراتيجيات التنمية في شمال إفريقيا- دراسة مقارنة، الأمم المتحدة- اللجنة الاقتصادية لإفريقيا مكتب شمال إفريقيا، 2014، الصفحة 36
[xi] – المغرب يرفض إقامة مراكز لإيواء المهاجرين بأراضيه، الجزيرة نت، 5 أكتوبر 2018، على الرابط التالي:
[xii] – ثالوث بيرمودا لوضعية المهاجرين الأفارقة بالشمال، الأيام، العدد 900، 28 ماي 2020.
[xiii] – بلغ العدد 5000 حالة إلى حدود دجنبر 2019. حسب يومية “ليبيراسيون” Libération الصادرة في 20 مارس 2019.
[xiv] – تقرير وضع الحقوق والحريات بالمغرب خلال سنة 2019، الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، يونيو 2020، الصفحة 103
[xv] – جواب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على سؤال “سياسة الحكومة في مجال الهجرة”، الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، مجلس النواب، 29 أكتوبر 2018.
[xvi] – عرض لوزير الداخلي عبد الوفي لفتيت بلجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، 8 ماي 2017، وكالة المغرب العربي للأنباء، على الرابط التالي:
[xvii] – المغرب أول بلد يعالج الهجرة بمقاربة إنسانية واجتماعية وحقوقية، جريدة الصحراء المغربية، 13 نونبر 2013، على الرابط التالي:
http://www.assahraa.ma/journal/2013/174643
[xviii] – محمد كريم بوخصاص، طريق الجحيم، أسبوعية الأيام، الصفحة 16، العدد 830، 29 نونبر 2018.
[xix] – بلاغ وزارة الداخلية حول تفكيك مخيم غابة غوروغو بمدينة الناظور، 10 فبراير 2015.
[xx] – تقرير أوضاع المهاجرين واللاجئين في الناظور سنة 2018، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع الناظور.
[xxi] – بلاغ وزارة الداخلية حول عملية إخلاء 85 شقة يحتلها مهاجرون من جنوب الصحراء وتعود ملكيتها لأشخاص يقطنون بالخارج، 1 يوليوز 2015.
[xxii] – بلاغ وزارة الداخلية حول تفكيك مخيم المهاجرين بمحطة فاس، 8 يوليوز 2018.
[xxiii] – نقلا عن أسبوعية الأيام، الصفحة 16، العدد 869، بتاريخ 17 أكتوبر 2019.
[xxiv] – دراسة: “الاقتصاد غير المهيكل… تأثيره على تنافسية المقاولات ومقترحات تدابير لإدماجه”، الاتحاد العام لمقاولات المغرب، 2014
[xxv] – عائشة بلحاج، المهاجرون الأفارقة: صامدون على الطريق إلى الحلم الأوروبي، السفير العربي، 12 غشت 2018، على الرابط التالي:
[xxvi] – “صحة المهاجرين: رافعة مهمة للإدماج المتعدد القطاعات في المغرب”، وزارة الصحة، على الرابط التالي:
https://www.sante.gov.ma/sites/Ar/Pages/communiqu%C3%A9s.aspx?communiqueID=216
[xxvii] – الوزارات الأربعة هي: وزارة الصحة ووزارة المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ووزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية.
[xxviii] – مارسو: الطبيبة التي وهبت حياتها لعلاج المهاجرين، أسبوعية الأيام، الصفحة 19، العدد 869، 17 أكتوبر 2019.
[xxix] – المصدر السابق.
[xxx] – المغرب يرفض إقامة مراكز لإيواء المهاجرين بأراضيه، الجزيرة نت، 5 أكتوبر 2018، على الرابط التالي:
[xxxi] – تقرير الهجرة و اللجوء بالناضور سنة 2019،”انتهاكات جسيمة في خدمة سياسات الهجرة الأوروبية”، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع الناظور.
[xxxii] – بلاغ وزارة الداخلية، إخلاء 85 شقة كان يحتلها مهاجرون منحدرون من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بشكل غير قانوني بحي العرفان بطنجة، وكالة المغرب العربي للأنباء (رسمية)، على الرابط التالي:
[xxxiii] – مرسوم رقم 2.20.293، صادر في 29 من رجب 1441 (24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي كورونا- كوفيد 19، الجريدة الرسمية، عدد 6867 مكرر، بتاريخ 29 رجب 1441 (24 مارس 2020)، الصفحة 1783.
[xxxiv] – المادة الثالثة من مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي كورونا- كوفيد 19.
[xxxv] – نفس المصدر السابق.
[xxxvi] – بلاغ وزارة الداخلية بخصوص وثيقة التنقل إلى مقرات العمل، البوابة الوطنية، 20 مارس 2020، على الرابط التالي:
[xxxvii] – ينشعبون: المغرب يخسر مليار درهم عن كل يوم بالحجر الصحي، هسبريس، 19 ماي 2020، على الرابط التالي:
https://www.hespress.com/economie/471906.html
[xxxviii] – بلاغ مشترك لوزارات الداخلية والصحة والصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، 21 يونيو 2020، موقع رئيس الحكومة، على الرابط التالي:
[xxxix] – موقع تحميل ورقة التنقل الاستثنائية
http://covid19.interieur.gov.ma/assets/files/attestation_confinement_ar.pdf
[xl] – ثالوث بيرمودا لوضعية المهاجرين الأفارقة بالشمال، أسبوعية الأيام، الصفحة 12، العدد 900، بتاريخ 28 ماي 2020
[xli] – المصدر السابق.
[xlii] – كورونا يقلص عمل جمعيات حماية المهاجرين بالمغرب، موقع القناة الثانية، 18 مارس 2020، على الرابط التالي:
[xliii] – كورونا.. تقديم مساعدات لمئات الأشخاص وإيواء 36 مهاجرا، العمق المغربي، 10 أبريل 2020، على الرابط التالي:
https://al3omk.com/521400.html
[xliv] – بلاغ إحداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19″، موقع رئيس الحكومة، 17 مارس 2020، على الرابط التالي:
[xlv] – بلاغ لجنة اليقظة الاقتصادية، وقع وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، 23 مارس 2020، على الرابط التالي:
https://www.finances.gov.ma/ar/Pages/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D8%A9.aspx?fiche=4994
[xlvi] – المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى توسيع التدابير لدعم كل الفئات الهشة في ظل حالة الطوارئ الصحية، وكالة المغرب العربي للأنباء، 2 أبريل 2020، على الرابط التالي:
[xlvii] – نشرة دينامية الهجرة لشهر فبراير 2017، مرصد الشمال لحقوق الإنسان، 4 مارس 2017.
[xlviii] – تقرير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع الناظور لسنة 2019
[xlix] – المصدر السابق.
[l] – توقيف أزيد من 420 ألف شخص خلال عمليات أمنية في الفترة ما بينن فاتح يناير الماضي و15 شتنبر الجاري، ندوة صحافية لمدير الشرطة القضائية، وكالة المغرب العربي للأنباء، 19 شتنبر 2019، على الرابط التالي:
[li] – محمد كريم بوخصاص، يوميات مهاجرين أفارقة في المغرب على إيقاع كورونا، الصفحة 12، العدد 900، 28 ماي 2020.
[lii] – حوار مع آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أسبوعية الأيام، الصفحة 22، العدد 896، 30 أبريل 2020.
[liii] – القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
محمد كريم بوخصاص
أستاذ محاضر في الصحافة والإعلام بجامعة المولى إسماعيل بمكناس. سبق له التدريس بالمعهد العالي للصحافة والاتصال بالدار البيضاء. حاصل على شهادة الدكتوراه في علوم الإعلام والتواصل، وعمل صحافيًّا مهنيًّا لمدة 13 عاما في عدة مؤسسات إعلامية، آخرها أسبوعية "الأيام". أنتج، خلال مسيرته المهنية، عددا من التحقيقات الاستقصائية التي حازت جوائز وطنية ودولية، منها: "الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة" مرتين (2018 و2022)، و"جائزة الاتحاد الأوروبي لإعلام الهجرة" (2019)، و"الجائزة الوطنية للصحافيين الشباب" (2018)، و"جائزة بروميثيوس لأفضل تحقيق حول المالية العمومية" (2020)، كما رُشِّح في القائمة القصيرة لجوائز دبي للصحافة العربية مرتين (2017-2019). أصدر كتاب "مقدمات في سوسيولوجيا الحدث"، وشارك في نشر ثلاثة كتب جماعية حول "التواصل في عصر التحول الرقمي"، و"التضليل الإعلامي"، و"الكتابة في السياق الإعلامي".