يتقدم المغرب في مسار التطبيع مدفوعا بحسابات استراتيجية، إلا أن الرفض المجتمعي المتصاعد يُعمّق فجوة الثقة ويختبر قدرة الدولة على ضبط التوازن بين تطلّعاتها الخارجية وتماسكها الداخلي.
مُلخّص تنفيذي
مُنذ عام 2020 يتقدم المغرب في مسار التطبيع مع إسرائيل، مدفوعا بحسابات استراتيجية تتعلق بوحدته الترابية والتزاماته الجيوسياسية، لا سيّما في مجالات التّعاون الأمني والعسكري. في المقابل، تتصاعد موجات الرفض المجتمعي لهذا المسار، مما يُعمّق فجوة الثقة ويختبر قدرة الدولة على ضبط التوازن الصعب بين تطلّعاتها الخارجية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على تماسكها الداخلي.
مُقدّمة
في 4 يونيو 2025، تحوّلت محاضرة ألقاها رئيس الحكومة المغربية الأسبق، سعد الدين العثماني، بكلية الآداب بتطوان (شمال المغرب) إلى ساحة احتجاج،رفع فيها مجموعة من الطلبة اليساريين شعارات مناهضة للتطبيع مع إسرائيل[1]. تعكس هذه الحادثة استمرار الجدل المجتمعي حول التطبيع المغربي مع إسرائيل، وهو جدل يتجاوز حدود أسوار الجامعة ليعكس حالة توتر مجتمعي، تزايدت حدّته منذ توقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل في أواخر عام 2020.
قدّمت الدولة المغربية آنذاك القرار باعتباره خطوة سيادية تهدف أساسا إلى تعزيز الاعتراف الدولي بسيادتها على الصحراء، إلى جانب تحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية. إلا أن هذا الرهان الجيوسياسي، أصبح يحمل في طياته كلفة سياسية واجتماعية عالية، بسبب تزايد مظاهر الرفض لمسار التطبيع، لا سيّما بعد 7 أكتوبر 2023، وما تبعه من تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة[2]، إذ أصبحت السلطات المغربية تواجه صعوبات متنامية في إدارة هذا الملف، وذلك في سياق دولي شهد موجات تضامن عالميّة واسعة مع الفلسطينيين، ما يجعل تدبير الموقف الداخلي أكثر تعقيداً.
وهُنا تجد السلطات المغربية نفسها أمام معادلة دقيقة، تقتضي الإمساك بخطوط متنافرة حد التّناقض[3]: الحفاظ على مسار التطبيع بما يحمله من رهانات جيوسياسية، وفي الوقت نفسه احتواء المزاج الشعبي الرافض له. ورغم أن السلطات المغربية استطاعت إلى الآن، تدبير نوع من التوازن بين هذين الخيارين بأقل الخسائر من خلال السماح بهوامش احتجاجية مضبوطة، مع تدخلات أمنية حين تتجاوز هذه التعبيرات الخطوط المرسومة، إلاّ أنّ ما يبديه المجتمع المدني من مقاومة متنامية لهذا التوجه بشكل مستمر يتطلّب من الدّولة طرح سؤال الكُلفة السياسية والاجتماعية للتطبيع بنفس درجة تفكيرها في المكاسب الجيوسياسية.
سياسات التّطبيع ومأزق ما بعد 7 أكتوبر
تم الإعلان عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في نهاية 2020، في لحظة إقليمية مفصلية، اتّسمت بإعادة رسم التحالفات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ضمن ما سُمّي ب “اتفاقات أبراهام”. في مقابل تطبيع العلاقات، حصل المغرب على اعتراف أمريكي بسيادته على الصحراء، وهو ما جرى تأكيده في بلاغ الدّيوان الملكي في العاشر من دجنبر 2020، الذي ربط بشكل صريح الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بمسار استئناف العلاقات مع إسرائيل. وأكد البلاغ بأن الأمر لا يتعلّق بسياسة جديدة وإنّما باستئناف لعلاقات قديمة[4]. تُعطي قراءة البلاغ للوهلة الأولى انطباعًا أوليًّا بأننا أمام “تطبيع جزئي” يركز على ثلاث عناوين كبرى: 1) تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب؛ 2) استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية في أقرب الآجال؛ 3) تطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي[5]. وتَمَّ اعتماد “إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين” كآلية عملية لهذا المسار. وفي بلاغ ثان للديوان الملكي في 22 دجنبر من نفس السنة، تم تأكيد نفس نمط العلاقة من خلال الإشارة إلى “استئناف آليات التعاون مع إسرائيل” في إطار إعلانٍ مشترك بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، والذي وقّعه عن المملكة المغربية رئيس الحكومة آنذاك، السيد سعد الدين العثماني [6]. بذلك، فإنّ سياق التطبيع لا يمكن فصله عن بعده الثلاثي، حيث تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دور الراعي المباشر لهذا الاتفاق، ويقوم ضمنه المغرب بتطبيع جزئي مع إسرائيل.
وعلى عكس التوقعات التي رجّحت أن وتيرة التطبيع المغربي-الإسرائيلي ستتراجع أو تتباطأ حسب وثيرة الأحداث، شهد هذا المسار تسارعاً لافتا منذ توقيع اتفاق التطبيع في دجنبر 2020، خصوصًا في مجالات التعاون الأمني والعسكري[7]. بدأت الخطوات باتفاقيات لتبادل المعلومات الاستخباراتية، تُوّجت بتوقيع اتفاق دفاعي غير مسبوق في نوفمبر 2021 خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى الرباط. يتيح هذا الاتفاق للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا، بالإضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير[8]. وقد تجسّد هذا التّعاوُن ميدانيًا من خلال زيارات متبادلة بين قادة الجيوش، ومشاركة جنود إسرائيليين لأول مرة في مناورات “الأسد الإفريقي” بالمغرب في صيف 2023[9]. إن التعاون العسكري والأمني المتزايد بين المغرب وإسرائيل يعكس تحول العلاقات بينهما من مستوى إعلان النوايا إلى سياسات فعليّة، تسعى من خلالها الدولة المغربية إلى إعادة رسم توازناتها في ظل تصاعد التوترات مع الجزائر، وتنامي الاعتماد على تحالفات جديدة تشمل الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة.
ومن اللاّفت أنّ أحداث 7 أكتوبر 2023، وما تلاها من حرب إبادة في غزة تقوم بها إسرائيل، لم تؤدِّ إلى تعطيل أو تأجيل تنفيذ بعض التزامات الاتفاق[10]، بل استمر تنفيذ الاتفاق في مختلف المجالات المدنية والعسكرية. فعلى سبيل المثال، تواصل هذا التعاون من خلال مصادقة إسرائيل على اتفاق الملاحة البحرية في 8 ماي 2025[11]، كما شارك جنود إسرائيليون مُجدّدا في مناورات “الأسد الإفريقي” بالمغرب سنة 2025[12]. ووفقًا للتقرير الذي أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بتاريخ 10 أبريل 2025، فإن المعدات العسكرية الإسرائيلية باتت تشكل نحو 11% من واردات المغرب الدفاعية في الفترة بين 2020 و2024، ما جعل إسرائيل ثالث أكبر مزوّد سلاح للمملكة[13]. كما أصبح المغرب من بين كبار زبائن الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، بتوقيعه صفقةً لشراء قمر صناعي استخباراتي، ثم استكماله في عام 2025 صفقة لاقتناء مدافع متطورة من طراز Atmos 2000 مقابل 200 مليون دولار[14].
ويرجع السبب الرئيسي لهذه السياسة إلى ما تعتبره الدولة المغربية مكاسب استراتيجية متوقعة، على رأسها ترسيخ الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، والذي أعقبه دعم من قبل دُوّل تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، مثل فرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى دول أخرى في الشمال والجنوب. يُظهر هذا التوجه أنّ السّلطات المغربية تركز على العائدات الجيوسياسية للتطبيع، في حين تتغاضى عن كلفته السياسية والاجتماعية، خاصّة في ظل تنامي الغضب الشعبي من الجرائم الإسرائيلية في غزة، وما يُفهم منه كتناقض مع الخطاب الرسمي الذي يؤكد على التزام المغرب بالجهود الإنسانيّة في القطاع. وفي هذا الصّدد، ترى تحليلات إسرائيلية أنّ استمرار مسار التّطبيع مع المغرب بعد 7 اكتوبر وما تلاها من أحداث في غزة، كان بمثابة “لعنة كبرى” كَبَحَت قطارا سريعا لتطبيع “فاق كل التوقعات” في مداه ونطاقه، لكنها لم توقف هذا المسار[15].
المغاربة متضامنون مع غزّة ورافضون للتّطبيع
في مقابل تسارع مسار التعاون الأمني والعسكري بين المغرب وإسرائيل منذ إعلان استئناف العلاقات، شهدت الساحة المغربية تصاعدًا ملحوظا في حركات الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحرب في غزة وللتطبيع مع إسرائيل، مما يضع صانع القرار أمام معادلة معقدة بين الالتزامات الجيوسياسية من جهة والاستجابة للوجدان الشعبي من جهة أخرى. منذ الإعلان عن التطبيع، عبّرت فعاليات سياسية ومدنية عن رفضها لهذا القرار، حيث وقعت نحو 35 منظمة مدنية ونقابية وسياسية بياناً في 10 دجنبر 2025، أعلنت فيه أنّ القرار “يتنافى مع موقف الشعب المغربي وقواه الحية، ويشجع على استباحة الدم الفلسطيني، وينتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه”[16].
وقد شهد الموقف الشعبي المغربي تجاه قضية التطبيع مع إسرائيل تحوّلًا لافتا خلال الفترة الممتدة بين عامي 2022 و2024، كما تعكسه نتائج “المؤشر العربي”. ففي عام 2022، عبّر 67% من المغاربة عن رفضهم الاعتراف بدولة إسرائيل، مقابل 22% أيّدوا هذا الاعتراف[17]. غير أن هذه المعطيات تغيّرت بشكل جذري في أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023، التي مثّلت نقطة تحوّل مفصلية في المزاج الشعبي المغربي، كما في كثير من بلدان المنطقة. فبحسب أرقام عام 2024، اعتبر 86% من المغاربة أن ما وقع في 7 أكتوبر يشكّل “عملية مقاومة مشروعة”، في حين وصفها 4% فقط بأنها “غير مشروعة”. هذا التحوّل في التوصيف الأخلاقي والسّياسي لما جرى، انعكس مباشرة على مواقف المغاربة من إسرائيل، حيث ارتفعت نسبة الرافضين للاعتراف بها إلى 78%، فيما تراجعت نسبة المؤيدين إلى 7% فقط[18].
يعكس هذا التحول مزاجا شعبيا حساسا، يُظهر تراجعًا في القبول الشعبي لمسار التطبيع، مقابل تصاعد واضح لخطاب التّضامن مع القضية الفلسطينية. ويمكن قراءة هذا التحوّل كتفاعل مبدئي مع مشاهد التقتيل اليومي والانتهاكات التي تطال المدنيين الفلسطينيين، والتي نُقلت على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. وفي المجمل، تؤكد هذه المعطيات أن القضية الفلسطينية لا تزال تمثّل حجر الزاوية في تشكيل مواقف الرأي العام المغربي من السياسات الإقليمية، وأن التحولات الإقليمية الكبرى – كأحداث 7 أكتوبر تحمل تأثيرًا عميقًا في إعادة تشكيل المواقف الشعبية بصورةٍ لافتة، وقد تحمل في طيّاتها رسائل سياسية تتجاوز حدود الأرقام.
يشير تقرير معهد موشي ديان بأنّ السياسة المغربية منذ 7 اكتوبر تُحكم بمنطقٍ ثلاثي الأبعاد: 1) التدخل في ملفات الأزمة في الحدود الدنيا؛ 2) تدبير الزمن والتطلع ل “تجاوز العاصفة” لاستئناف تعاملات كانت مبرمجة وتم تأجيلها؛ 3) ثم أخيرا تجاهل المعارضة الداخلية لمسار التطبيع وتقليل شأن حركات التضامن مع غزة[19]. غير أنّ التقليل من شأن حركة التّضامن المغربيّ ونوعيّتها، يغفل واقعا اجتماعيا أعمق ويتجاهل أن الأمر يتعلّق بتيار أساسي عميق في المجتمع يخترق جميع مكوناته، وليس بدينامية حضرية مسيسة ونخبوية يقودها متعلمون وناشطون فقط.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة تركيز كبير في الرّؤية الإسرائيليّة على موقع حزب العدالة والتّنمية ضمن معادلة التّطبيع الجديدة. وتُفضّل تقارير إسرائيلية التركيز على ذلك بهدف اختزال حركات مناهضة التطبيع في موقف حزب العدالة والتّنمية[20]. غير أن ربط حركة التّضامن بتوجه أيديولوجي معيّن، يُغفل أنّ حركات التّضامن مع غزّة ورفض التطبيع في السياق المغربي، متجذرة في الوعي التّاريخي وفي الحراك النّضالي لقطاع واسع من المجتمع المغربي ونخبه السياسية والفكرية وتيّاراته الحزبية والإيديولوجية[21]. بالإضافة إلى ذلك، فقد صارت اليوم جزءا من حركة تضامن عالمية بأفق إنساني. وفي المُجمل، فإن تصاعد حركة التّضامن مع فلسطين بكلّ مكوناتها يُؤشّر على أن المواطنين المغاربة باتوا معنيين أكثر بمعرفة آثار قرار التطبيع و”كُلفته” على حاضرهم ومستقبلهم.
سياسة المشي على قشر البيض لتجاوز العاصفة
تتبنّى الدولة المغربية، منذ 7 أكتوبر، سياسة مزدوجة تحاول من خلالها “إمساك العصا من الوسط” عبر السماح للرأي العام بالتعبير عن تضامنه مع غزة وفي الوقت نفسه الحفاظ على مسار التطبيع. فقد شهد المغرب أقوى المسيرات الشعبية لدعم فلسطين، مقارنة بباقي الدول العربية. كما سمحت السلطات للمتضامنين مع غزة بالتعبير عن تضامنهم من خلال تنظيم مسيرات شعبية ووقفات وندوات وغيرها من الفعاليات التي لم تتوقّف منذ لحظة الإعلان عن التطبيع. بل استفادت بعض هذه الفعّاليات من تغطيات إعلامية رسميّة[22].
غير أنّ هذا الهامش من التعبير قوبل بتجاهل السلطات لمطالب هذه الحركات، من قبيل رفضها في فبراير 2024 تسلم عريضة قدمتها “ مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، حاملة توقيعات أزيد من عشرة آلاف مواطن مغربي للمطالبة بإلغاء “اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل”، و”الإغلاق النهائي لمكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط”[23]. كما سُجّلت حالات أخرى، لجأت فيها الدّولة الى التضييق على حرية التعبير بسبب مواقف مناهضين للتطبيع، بما في ذلك محاكمات وأحكام بالسجن مثل حالة الناشط عبد الرّحمان زنكاض[24] والنّاشط رضوان القسطيط[25]، بالإضافة إلى حالات أخرى وثّقتها تقارير حقوقية.[26]. يزيد هذا التّضييق من تعميق إشكالية الحريات العامة في المغرب[27].
وفي الوقت الذي تُتهم فيه حركات التضامن بالمبالغة في توصيف حجم التطبيع، فإن مطالبها ظلت ضمن الأطر القانونية والسلمية، مما يجعل من تجاهلها عامل توتير إضافي. فصمت أو تأخر تفاعل وزارة الخارجية المغربية مع عدد من المحطات الأساسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتبنيها بلاغات فضفاضة تجاه تجاوزات إسرائيل، عزز الاعتقاد بضعف استقلالية القرار المغربي في هذا الملف. فعلى سبيل المثال، التزمت الخارجية المغربية الصمت في قضية الاعتداء على دبلوماسيين من بينهم السفير المغربي في فلسطين في 20 ماي 2025 رغم المطالب الشعبية والسياسية بضرورة إصدار موقف رسمي بشأن هذا الاعتداء، كما فعلت دول أخرى[28]. وهُنا تجدر الإشارة إلى أنّ تصاعد حركة التّضامن العالمي، استطاعت أن تفرض على حكومات دول عُرفت تاريخيا بتحالفها الاستراتيجي مع دولة إسرائيل مثل بريطانيا، أن تغير من خطابها، وتتبنى مواقف أكثر حدّة في نقدها لحكومة نتنياهو. وفي حالات دوّل أوربّية أخرى، اتخذ البرلمان قرارات بالتراجع عن التزامات سابقة مع إسرائيل[29].
من جهة أخرى، تبلورت في المغرب نخب سياسية وإعلامية أصبحت تعبر بشكل واضح عن دعمها لإسرائيل، وتقدم التطبيع باعتباره سياسة لا غنى عنها لتحقيق المصالح الاستراتيجية للمغرب. وقد ساهمت هذه النخبة في خلق خطاب جديد يروج بأنّ استقرار المغرب ونموه وتحقيق وحدته الترابية لا يمكن إنجازه إلا من خلال التطبيع مع إسرائيل كخيار استراتيجي. وعلى سبيل المثال، نجد صعود أصوات مثل “كلنا إسرائيليون”[30] كأبرز نموذج للتيار المدافع عن العلاقات مع إسرائيل إلى جانب عدد من التعبيرات الجمعوية التي برزت في الإعلام وفي الفضاء العمومي[31].
يركز أصحاب هذا التوجه على صيغ تعبوية مثل “تازة قبل غزة”[32] و”التمغربيت”، وهي شعارات تُعيد ترتيب الأولويات لصالح القضايا الداخلية وتُسهم في تسييج النقاش حول التطبيع ضمن محددات الهوية القومية في إطار ضيّق. ولذلك تعكس هذه المقولات منظورا للأولويات يقوم على تركيز الاهتمام بالشّؤون الداخلية. وقد ساهم هذا الخطاب في خلق تقابل حدّي بين التّضامن مع غزة وفلسطين وبين الاهتمام بالشأن الوطني. واكتسبت هذه المقولات لدى المدافعين عن خيار التطبيع معنى قوميّا، حيث يُقدَّم الالتزام بالقضايا الدّاخليّة بوصفه تعبيرا عن الالتزام بالهوية الوطنية بينما يُنظر إلى الانشغال بقضايا الدّول الأخرى على أنه إخلال بهذا الالتزام. ويرتبط هذا الخطاب بشكل وثيق بمفهوم الوطنية، إذ تُختزل الوطنية في الاصطفاف خلف خيارات الدولة، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية والسياسية، مما يُنتج بيئة عدائية تجاه الأصوات المنتقدة، ويُجرّم الفاعلين الرافضين للتطبيع بوصفهم “غير وطنيين” أو “عملاء لأجندات خارجية”.
إنّ من أهم تداعيات سياسة التطبيع، تحوله إلى عامل مُربك داخل المشهد السياسي العامّ، حيث بات يُنتج توترات بين الفاعلين المدنيين والحزبيين، ويُفرز خطاباً إقصائياً يُقوّض إمكانات النقاش العمومي. فعلى سبيل المثال، يتم تشويه مناهضي التطبيع من خلال وصفهم بكونهم غير وطنيين، ومتطرفين، وعملاء خاضعين لتأثير أجندات أجنبية، وعلى أنّهم يشكّلون تهديدا للوحدة الوطنية. إن خطاب التجريم والتخوين الذي تتبناه بعض النخب المدافعة عن خيار التطبيع، يُسهم في تعزيز شعور لدى جزء من الرأي العام بأن هذه النخب باتت تمتلك نفوذًا قويًا، يمكّنها من التأثير في توجّهات الدولة، وربما من رهن السياسات العامة لصالح خياراتها وأجنداتها، والتي قد تتقاطع مع استراتيجيات دولة أجنبية.
بالمقابل، يوفر سياق التّضامن مع غزة فرصة سانحة للفاعلين من أجل “تسييس غير المسيسين” في مساحات تعجز الدولة عن تأطيرها. وغالباً ما ينتُج عن دينامية تسييس غير المسيسين تلك، إعادة اكتشاف الذات السياسية، وتعلم سياسي مستمر بطرق وأشكال متعددة للتعبير عن الفاعلية السّياسية، وأيضا امتلاك مساحات جديدة للفعل النشط في المجال العام وللمطالبة بالكرامة وبحقوق المواطنة[33]. إن النضال من أجل فلسطين لا يعكس بالضّرورة “استغلالاً سياسياً” بمعناه الضّيق لسياق التّضامن الشّعبي، كما قد ترى النخب المدافعة عن سياسات التّطبيع، بل هو تحقُّق فعلي لتمثلات السياسة الفُضلى، وتعبير عن تزايُد الوعي السّياسي والاستراتيجي عند المواطنين.
لقد نجح النّظام السياسي المغربي تاريخيا في إبقاء التّضامن مع فلسطين في حدود المجال السياسي الرسمي، ولكنّه لم يسعَ إلى التحكّم المُفرط في تفاعلات القضية عبر فرض إعادة تعريفها لدى الفاعلين السياسيين والمدنيين على المستويين الخطابي والأخلاقي، مما كان سيضعُه في مواجهة مع الرأي العام المغربي. لقد سمحت هذه المقاربة المتسامحة أن يتجنّب النّظام السياسي بأن تتحوّل العلاقات مع إسرائيل إلى كابح للتعبير عن الرأي في السياق المغربي. يشمل ذلك، التحلّي بنوع من البراغماتية التي تسمح بالتراجع عن قراراته وعدم رهن مواقفه الجيوسياسية كلها لينسجم مع قرار التّطبيع[34].ولذلك، فعندما تراجعت الدّولة عن الاتصال شبه الرّسمي مع إسرائيل في عام 2000، والذي نتج عنه إغلاق مكتب الاتصال، فقد خلق ذلك الاعتقاد باستقلالية الموقف المغربي وتصرّفه بمنطق أن إسرائيل تحتاج للتّطبيع مع المغرب وليس العكس.
خاتمة: كلفة الصمت في لحظة التوتر
تساهم السّياسة الإنتظارية في تدبير الآثار السياسية والاجتماعية لقرار التّطبيع، في تعميق الفجوة بين الرهانات الجيوسياسية للدولة والمزاج الشعبي الرافض لهذا المسار، والتي تضع صانع القرار أمام معادلة حساسة تتقاطع فيها الاعتبارات الأمنية والاجتماعية. وبدلا من أن تُعزّز هذه السياسة الاستقرار والوحدة، فإنها قد تُفاقم الانقسام والتوتر الداخلي.
إن تجاهل سؤال الكُلفة السياسية والاجتماعية للتّطبيع، ينتج حالة من اللاحسم في لحظات تستدعي وضوحًا في المواقف، ويعزز الانطباع بوجود حالة من اللايقين بخصوص استقلالية الدّولة في قرارها السّيادي. كما يحد من قدرة الفاعلين المحليين على بلورة مواقف مستقلة. فالقرارات المرتبطة بالسياسة الخارجية – لا سيّما في لحظات التحول أو الأزمات – قد تكتسب طابعًا بنيويًا مع مرور الزمن، فتتحول من خيارات ظرفية إلى محددات بنيوية تؤطر القرار السياسي الداخلي، وتؤثر في إرادة الفاعلين السياسيين، سواء على نحو واعٍ أو غير واعٍ. فرغم أن الدولة المغربية استطاعت تمرير اتفاق التطبيع دون اضطرابات أمنية كبيرة، فإن المشهد الداخلي يوحي بأن الاحتقان يتراكم بصمت.
وانطلاقًا من هذا الفهم، تصبح النخب السياسية والحزبية في المغرب مدعوة إلى التفاعل الجاد مع هذا التحول من خلال الانخراط في تحليل نقدي معمق لكلفة التطبيع، ليس من منطلق أخلاقي فحسب، ولكن أيضا عبر تحليل عقلاني لأثره على الشرعية الداخلية ومسارات التحول الديمقراطي، ويُقيّم التكلفة السياسية والرمزية للتطبيع، ويفتح أفقًا لحوار مسؤول بين الدولة والمجتمع.
وفي النهاية، لا يمكن الحفاظ على استقرار داخلي دائم بينما يُستثنى الرأي العام من القرارات السيادية، ولا يُصان حقه في التعبير والمساءلة. وحده الالتزام بالرهان الديمقراطي، بوصفه مجالًا لصون القرار الداخلي المستقل، كفيل بضمان التماسك الوطني في مواجهة التحولات الإقليمية الضاغطة.
الهوامش
1 ـ “المغرب: لعنة التطبيع مع إسرائيل تطارد العثماني والعدالة والتنمية”، العربي الجديد، نشر في7 يونيو 2025، https://www.alaraby.co.uk/politics
2ـسبق لمحكمة العدل الدولية ومنظّمة العفو الدّولية ومنظمات دولية أن اعتبرت أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة يصل الى درجة جريمة الإبادة الجماعية. ويُمكن أيضا في هذا الإطار ربط العنف الإسرائيلي بطبيعة إسرائيل كدولة تقوم على الاستعمار الاستيطاني في فلسطين. يقترح أشرف عثمان بدر بأن المنطق الجامع لهذا الوصف هو “السعي للضبط والتحكم والسيطرة الذي يدار بمجموعة من السياسات من أهمها المحو والاستغلال الاقتصادي وإدارة السكان.”. نجد أن هذا التحديد الدّلالي من جهة المنطق الجامع لدينامية الاستعمار الاستيطاني يلتقي مع أعمال المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه والمُفكّر المصري عبد الوهّاب المسيري. للتعمق في هذا المفهوم، أنظر: أشرف عثمان بدر، “الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بين البنية والصيرورة: محو وإزالة أم تحكم وسيطرة؟”، مجلّة عُمران، العدد 39 – المجلد 10، شتاء 2022، ص. 11 وأيضا ص. 13.
3 ـ ناقش سعيد الصّديقي هذه الإشكالية ضمن إطار العلاقات الدّولية للمغرب، حيث اقترح بأنّ المغرب سيواجه تحديًا لإيجاد “توازن بين الالتزام المبدئي بدعم الحقوق الفلسطينية، ومصالحه المترتبة عن الإعلان الثلاثي، والتعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية، إذا استمرت الحرب لفترة أطول”. أنظر: سعيد الصّدّيقي: المغرب والحرب في غزة: معضلة المبادئ والمصالح، نشر 15 نونبر 2023، المعهد المغربي لتحليل السّياسات. تمت زيارته في 28 يونيو 2025: https://mipa.institute
4ـ يذكر بلاغ الديوان الملكي بتاريخ 10أكتوبر 2020 بأن “هذه التدابير لا تمس بأي حال من الأحوال، الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط”. للاطلاع أنظر: https://shorturl.at/E19Ac
5ـ نفس المرجع السابق.
6ـ بلاغ من الديوان الملكي،الثلاثاء 22 دجنبر2020 : https://shorturl.at/sKsRs
7ـ ثمة العديد من المؤشرات على تزايد التعاون في المجال الثقافي وخاصة في العلاقة مع بعض الجامعات، وأيضاً ثمة نوعا من التأثير على المجال التعليمي. يمكن في هذا الصدد مراجعة تقرير “المقرر الدراسي المغربي: التعليم في خدمة التسامح” (فبراير 2023) الذي نشره معهد السلام والتسامح الثقافي في التعليم. أنجز التقرير ثلاثة من الخبراء الإسرائيليين، وهم يشيرون بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي إلى أهمية “حذف بعض العبارات السلبية تجاه إسرائيل في النسخ المستحدثة من المقررات مثل حذف عبارة “الجرائم الصهيونية البشعة” وحذف قصيدة من المقرر تنتقد الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي”. أنظر:
Education in the Service of Tolerance: The Moroccan Curriculum 2013–2022, Institute for Monitoring Peace and Cultural Tolerance in School Education (IMPACT-se), 2023, https://www.impact-se.org/wp-content/uploads/Education-in-the-Service-of-Tolerance-The-Moroccan-Curriculum-2013-2022-IMPACT-se-Report.pdf.
8ـ “التطبيع: بين يغانت سيوقع اتفاقا ًأمنياً “غير مسبوق” بين المغرب وإسرائيل في الرباط”، BBC NEWS عربي،24 نوفمبر2021:https://www.bbc.com/arabic/middleeast-59401649
9ـ “لأول مرة.. جنود إسرائيليون يشاركون في مناورات عسكرية بالمغرب”، DW عربي، 6 ماي 2023:
10 ـ Alexandre Kateb: “The Abraham Accords After Gaza: A Change of Context,” Carnegie Endowment, April 25, 2025: https://carnegieendowment.org/research/2025/04/the-abraham-accords-after-gaza-a-change-of-context?lang=en
11 ـ “Israel Approves 2023 Maritime Trade Cooperation Agreement with Morocco,” Big News Network, 11 February 2025, https://www.bignewsnetwork.com/news/278211114/israel-approves-2023-maritime-trade-cooperation-agreement-with-morocco.
12 ـ Israël participe à un exercice militaire d’envergure au Maroc aux côtés de pays arabe, 13 May 2025
13 ـ Zain Hussain and Alaa Tartir, Recent Trends in International Arms Transfers in the Middle East and North Africa, April 10, 2025 (Stockholm: Stockholm International Peace Research Institute) www.sipri.org
14 ـ نفس المرجع
15 ـ شارك في وضع التقرير الخبير الإسرائيلي المتخصص في الشأن المغربي دانييل زيسنوين (Daniel Zisenwine) ، أنظر: Joshua Krasna, ed., “The Struggle for Stability: Arab Reactions to the Hamas-Israel War,” Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies, May 15, 2024
16ـ التطبيع المغربي الإسرائيلي، الصامتون والغائبون والرابح والخاسر”، TRT عربي، نشر بتاريخ 14 دجنبر 2020:
https://trt.global/arabi/article/3839697
17ـ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، “تقرير مؤشر الرأي العربي 2022″، نشر في دجنبر 2022https://arabindex.dohainstitute.org/AR/Pages/Arab-Opinion-Index-2022.aspx.
18ـ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، “تقرير مؤشر الرأي العربي حول الحرب على غزة”، نشر يناير 2024: https://arabindex.dohainstitute.org/AR/Pages/APOIsWarOnGaza.aspx.
19ـ مرجع سابق: Joshua Krasna, ed., “The Struggle for Stability: Arab Reactions to the Hamas-Israel War”
20ـ يقترح تقرير لمركز موشي ديان للشّرق الأوسط والدّراسات الافريقية بأنّ “معارضة خطوة الملك لتطبيع العلاقات مع إسرائيل كانت على الأرجح ستعني أن حزب العدالة والتنمية سيتعين عليه التضحية بمكانه في الحكومة”، أنظر:
Moshe Dayan Center, “Morocco’s Normalization with Israel: The Justice and Development Party’s Reaction,” May 05, 2021, https://dayan.org/content/moroccos-normalization-israel-party-justice-and-development-pjds-reaction
21 ـ كان حزب “الأصالة والمعاصرة” قد تبنى في 2013 مقترح قانون بالبرلمان المغربي ينص على تجريم التطبيع مع إسرائيل. أعدّ المقترح المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، ودعمه حزبي” العدالة والتنمية“، و”التقدم والاشتراكية” المشاركين في الحكومة، وحزبي “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” و”الاستقلال” المعارضين آنذاك. لاحقا سيُعلن حزب الأصالة والمعاصرة تبرؤه من المقترح. وكان زعيم اليهود الأميركيين شيمون صامويلز -الذي يرأس مركز “سيمون ويسنتهال للعلاقات الدولية”- قد دعا في رسالة مفتوحة وجهها إلى الملك محمد السادس للتدخل لإلغاء مقترح هذا القانون، معتبرا أن من شأن المصادقة عليه أن “يؤثر في صورة المغرب كبلد التسامح، والمعروف بعلاقاته المتميزة مع الجالية اليهودية عبر أنحاء العالم”. للمزيد حول الموضوع أنظر:
https://www.chambredesrepresentants.ma/sites/default/files/loi/lect_194.pdf
22 ـ “الرباط .. مسيرة شعبية حاشدة تضامنا مع قطاع غزة تنادي بوضع حد لجرائم الاحتلال الإسرائيلي”، ميدي 1 تيفي، 7 أبريل 2025: https://www.youtube.com/watch
23ـ “مرة أخرى.. الحكومة ترفض تسلم عريضة “إسقاط التطبيع”، The Voice، 4 فبراير 2024، https://thevoice.ma
24ـ “خمس سنوات سجنا نافذا في حق المدون عبد الرحمن زنكاض بسبب تدوينات عن غزة”، لكُم، 8 أبريل 2024، lakome2.com
25ـ “ابتدائية طنجة تدين رضوان القسطاط بسنتين حبسا نافذا”، The Voice،, 10 مارس 2025: https://www.thevoice.ma/
26ـ “المغرب إدانة 13 ناشطا مناهضا للتطبيع مع إسرائيل بعد مشاركتهم في مظاهرة غير مرخص لها”، France 24 عربي، 26 دجنبر 2024، https://shorturl.at/Hqm6Z
أنظر أيضاً: Middle East Eye, “Morocco pro-Palestine activists denounce increased state repression,” Middle East Eye, [April 28, 2025], https://www.middleeasteye.net/news/morocco-pro-palestine-activists-denounce-increased-state-repression.
27ـ تثير دراسة دانا الكرد خلاصات تتعلّق بتأثير العلاقات مع إسرائيل على تضييق الحريات العامّة في سياقات مُقارنة. تستنتج الكرد أن السلام في غياب معالجة حقيقية لجذور الصراع، لا يعزز الديمقراطية، بل يغذّي أنماطًا من “السلام غيرالليبرالي”، حيث يُعاد إنتاج السلطوية من خلال شراكات أمنية وأنظمة مراقبة، وهي هُنا تضع إسرائيل في وضعية “المُصدّر للخبرة الاستبدادية في المنطقة”. ووفق التحليل المقارن الذي قامت به، نجد أنّه في الأردن ومصر، أسهمت اتفاقيات السلام في إضعاف المؤسسات السياسية، وتهميش النخب المعارضة، وتقييد الفضاء المدني. أما قطر، فكانت الدولة العربية الوحيدة التي لم تكن لديها علاقات رسمية، لكنها حافظت على علاقة مع إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية، بحجة ضرورة لعب أدوار وساطة في الصراعات الإقليمية. وقد ساهم ذلك في أحيان كثيرة في توتر بين الدولة وبعض الفعاليات المناصرة لفلسطين أدّت إلى تضييق مساحة الفعل التّضامني المباشر. أما البحرين والإمارات، فقد استخدمتا التطبيع لتوسيع أدوات المراقبة والتضييق على الأصوات المناهضة للتطبيع، مع توظيف الخطاب السياسي والإعلامي لإعادة تشكيل الرأي العام وتبرير هذه السياسات بوصفها ضرورية لتحقيق الاستقرار والازدهار. وتظهر حالة الإمارات نموذجًا أكثر تطورًا في استخدام القمع الناعم والمراقبة الدقيقة، بما يعكس تحوّل ألتطبيع إلى أداة لتفكيك الحركات الاجتماعية واحتواء التعبير السياسي. أنظر:
Dana El Kurd, “The Paradox of Peace: The Impact of Normalization with Israel on the Arab World,” Global Studies Quarterly 3, no. 3 (July 2023), pp.16-18 .
28ـ “غضب من تعرض سفير المغرب لدى فلسطين لوابل من رصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي”، القُدس العربي،22 ماي 2025: https://www.alquds.co.uk/
29ـ Transformations in European Attitudes toward the Genocidal War on Gaza, Arab Center Washington DC (The Unit for Political Studies), June 4, 2025
30ـ هذه المقولة صارت تُستعمل من قبل مناهضي التطبيع في إشارة إلى النخبة التي تدافع عن خيار التطبيع وتدعمه، وهي في أصلها عنوان مقالة نشرها أحمد الشرعي، وهو صاحب إحدى أكبر المجموعة الإعلامية في المغرب على موقع “جيروساليم تريبيون”:
أحمد الشرعي، “كُلّنا إسرائيليون”، جيروساليم تريبيون، أكتوبر 2023
https://jstribune.com/charai-we-are-all-israelis/
31ـ أثار مقترح من جمعية مغربية في شهر ماي 2025، يدعو إلى إطلاق أسماء شخصيات يهودية إسرائيلية على مرافق عمومية في أكادير، بما في ذلك متحف وشوارع رئيسية، جدلا واسعا، خاصة لمطالبته بعويض أسماء شوارع تحمل أسماء رموز وطنية، بأخرى يهودية ويهوديةـاسرائيلية. أنظر: “دعوة لـ”تهويد رمزي” لشوارع أكادير تثير الجدل بالمغرب”، مدار 21، 2 يونيو 2025: madar21.com
32 ـ تازة هي واحدة من المدن المغربية العريقة في الشمال الشرقي للبلاد، وتعاني كغيرها من “المدن المنسية”، الفقر والتهميش، ومن ضعف في البنية التحتية، ومن البطالة وقلة فرص الشغل. ومقولة “تازة قبل غزة” جاءت في سياق الرّواية التي حكاها المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة لفرانسوا سودان مدير تحرير مجلة جون آفريك. للاطلاع على القصّة الكاملة التي وردت فيها هذه العبارة، أنظر:François Soudan: “Le roi, les islamistes et le Sahara”Jeune Afrique, le 4 juillet 2006, www.jeuneafrique.com
33ـ من أجل الاطلاع على منظور تاريخي مقارن للقضية الفلسطينية كقضية معارضة سياسية oppositional politics في سياقات عربية أخرى، أنظر: Dana El Kurd, “Arab–Israeli Normalization, Repression, and Impunity,” Current History, Volume 123, Issue 857, December 2024
34 ـ في هذا الصّدد سبق للملك محمد السادس أن اعتذر عن استقبال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي كان من المنتظر أن يُشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد بالمغرب في أكتوبر 2010، مؤكدا أنّه “في الظروف السياسية الحالية، وعلى ضوء الجمود في المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنه لن يتمكن من استقباله”. أنظر:
“ملك المغرب يرفض استقبال بيريز”، الجزيرة نت، 18 أكتوبر 2010، https://www.aljazeera.net/news/2010/10/18

عز الدين العزماني
حصل الدكتور العزماني على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاضي عياض بمراكش، المغرب. كما نال شهادة للدراسات العليا في الدراسات الدينية المقارنة من جامعة هارتفورد الدولية بولاية كونيتيكت. يشغل حاليا منصب محاضر رئيسي في قسم الدراسات العربية بجامعة ترينيتي في هارتفورد، كونيتيكت. تركز اهتماماته البحثية على التقاطعات بين دراسات الإسلام والديمقراطية، والفضاء العمومي، والعلاقة بين الدين والسياسة في المجتمعات الإسلامية. كما يشارك بانتظام في تقديم تحليلات سياسية وثقافية للأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، مستنداً إلى خلفيته الأكاديمية والتزامه الحقوقي بقضايا العدالة والحريات.