[vc_row][vc_column][vc_column_text]
قد تساهم العرائض المؤسساتية في الرفع من نسبة المشاركة المباشرة للمواطنين في الحياة السياسية، إلا أنها تظل محدودة بالنظر إلى المعيقات القانونية والمؤسساتية التي تواجهها.
تحميل المقال
مقدمة
يُعتبر الحق في تقديم العرائض، والمنصوص عليه في الفصل 15 من دستور 2011، أحد المكتسبات الدستورية المهمة التي لقيت ترحيبا واسعا باعتباره يسهم في إشراك المواطنين المغاربة بشكل مباشر في العملية السياسية في البلاد. إذ يُعد وسيلة للتعبير عن مطالب المواطنين مع وجود ضمانة قانونية تمنحهم حق الحصول على جواب رسمي من الهيئات المعنية، مع إمكانية حصولهم على دعم بخصوص أية مبادرة قد تكون محط اهتمام الفاعلين العموميين القادرين على اتخاذ موقف حيالها. بالمقابل، فإن الاستحسان الذي لقيه هذا القرار يخفي ورائه في الحقيقة صورة قاتمة. فمنذ صدور القانون التنظيمي رقم 44-14 المتعلق بتحديد شروط وكيفية ممارسة الحق في تقديم العرائض للسلطات العمومية، كذا والقانون التنظيمي رقم 64-14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع الصادر سنة 2016، لم تُقدَّم أية ملتمسات في مجال التشريع في حين قُدّمت فقط خمسة عرائض وطنية إلى المؤسسات الرسمية. أما على مستوى البلديات المحلية، فإن الحق في تقديم العرائض تمّ التنصيص عليه في البند 139 من الدستور وتمّت المصادقة عليه من طرف مختلف القوانين التشريعية المتعلقة بالبلديات المحلية[1]. وحتى إن تمّت أَجرئَته بشكل أكثر فائدة مقارنة مع العرائض الوطنية، من خلال الوصول إلى أكثر من 200 عريضة محلية[2]، إلا أن تأثيرها الملموس على الشأن المحلي غير معروف لحد الساعة.
إذن، ماهي الأسباب إذا وراء شحّ استعمال هذه الألية الدستورية؟
تدّعي هذه الورقة البحثية أن التأخير والتردد في تطبيق الديمقراطية التشاركية في المغرب قد ساهم في انطفاء الإثارة والحماس الذي رافق الترحيب العام بالإصلاحات الدستورية للعام 2011. فبين التعقيدات الرسمية الكثيرة وتعطّل تنفيذ الإطار القانوني بالإضافة إلى استغلال غموض هذه الألية من طرف السلطات العمومية، فإن فعالية نظام العرائض باعتبارها وسيلة للمطالبة بحق المواطنين هي محل تساءل.
سنعمد من خلال هذه الورقة إلى تقييم نقدي لمشروع الحق في تقديم العرائض وكذا تتبُّع وقائع تنفيذه في النظام القانوني للمغرب ومقارنته بتجارب مستخدمي نظام العرائض ثم رصد ردود فعل المسؤولين. ستمكننا هذه المتابعة من تسليط الضوء على الكيفية التي تعيق بها الهندسة المؤسساتية للحق في تقديم العرائض مبادرات العرائض التي يصعب على مقدميها التغلب عليها والتي تشكل في المحصلة عبئا أساسيا على اختيار ممارسة المواطنين لهذا الحق.
ومن أجل تجاوز هذه العقبات، فإنه من المفيد للسلطات أن تعمل على توفير المعلومات بشكل فوري وأكثر شفافية بشأن العرائض التي قدمت وكذا مُخرجاتها. ذلك أن تبادل المعرفة بخصوص المبادرات التي قدّمت من قبل سيساعد على دعم أولئك المقبلين على تقديم العرائض أو الذين بصدد جمع التوقيعات لاستكمال مسطرة العريضة، وهو ما قد يعزز حظوظهم في تجنّب العيوب التي تسببت في عدم قبول العرائض المقدمة حتى الآن. كما سيكون من المفيد عرض البيانات المتعلقة بالعرائض على المستوى المحلي مع تدقيق المواضيع المثارة من قبل العرائض، وكذا المبادرات التي تمّ قبولها، وتلك التي تمّ رفضها وعلى أي أساس. وبما أن الاستخدام الواسع للعرائض على المستوى المحلي قد يُمثل سببًا للتفاؤل، فإن التواصل بشكل أكثر فعالية بشأن نتيجة هذه السياسة سيمكن من تزايد استخدامها محليا، كما ستزداد كذلك فوائدها بشكل ملحوظ.
ثمن ممارسة الحق في تقديم العرائض
أقّر الدستور المغربي الجديد للعام 2011 بأن سياسات المشاركة تعتبر خطوة أساسية نحو تعزيز الديمقراطية في المغرب، بحيث ترسخت القناعة بشكل واسع بأن اَليات الديمقراطية التشاركية في الدستور المعدّل ستؤدي إلى توطيد علاقة سياسية جديدة بين الدولة والمواطنين. وقد ترسخت هذه القناعة كنتيجة للمطالب المقدمة إبان الربيع العربي في المغرب، في نسخته الخاصة مع تجربة حركة عشرين فبراير[3]، والمتعلقة بتقاسم عادل للسلطة. وهدفت هذه الإصلاحات إلى وضع شكل جديد من أشكال المواطنة الفعّالة وتوفير فرص ملموسة للمواطنين من أجل المساهمة بشكل مباشر في الحياة السياسية للبلاد[4]. فلقد تمّ تقديم هذه الاَلية الجديدة باعتبارها استراتيجية سياسية بحيث ستحقق مكاسب للجميع: فمن جهة، الحركات الاجتماعية التي ستتمكن من إيصال تظلماتها عبر هذه القناة المؤسساتية، مع تجنب العوامل الخارجية السلبية، ثم الدولة التي ستحمي نفسها من أي اضطرابات عنيفة ومفرطة[5].
بعد اعتماده في الفصل 15 من دستور العام [6]2011، فقد تمّ تحديد شروط ممارسة الحق في الالتماس في القانون التنظيمي رقم 44-14 [7]. ومن بين الشروط المختلفة، فإن العنصر الأكثر إثارة في تحليل هذا القانون هو عدد التوقيعات المطلوبة لدعم العريضة. وبشكل أدق، فإن العريضة تحتاج إلى 5000 توقيع من أجل تعزيز المبادرة، وهو الرقم الذي أثار نقاشا حول مشروع القانون التنظيمي الذي سبق المصادقة عليه. فلقد اعتبر كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)[8] ومنظمات المجتمع المدني[9] أن هذا الرقم يُعد شرطا مبالغا فيه وغير واقعي، وبالتالي فإنه وجب تقليصه قبل الموافقة النهائية على القانون التنظيمي في البرلمان. وبالرغم من ذلك، فقد ذكر أحد أعضاء البرلمان أن هذا الحد قد تقرّر على أساس معياري بحيث يهدف إلى تحسيس المواطنين بمسؤولية الخطوة المتعقلة بتقديم العرائض وتجنب الاستخفاف بهذه المبادرة[10]. إن عدد العرائض التي قُدّمت بأقل من 5000 توقيع تدل على معاناة المواطنين وتدمّرهم من عدد التواقيع المرتفع، في حين لم يُقدم أي اقتراح تشريعي حتى الاَن، والذي يحتاج إلى 25000 توقيعا لدعمه، وهو الأمر الذي يدعم الموقف القائل بأن شرط التوقيع يلعب دورا أساسيا في استعمال هذه الأليات من طرف المواطنين المغاربة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه يجب جمع كل التوقيعات في ملف ورقي بحيث تُرفق معه كذلك أرقام بطاقات الهوية الوطنية وكذا نسخ ورقية من بطاقة الهوية نفسها[11]. وعلاوة على التكلفة المحددة للنسخ وجمع 5000 توقيع، فإن إضافة بطاقة الهوية التي يتعين تقديمها لاستكمال الملف قد تجعل مقدمي العرائض يتراجعون عن ذلك بسبب عدم الثقة المعمم تجاه مؤسسات الدولة[12]. يرجع ذلك إلى خوفهم المتكرر من استهداف الدولة لهم بسبب نشاطهم السياسي وقت اضطرارهم إلى توفير رقم البطاقة الشخصية بل وحتى نسخة ورقية منها[13]. أما العنصر الأخير الذي تمّ رصده باعتباره شرطا ضروريا فيتمثل في ضرورة تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية حتى يتم اعتماد توقيعهم في العرائض المقدمة. وبصرف النظر عن الصياغة الغامضة لهذا الشرط في القانون التنظيمي رقم 44-[14]14، فإن هذا المعيار سيحول دون مشاركة نسبة وازنة من المواطنين في ممارسة هذا الحق الدستوري، خصوصا في وضعية لم تصل فيه نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2016 سوى 42،29٪، بالمقارنة مع 45،4٪ في الانتخابات التشريعية عام [15]2011، وحيث 15 مليون مغربي فقط من أصل 22 مليون مؤهل هم المسجلون في القوائم الانتخابية[16].
وفي النهاية، فليست كل المواضيع متاحة لتقديم العرائض حولها؛ فثمة مواضيع محددة وواضحة لن تقدر مبادرات العرائض على استعراضها وطلب الالتماس حولها وإلا فمصيرها الرفض[17]. فعلى سبيل المثال، مواضيع ذات صلة بالوحدة الترابية، والدين الإسلامي، والنظام الملكي، وقضايا الأمن الداخلي، ثم المطالب ذات الطابع الحزبي أو النقابي. من جهة أخرى، فإن معايير قبول المبادرة تُعدّ غامضة للغاية[18]؛ ذلك أن من شروط قبولها أن تخدم “المصلحة العامة” وأن تكون “قانونية” و “مكتوبة بوضوح”. وتتضمن هذه المفاهيم مخاطرة كبيرة، بحيث يُترك للسلطات العمومية تحديد ما ينتمي إلى المصلحة العامة، وكذا تحديد قانونية ووضوح المقترحات المقدمة من طرف المواطنين.
يبدو أن مأسسة الآليات التشاركية قد اتبع نفس منطق المشاركة التقليدية، ومن ثمة لم يتمكن من الاستفادة من كل الإمكانات الكاملة التي توفرها الآليات المبتكرة التي توفرها الآليات التشاركية من أجل تجاوز الديناميات الكلاسيكية للمشاركة السياسية، والتي تسعى لتعزيز الاندماج في النقاشات العامة، وكذا تبادل السلطة بفعالية مع المواطنين.
تقاسم السلطة السياسية عن طريق العرائض؟
عند تحليل السياسات التشاركية عموما، فإن أحد الحجج التي تُقدم دليلا على نشر ومأسسة الاَليات التشاركية هي القول بالرغبة في تحقيق توزيع عادل للسلطة السياسية وبالتالي العمل على إدماج المواطنين في العملية السياسية للبلد. وكما رأينا أعلاه، فإن هذا ينطبق على الحالة المغربية أيضا حيث يتم تقديم الديمقراطية التشاركية بكونها جاءت استجابة لتطلعات الحراك الذي وقع سنة 2011. بالمقابل، فإن دراسة التشريعات المتعلق بالبيانات التي تمّ جمعها بخصوص العرائض حتى الاَن هو الكفيل بتبيان الصورة حول ما إذا تمّ اقتسام السلطة لحد الاَن.
تكمن نقطة البداية لهذا التحليل في تعريف العريضة في القانون التنظيمي رقم 44-14 والذي يعرفها في الفصل 2 بكونها ” كل طلب مكتوب يتضمن مطالب أو اقتراحات أو توصيات يوجهه بصفة جماعية مواطنات أو مواطنون مقيمون بالمغرب أو خارجه. إلى السلطة المعنية، قصد اتخاذ ما تراه مناسبا في شأنه من إجراءات في إطار احترام الدستور والقانون”[19]. وتبعا لذلك فإن تقسيم السلطات بين المواطنين والدولة واضح منذ البداية: فللمواطنين الحق في تقديم موضوع ما إلى السلطات العامة المخولة بتطوير واتخاذ حلول للمواضيع التي يطرحها المواطنون. فحتى لو تجاوز المواطنون التحديات المتعلقة بتقديم العرائض، فإنه لن يكون بمقدورهم المشاركة في وضع الحلول للمواضيع التي طرحوها. وبفصل أولئك الذين اقترحوا العرائض عن نتائجها الملموسة، فإن مشاركة المواطنين في العملية السياسية عبر اتباع الآليات المؤسساتية في تقديم العرائض يقتصر فقط على وضع جدول الأعمال agenda setting لا غير. بالمقابل، فإن اَلية العرائض المؤسساتية في المغرب ليست الطريقة الوحيدة للتأثير على خطط وضع جدول الاعمال، وخصوصا إذا علمنا أن هنالك أشكالا أخرى لتقديم العرائض وقنوات للتعبير السياسي أثبتت فعاليتها في الضغط على السلطات العمومية من أجل التعاطي مع مطالب مقدمي العرائض. فعلى سبيل المثال، أظهرت الاحتجاجات التي وقعت في مناطق الريف وجرادة ما بين 2016 و2017 أن أشكال الاحتجاج الكلاسيكية لا تزال فعالة لجذب انتباه السلطات العامة. فلقد ولّدت الأحداث الدراماتيكية في الحالتين معا احتجاجات طويلة الأمد دعت إلى تحسين ظروف الحياة وزيادة المحاسبة، والتي تطوّرت في المحصلة إلى حركات اجتماعية[20]. وبموازاة ذلك، فقد أظهرت حملة المقاطعة التي تمّت التعبئة لها على منصات التواصل الاجتماعي ضد ثلاث شركات كبرى بداية العام 2018 أن الحملات الالكترونية يمكن أن تتصاعد بسرعة كبيرة وتؤثر في نسبة كبيرة من السكان[21]. وإن لم تتّبع الطرق والاَليات المؤسساتية للمشاركة – بسبب عدم الامتثال للمعايير الرسمية – فإن العرائض التي تُقدم عبر الشبكة العنكبوتية منتشرة على نطاق واسع في المغرب، ولعل أحدث القضايا التي مورست فيها هذه الاَلية هي المتعلقة باعتقال الصحفية هاجر الريسوني. فبعد أن تمكّنت حملة عبر الإنترنت من تعبئة أكثر من 10.000 شخص داخل المغرب وخارجه ممن وقعوا على عريضة تطالب بإطلاق سراحها، استفادت في المحصلة هاجر الريسوني من عفو ملكي[22]. لذلك، فإن لجوء المواطنين إلى هذه الأشكال التعبوية راجع إلى إيمانهم بأنها أكثر الطرق فاعلية والأقل تكلفة.
إن إنشاء قناة مؤسساتية، من الناحية النظرية، لتمثيل وتقديم تظلمات المواطنين قد يساعد على تخفيف تكلفة النشاط الاحتجاجي؛ ذلك أن وجود طريقة شرعية وقانونية لتقديم مطالب المواطنين يفرض على الجهات الحكومية الاستجابة[23]. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القانون التنظيمي رقم 44-14 يقدم بعض الضمانات من أجل متابعة المبادرة من قبل السلطات العامة. وفي الواقع، إذا تم قبول العريضة، فإن المواطنين لديهم الضمانة بأن السلطات العامة سوف تنظر في مطالبهم وتتخذ “التدابير المناسبة”. وحتى وإن اُستبعد المواطنون من تطوير وإيجاد الحلول، فإنه، ورغم ذلك، لديهم الضمانة بأنه سوف يُنظر في الموضوع، علاوة على أن السلطات العامة ملزمة باتباع جدول زمني محدد للإجابة على مبادرة المواطنين[24].
يُعد هذا الإطار القانوني أمرا مهما باعتباره يجبر الجهات العمومية الاستجابة والنظر في مطالب المواطنين وتزويدهم بكل الضمانات القانونية بأن الجهات الرسمية سوف تنظر في مشاكلهم بشكل فوري. إلا أنه في الحقيقة، لا يتم احترام الآجال القانونية للرد على مبادرات العرائض، حيث لم تتلقى أي واحدة منها ردا في الوقت المحدد. ويمكن النظر في أول عريضة كمثال على هذا الأمر؛ فقد قُدمت عريضة في التاسع من شهر دجنبر 2017 ضد المصادرة غير القانونية المزعومة لـ 1600 هكتار من الأراضي الزراعية لصالح مشروع إعادة تأهيل فاخرة في وادي مرتيل، أي أربع أشهر فقط قبيل إنشاء لجنة العريضة المنوطة بفحص هذه المبادرة. وصدر أول تعليق حيال هذه الحالة فقط في شهر يوليو 2018 من قبل الوزير السابق والمتحدث الرسمي السابق باسم الحكومة، السيد مصطفى الخلفي[25]، في حين صدر الرد الرسمي على البوابة الرسمية للمشاركة فقط بحلول 6 نوفمبر 2019[26].
العرائض المحلية: نافذة للتفاؤل؟
أمام هذه الصورة المتشائمة بعد سنة من تطبيق المغرب للديمقراطية التشاركية، تبرز في الأفق بوادر تفاؤل يمكن ملامسته في الإقبال الكبير على العرائض المحلية. فلقد استثمر المواطنون بشكل متزايد في السنين الأخيرة الحق في تقديم العرائض على المستوى المحلي، وهو ما يزكي فكرة أن مشاركة المواطنين يجب أن يتماشى جنبا إلى جنب مع مشروع الجهوية المتقدمة. ويمكن تفسير ارتفاع مستوى المشاركة المحلية باعتبار أن المواطنين يعيشون محليا وبالتالي يسهل عليهم الترافع بخصوص المشاكل التي تؤثر في حياتهم اليومية، إضافة إلى تيسير شروط تقديم العرائض على المستوى المحلي بالمقارنة مع مثيلاتها على المستوى الوطني. ذلك أنه تمّ توسيع دائرة ممارسة الحق في الالتماس على المستوى المحلي لتشمل أيضا الجمعيات، كما أن التواقيع المطلوبة لتقديم العرائض تقدر ب 500 توقيع كحد أقصى في المناطق التي يزيد عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تمّ اعتماد اَلية تقديم العرائض بهدف إدراج نقطة في جدول أعمال اجتماعات المجلس البلدي المحلي، خلافا لما هو عليه الأمر عل المستوى الوطني، حيث إن الحق في تقديم العرائض على المستوى المحلي يظل ثابتا ولا يتطلب إنشاء لجنة خاصة للنظر في العرائض. لذلك، ينخرط المواطنون، من خلال العرائض المحلية، بطريقة مباشرة في إدارة منطقتهم أو محافظتهم أو مقاطعتهم وبلديتهم. ونظرًا لأن موضوع العرائض يجب أن ينتمي إلى اختصاص المجلس البلدي، فإن العرائض المحلية تتعامل أساسًا مع تقديم الخدمات العامة المحلية والتخطيط الحضري. فعلى سبيل المثال، أدّت المبادرات الناجحة إلى بناء الطرق أو المراكز الثقافية المحلية، في حين تمّ تجاهل العرائض الأخرى بسبب أعذار منها نقص الموارد المالية. وهكذا فإن الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي ترتبط أساسا بفعالية الحكم المحلي.
خاتمة: العرائض ومعضلة المعلومات
بالرغم من أن العرائض تهدف في الأصل إلى تعزيز مشاركة المواطنين في بلورة السياسات العمومية باعتباره أفقا يتجاوز مجرد تقاسم السلطة السياسية، لكن يبدو أن هذا الهدف الأولي لم يتحقق بعد لغاية الاَن. لقد أثبتث الشروط المتعلقة بوضع وتقديم العرائض على المستوى الوطني سلبياتها على إمكانية استثمار المواطنين لهذا الحق[27]، وحتى عندما يمارسون هذا الحق، فإنهم لا يتلقون أي رد حيال مطالبهم.
إن تعزيز ممارسة الحق في العرائض مرتبط بضرورة إجراء تغييرات في الإطار التشريعي، حيث من المهم في هذا الصدد، مراعاة توصيات كل من منظمات المجتمع المدني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان أثناء تطوير القانون الأساسي بما في ذلك التوصيات الخاصة بتقليص عدد التوقيعات على المستوى الوطني.
في المحصلة، ومن أجل تشجيع ممارسة تقديم الالتماسات والعرائض وتعزيز فعاليتها، فإننا ننصح بضرورة الرفع من درجة الولوج إلى المعلومة خلال عملية تقديم العرائض، حيث سيكون من الأساسي مشاركة المعلومات مع العموم بخصوص أسباب رفع العرائض، والمعايير المعتمدة للرفض، وكذا كل المواضيع البارزة أثناء العملية[28]. وتندرج هذه التوصيات ضمن المبادئ وخطة عمل مبادرة الحكومة المفتوحة (OGP)[29]، والتي يعد المغرب عضواً جديداً فيها، وذلك من أجل تحسِين مصداقية السلطات العامة فيما يتعلق بممارسات الديمقراطية التشاركية. وبشكل أدق، فإن تحسين المعرفة انطلاقا من نتائج مبادرات العرائض سيسهم في الرفع من إمكانية استفادت مواطنين آخرين من ممارسة هذا الحق وبالتالي تعزيز الفرص بالنسبة لأولئك الذين في طور الإعداد للعرائض عبر تمكينهم من المعلومات الإضافية حول المواضيع المتعلقة بعملية التقديم نفسها.
وأخيرًا، فإنه من الضروري توفير مزيد من المعلومات بخصوص نتائج الالتماسات على المستوى المحلي. ونظرًا لأهميتها الأساسية في تطوير نموذج جديد للمواطنة، وباعتبارها أيضا وسيلة جديدة للمشاركة المحلية، فإنه من الأهمية بمكان مشاركة الجمهور علنيا لما تم تقديمه وتحقيقه بواسطة الالتماسات المحلية، وكذا أسباب رفضها. وباتباع نفس المنطق، فإن زيادة التربية على المواطنة بشأن آليات الديمقراطية التشاركية سيسهم في زيادة عدد العرائض المقدمة على المستوى المحلي، وهو ما سيُمكّن من تطوير ممارسة المواطنة محليا.
الهوامش
[1] على التوالي، القانون الأساسي عدد 111-14 (على الأقاليم) ، عدد 112-14 (على الجهات أو المقاطعات) و 113-14 (على البلديات).
[2] Abldelali El Hourri, “Pétitions nationales : 5 saisines en deux ans, toutes irrecevables”, Medias24, 30/9/2019. https://www.medias24.com/petitions-nationales-5-saisines-en-deux-ans-toutes-irrecevables-4638.html (accessed on 25/11/2019)
[3] Cfr. Conseil Economique Social et Environmental. (2019). Rapport annuel 2018. Retrieved from http://www.ces.ma/Documents/PDF/Rapports annuels/2018/RA-VF-18.pdf (accessed 24/11/2019). However, this assessment is undermined by the fact that the 20th February Movement has been critical of the process and the result of the constitutional reform of 2011, to an extent to which it called the boycott of its referendum vote. For more details please refer to Desrues, T. (2012). Le Mouvement du 20 février et le régime marocain : contestation, révision constitutionnelle et élections. L’Année Du Maghreb, (VIII), 359–389.
[4] Zair, T. (2012). Citoyenneté et démocratie participative au Maroc, les conditions de la construction d’un modèle. In Processus constitutionnels et processus démocratiques : les expériences et les perspectives.
[5] Touhtou, R. (2014). Civil Society in Morocco under the New 2011 Constitution: Issues, Stakes and Challenges. Arab Center for Research & Policy Studies. Retrieved from www.jstor.org/stable/resrep12647. (accessed on 26/11/2019)
[6] Full text of the Constitution of Morocco of 2011 (in French) available at http://www.sgg.gov.ma/Portals/0/constitution/constitution_2011_Fr.pdf (accessed on 26/11/2019)
[7] النص الكامل للقانون الأساسي رقم 44-14 (باللغة الفرنسية) متاح في http://www.sgg.gov.ma/Portals/0/lois/Loiorgnique_44-14_Fr.pdf?ver=2017-02-08-171743-837 ، شوهد 26/11/2019
[8] المجلس الوطني لحقوق الإنسان. (2016). رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مشروع القوانين الأساسية المتعلقة بالاقتراحات التشريعية وممارسة حق الالتماسات إلى السلطات العامة.
[9] For instance, see Ristel Tchounand, “Loi sur les pétitions : Le seuil des 5 000 signatures n’est pas réaliste selon Ahmed El Haij”, Yabiladi, 27/07/2016. https://www.yabiladi.com/articles/details/46055/petitions-seuil-” (accessed on 26/11/2019); Redaction Le Matin, “L’OMDH plaide pour l’allégement des modalités d’exercice du droit de présenter des pétitions”, Le Matin, 07/01/2016. https://lematin.ma/journal/2016/l-omdh-plaide-pour-l-allegement-des-modalites-d-exercice-du-droit-de-presenter-des-petitions/239022.html (accessed on 26/11/2019)
[10] Reda Zaireg, “Marocains, vous pouvez désormais adresser des pétitions et des motions aux pouvoirs publics”, Huff Post Maghreb, 21/08/2016. https://www.huffpostmaghreb.com/entry/petitions-motions-maroc_mg_11637600 (accessed on 24/11/2019)
[11] الفصل 2 من القانون الأساسي عدد 44-14
[12] كما أبرزت نتائج العمل الميداني الذي قام به المؤلف بين يناير ومارس 2017 ، وخلال المراقبة الميدانية المستمرة على مدار عام ونصف.
[13] للحصول على نظرة شاملة على الشروط الرسمية لتقديم العرائض، انظر أيضًا الإرشادات الرسمية لتقديم العرائض (باللغة العربية)https://www.eparticipation.ma/sites/default/files/documents/PetitionNationale/guide/Petitions_nationales_Guide_Ar.pdf
[14]في تعريف المؤيدين، الفصل. 2 و 4 من القانون الأساسي رقم 44-14 لا يذكر التسجيل، ولكن “استيفاء شروط الفقرة الثالثة من هذه المادة”. فقط الفقرة التي تصف المبادرين تتضمن صراحة معيار التسجيل في القوائم الانتخابية
[15] بيانات عن الانتخابات التشريعية الأخيرة متاحة في http://www.elections.ma/elections/legislatives/resultats.aspx
[16] بيانات القائمة الانتخابية متاحة في https://www.listeselectorales.ma/fr/statistiques.aspx
[17] الفصل 4 من القانون الأساسي رقم 44-14.
[18] الفصل 3 من القانون الأساسي عدد 44-14
[19] الفصل 2 من القانون التنظيمي رقم 44-14 ينص في الواقع على أن العريضة يمكن أن تكون أي طلب مكتوب، لكن بعد إصدار المرسوم بشأن الالتماسات (نُشر في 11 مايو 2017)، وضعت سلطات الدولة مخططًا إلزاميًا لتقديم العرائض وهو ما يتناقض بشكل واضح مع صياغة القانون الأساسي
[20] لمزيد من المعلومات حول حراك الريف يرجى الرجوع إلى دراسة إسماعيل حمودي “أمننة حراك الريف ونتائجه السياسية” في MIPA Institute, 20/9/2019, https://mipa.institute/7003 (accessed on 26/11/2019); لمزيد من المعلومات حول الاحتجاج في جرادة ، يرجى الرجوع إلى “Sous le charbon de Jerada, les braises d’un nouveau Hirak”, Middle East Eye, 29/01/2019. https://www.middleeasteye.net/fr/reportages/sous-le-charbon-de-jerada-les-braises-dun-nouveau-hirak (accessed 26/11/2019).
[21] Cfr. the focus on the boycott Conseil Economique Social et Environmental. (2019). Rapport annuel 2018. Retrieved from http://www.ces.ma/Documents/PDF/Rapports annuels/2018/RA-VF-18.pdf (accessed 25/11/2019).
[22] See for instance Yasimine Bidar, “Grâce royale pour Hajar Raissouni, son fiancé et l’équipe médicale”, HuffPost Maghreb, 16/10/2019. https://www.huffpostmaghreb.com/entry/grace-royale-pour-hajar-raissouni-son-fiance-et-lequipe-medicale_mg_5da742ece4b062bdcb1c9fcc (accessed 26/11/2019) and Mohamed Masbah, “Is Raissouni’s Pardon Simply Playing Politics in Morocco?”, MIPA Institute, 4/11/2019. https://mipa.institute/7051 (accessed 26/11/2019).
[23] لمزيد من المعلومات حول النقاش حول التعايش بين الطرق المشروعة للمشاركة والحركات الاجتماعية ، يرجى الرجوع إلى Neveu, C. (2011). Démocratie participative et mouvements sociaux : entre domestication et ensauvagement ? Participations, 1(1), 186.
[24] حُدّد التأخير في االجواب على العرائض من طرف السلطات العمومية في الفصلين 8 و15 من القانون الأساسي عدد 44-14. باختصار، بعد تلقي العريضة، لدى السلطة التي تلقتها 15 يومًا لتقديمها إلى اللجنة التي ستعطي رأيها في الطلب خلال 30 يومًا من تاريخ استلامها. بعد ذلك، بمجرد أن تصدر اللجنة رأيها، يكون للسلطة التي تلقت العريضة 30 يومًا أخرى لإبلاغ أولئك الذين قدموا العريضة بنتائجه.
[25] لمزيد من المعلومات يرجى الاطلاع على: محمد عادل التاطو” الخلفي: العثماني سيقدم جوابه على عريضة تطوان وهذا عدد العرائض المقبولة في https://al3omk.com/316013.html شوهد في 26 نونبر 2019
[26] Available at https://www.eparticipation.ma/espace/detail_petition/215
[27] See for instance Ayoub Naïm, “Lois organiques : obstacles à la pelle pour les pétitions”, LesEco.ma, 24/08/2016. https://www.leseco.ma/maroc/49099-lois-organiques-obstacles-a-la-pelle-pour-les-petitions.html (accessed 26/11/2019).
[28] يعتبر القانون 31-13 الخاص بالنفاذ إلى المعلومات، الذي دخل حيز التنفيذ منذ مارس 2018 ، هو الإطار التشريعي الجديد للوصول إلى المعلومات في المغرب. في حين أن هذا التنظيم سيكون له بالتأكيد آثار على الطريقة التي يتم بها الكشف عن البيانات على الالتماسات ، فإن تحليل تأثيرها ليس في اختصاص هذه المقالة.
[29] “مشاركة المواطنين” هي أحد المحاور الخمسة لتنفيذ شراكة الحكومة المفتوحة في المغرب. لمزيد من المعلومات يرجى الرجوع إلى http://www.gouvernement-ouvert.ma/fr/axes/4
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]