[vc_row][vc_column][vc_column_text]
رشيد أوراز، الباحث الرئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، لجريدة أخبار اليوم:
في كل البلدان النامية تتميز البيروقراطية بالجمود، فهي ليست فقط عديمة الكفاءة في “عصر التدبير” الذي نعيشه، بل يصل بها الأمر أن تفسد تماما ضمن شبكة ممتدة من المصالح الشخصية والفئوية.
أخبار اليوم: هناك بعض المؤسسات الاسترايجية الكبرى التي يتربع مسؤولوها على مناصبهم لسنوات طويلة، هل يعتبر ذلك طبيعيا؟
يعتبر ذلك طبيعيا إذا أبان المسؤول عن كفاءة عالية أو ساهم في تطوير المؤسسة التي يديرها، أما لما تتدهور المؤسسة أو لا تواكب التطورات التي حصلت في قطاعها الاقتصادي رغم كل الدعم العمومي، فإن خللا ما يكمن على مستوى تدوير النخب في دواليب الدولة. في كل البلدان النامية تتميز البيروقراطية بالجمود، فهي ليست فقط عديمة الكفاءة في “عصر التدبير” الذي نعيشه، بل يصل بها الأمر أن تفسد تماما ضمن شبكة ممتدة من المصالح الشخصية والفئوية، في هذه الحالة، لا بد من اللجوء إلى الحل الديمقراطي: الإعفاء والمحاسبة.
أخبار اليوم: هل أبانت التجربة والممارسة القانونية حتى الآن، جدوى ما يعرف بقانون ما “للملك وما لبنكيران”، أي فصل التعيين في بعض المؤسسات الاستراتيجية عن مسطرة التعيين الحكومية؟
للأسف، ليست هناك وصفة ناجعة لبناء الديمقراطية، وإذا كان لدينا دستور جيد وقوانين جيدة وقواعد سياسية جيدة، لا يعني أبدا أن من سيتم تعيينهم لتنفيذ القوانين وتنزيل السياسات العامة، سيكونون الأفضل. وفي حالة المغرب الأحزاب ضعيفة والممارسة السياسية لا تحظى بالتقدير لدى “النخب النزيهة”، وهذا ينعكس على الحكومة نفسها؛ يجب أن نعترف أن الحكومة نفسها في إطار المحاصصة السياسية، فيها بعض البروفايلات غير المؤهلة لتحمل المسؤولية، وسؤالي إذن، كيف سنعطيها حق التعيين في كل المناصب، دون أن نقع في مشكلة المحسوبية وأن لا نخلق سوقا لشراء المناصب بالجاه أو بالحزبية أو بالمال؟ إذا لم يتم تطوير المؤسسة التشريعية وإطلاق يدها لممارسة مراقبة الحكومة، فإننا لن نستطيع أن نتقدم خطوة إلى الأمام على هذا المستوى، وهذه المؤسسة الأخيرة نفسها في حاجة إلى تأهيل والتفكير جديا في دفعها لممارسة أدوارها الدستورية والديمقراطية، باعتبارها قطب الرحى في الديمقراطيات.
أخبار اليوم: لاحظنا تعامل السياسيين بانفعال مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وعدم ترتيب المحاسبة التي تستلزمها، كيف ترى تعاطي الدولة مع ملاحظات المجلس حول المؤسسات الاستراتيجية؟
هناك سوء تقدير لدى بعض المعلقين على تقارير المجلس فيما يخص من يتحمل المسؤولية؛ لا يتعلق الأمر بأشخاص، بل أحيانا بشبكة من الأشخاص، وبينت التجارب في بلدان أخرى أن إطلاق مسلسل المحاسبة قد يبدأ بفرد واحد، وينتهي بشبكة معقدة من الأشخاص، فالفساد يشبه جبل الجليد الذي تظهر التقارير رأسه، أما بقية الجبل فتختفي في المحيط، لأن الصلاحيات متداخلة وكل صفقة هي شأن عدد كبير من المسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين. إذا كان التقرير قد نبهنا إلى المسؤول الذي اشترى مفتاح USB بثمن باهظ، فإن المحاسبة يجب أن تذهب إلى أن تصل لمن أعد الفاتورة، فالمحاسبة قد تبدأ في الإدارة وتنتهي في السوق، وإذا كان بينهما تداخل كما يحصل الآن في بعض القطاعات، فإن عملية المحاسبة تكون معقدة، ولا يمكن في هذه الحالة إلا حصر الفساد، أما القضاء عليه، فيتطلب وقتا طويلا. وبسبب معرفتهم لهذا الأمر، يستمر بعض المسؤولين في خدمة مصالحهم الشخصية من مواقع المسؤولية.
أخبار اليوم: لكن المحاسبة تبقى مطلوبة في جميع الحالات؟
إن المحاسبة طفرة نوعية حدثت في الديمقراطيات الغربية، لقد كانت مرحلة لاحقة على الديمقراطية التي انطلقت بالاقتراع العام، وعلينا أن نستوعب هذا جيدا. يحتاج الأمر في بلد نام، في طور الانتقال مثل المغرب، إلى مزيد من الوقت، لكن لا يعني هذا أبدا أن نوقف العمل الذي يقوم به المجلس الآن، حتى تنضج الظروف، بل يجب، بناء على تقاريره الحالية، أن يحاسب البعض كي يعرف البقية أن هذه التقارير التي تصرف أموال عمومية باهظة على إعدادها، ليست مجرد حبر على ورق.
أخبار اليوم: ألا ينطوي تعامل المجلس الأعلى للحسابات مع بعض المؤسسات بنوع من التمييز، حيث نجد أن تقاريره “ناعمة” في علاقة ببعض المؤسسات الاستراتيجية؟
إذا نظرنا إلى الجزء المملوء من الكأس، فإن ما قام به المجلس في عمومه جيد، ولا أستطيع أن أؤكد أن “نعومة” بعض التقارير نابعة من تأثير معين عليه، بل قد يكون الأمر له علاقة بتقدير ما من المجلس لما لبعض القطاعات الاقتصادية من أهمية، ومدى استراتيجيتها بالنسبة إلى الدولة مثل قطاع الفوسفاط، كما قيل. ومن خلال التقرير الأخير الذي نشر، ومدى قدرته على فحص بعض القطاعات التي لم يستطع أحد من نقد أو توضيح اختلالاتها، فأستطيع أن أقول إنه حافظ على استقلالية في ممارسة صلاحياته الدستورية، لكن عمله يحتاج إلى إتمام من لدن مؤسسات أخرى، كي نبدأ المسار الطويل نحو المساءلة والمحاسبة.
نشر هذا الحوار في العدد 2861 (28-29 سبتمبر 2019) من يومية أخبار اليوم المغربية.
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
مدونة المعهد
مدونة المعهد المغربي لتحليل السياسات.