[vc_row][vc_column][vc_column_text]
الكاتب: محمد مصباح
أثناء زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة لواشنطن، تحدث الرئيس الأمريكي بغرور، كيف أنه “استرجع” مليارات الدولارات من السعودية كأنه يحلب بقرة في ضيعته. لا يمكن لومه، لأنه في نهاية المطاف نفذ أحد وعوده الانتخابية التي تقضي باستخلاص فاتورة حماية الولايات المتحدة لمملكة السعودية.
ولكن، بدلا من نقل التكنولوجيا والعلوم إلى جزيرة العرب، اقتصرت أغلب الصفقات على مجال التسلح، وهذا يعني أن العرب لازالوا يشترون السمكة بدل تعلم كيفية اصطيادها.
تمثل صفقة التسلح السعودية الأخيرة رأس الجليد في سباق عربي نحو التسلح منذ انفجار الصراعات المسلحة في سوريا وليبيا واليمن. يشير التقرير الأخير لمعهد “سيبري” في ستوكهولم – وهو أحد أهم مراكز الأبحاث الذي يعنى بدراسة ديناميات تصدير وتوريد الأسلحة في العالم- إلى أرقام مقلقة حول ارتفاع حجم الإنفاق العسكري في العالم العربي. فالسعودية تنفق ما يقارب 12 في المائة من ناتجها الداخلي الخام على شراء الأسلحة، كما أنها هي ومصر وردتا في الفترة بين 2013 و2017 أكثر من ضعفي ما كانت تورده قبل 2012.
طبعا، من حق الدول اقتناء الأسلحة للدفاع عن نفسها من الأخطار المحدقة بها، ولكن هل تحتاج فعلا إلى كل هذا الحجم من الأسلحة؟
الجواب البسيط عن هذا السؤال هو: لا.
ليس فقط، لأن فئات واسعة من المواطنين تعاني من الفقر والبطالة، ولكن أيضا لأن هذا التنافس على شراء الأسلحة لا تحكمه رؤية استراتيجية بناءة وبعيدة المدى، بقدر ما هو مدفوع بغريزة البقاء والخوف من عدو مجهول غير محدد المعالم. هذه “البارانويا” والخوف المرضي الذي يسكن عقول عدد من النخب الحاكمة في العالم العربي، هي التي تفسر الإقبال الكبير على المرتزقة الجدد مثل شركة “البلاكواتر”، التي توفر خدمات لبعض دول الخليج، مثلما هو الحال مع دولة مثل الإمارات العربية المتحدة التي لجأت إلى تدريب واستجلاب جيش من المرتزقة للقتال في اليمن، كما أشار إلى ذلك تقرير لجريدة “نيويورك تايمز”.
هذا الخوف ليس موجها دائما إلى العدو الخارجي، بل في كثير من الأحيان يكون موجها نحو الداخل: أي الشعوب. ولأن مشروعيتها السياسية مهتزة، تلجأ عدد من الحكومات العربية إلى اقتناء أجهزة متطورة للتجسس على مواطنيها ومطاردة المعارضين السلميين. طبعا لا يمكن إنكار أنها تتقفى الإرهابيين والمتطرفين عندما ترغب في ذلك، ولكنها أيضا تستهدف الناشطين الحقوقيين والصحافيين والمثقفين المستقلين. فالأنظمة السلطوية تهدف إلى خلق حالة من الخوف داخل المجتمع بهدف التحكم فيه ورفع كلفة التعبير عن الرأي والاحتجاج على التظلمات. فبدلا من وضع أجندة إصلاح سياسي واقتصادي، يتم التعامل مع مشاكل التنمية البنيوية من منظور أمني.
ومن هنا، فإن التسابق نحو التسلح ليس فقط، لمواجهة تهديدات خارجية، ولكنه يرتبط أيضا برهانات سياسية داخلية، لأن المقاربة الأمنية تساعد على ضبط المجتمع والتحكم فيه، وأيضا لأنه يعطي للأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة، وأحيانا حصانة للإفلات من العقاب.
مشكلة التسلح المسكون بالخوف أنه يؤدي في الغالب إلى التدمير الذاتي، وليس إلى تحقيق الهدف الأصلي من امتلاك القوة: أي الردع. هناك عدد من الدراسات الأكاديمية التي تجادل أن الإنفاق العالي على المجال العسكري والأمني يعتبر أحد الأسباب الرئيسة في تعطيل عجلة التنمية في العالم العربي ويعزز من هيمنة الجيوش والأجهزة الأمنية على السياسة.
لا تكمن قوة الدول فقط، في حجم قوتها العسكرية – خاصة إذا كانت لا تمتلك قاعدة صناعية قوية – ولكن، أيضا، في عناصر القوة غير المادية، أي القوة الناعمة. وهي أحيانا تكون أكثر فعالية من القوة العسكرية.
لن نسرد نموذج سويسرا لأن سياقها التاريخي والجغرافي فريد. ولكن ماذا عن نموذج كوريا الجنوبية التي تربطها حدود مع جارة نووية في منطقة قابلة للانفجار في أي لحظة، ومع ذلك تنفق معدل2.5 من ناتجها الداخلي الخام على التسلح، مقابل ضعف هذه النسبة تقريبا على مستوى البحث العلمي، وهو ما يجعلها أكثر الدول تقدما في العلوم والتكنولوجيا، وفي الوقت نفسه تغرق جارتها الشمالية في التخلف. أما في العالم العربي، فلا يتجاوز إنفاق الحكومات على البحث العلمي 0.9 في المائة، ولكنها في المقابل تنفق معدل 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام على التسلح، أي ثلاثة أضعاف المعدل العالمي. وهذا كله بسبب الخوف.
نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار اليوم
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
مدونة المعهد
مدونة المعهد المغربي لتحليل السياسات.