في الحلقة التي تحمل عنوان “الصديقي: لن تنتهي قضية الصحراء دون التفاهم مع الجزائر و”التطبيع” لم يكن على حساب الفلسطينيين” من برنامج “لقاء خاص”، ناقش الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس والباحث الرئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، الوضع الإقليمي والدولي من منظور الحقوق والمصالح المغربية.
أشار الدكتور الصديقي إلى التغييرات في الموقف الفرنسي حول هذه القضية، مؤكدا أن الاعتراف الرسمي الصريح بسيادة المغرب على صحرائه، وخصوصا تعهد فرنسا بالدفاع عن هذا الموقف في المحافل الدولية، هو ما يميزها عن باقي الدول. وأضاف أن هذه الخطوة المهمة ضخت حياة جديدة في العلاقات المغربية الفرنسية، التي كانت يطبعها ‘البرود’ لفترة طويلة، وشدد على ضرورة متابعة السلوك الدبلوماسي الفرنسي خلال الأشهر القادمة، خاصة في إطار الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن.
كما تساءل الأستاذ الصديقي عما إذا كانت العلاقات المغربية الفرنسية مقبلة على حقبة جديدة، مشيرا إلى ضرورة استحضار الديناميات الأخرى المؤثرة، وخاصة الجزائر؛ إذ راهنت فرنسا لمدة طويلة على تحسين علاقاتها مع الجزائر، لكنها لم تحقق أي مكاسب، مما جعلها تعيد حساباتها وتوجه اهتماماتها نحو المغرب، حفاظا على مصالحها.
وأضاف الدكتور الصديقي أن سياسة “اغلاق الباب” الحازمة التي اعتمدها المغرب مع العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تفيد بأن “التغيير يجب أن يأتي من عندكم وليس من عندي”، إضافة إلى النظام الدولي الجديد متعدد الأقطاب أتاح للمغرب هامشا واسعا لتنويع علاقاته مع مختلف الدول، قد مارس ضغوطا على فرنسا لاتخاذ قرار حاسم بشأن قضية الصحراء.
بالنسبة للموقف الإسباني الذي تطرق إليه الخطاب الملكي أثناء افتتاح دورة أكتوبر التشريعية (2024)، والذي يدعم مقترح الحكم الذاتي كحل وحيد لقضية الصحراء، أكد الصديقي أن اتخاذ اسبانيا لهذا القرار تطلب جرأة أكبر من فرنسا، نظرا للضغوطات السياسية التي واجهها رئيس الحكومة الإسباني خلال تلك الفترة. أوضح الصديقي أيضا أن هناك تغييرات ملحوظة في مواقف عدة دول أوروبية تجاه قضية الصحراء، حيث بدأت تدرك أهمية التعامل مع المغرب كدولة ذات موقع جيوسياسي حيوي.
وبشأن قرار محكمة العدل الأوروبية بإلغاء الاتفاقيات التجارية بين أوروبا والمغرب وأثره على وضع المغرب السيادي في الصحراء، أكد الدكتور الصديقي أن هذا قرار مؤثر بالفعل، وأن الإشكال الأساسي بالنسبة للمغرب في هذا الشأن يكمن في ضرورة تطوير استراتيجيات قانونية قوية لسد الخصاص في مجال القانون الدولي والمرافعة الدولية.
وفيما يتعلق بالعلاقات المغربية الجزائرية، أكد الصديقي أن الأزمة بين البلدين نابعة من غياب الثقة، مشيرا إلى أهمية إنشاء آلية مشتركة بين البلدين، كما جاء في الخطاب الملكي لتاريخ 6 نونبر 2017. أما بخصوص موقف موريتانيا، فقد أشار إلى تعرضها للعديد من الضغوطات، مؤكدا أنها ليست عاملا حاسما في قضية المغرب.
وفي سياق المبادرة الاطلسية ومشاريع أخرى، أكد الصديقي أن لها أبعادا اقتصادية وجيوسياسية مهمة، حيث تهدف إلى جعل المنطقة الصحراوية محورا اقتصاديا وإلى بناء شبكة مصالح جديدة في المنطقة. وعن عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، قال أنها شكلت خطوة استراتيجية، حيث ساهمت في تعزيز روابطه السياسية والاقتصادية والأمنية، مما أعطى نتائج إيجابية عديدة.
وعن تأثير أحداث الشرق الاوسط على المصالح المغربية، بين الدكتور الصديقي أنه رغم البعد الجغرافي، فإن المغرب يشعر بتأثيرات نفسية وهوياتية بسبب ارتباطه بالعالم العربي، وأن موقفه لا طالما كان مع القضية الفلسطينية، معتبرا أن علاقاته مع إسرائيل لم تكن على حساب الفلسطينيين.
وتحدث الصديقي عن التوترات في المنطقة، حيث يعتبر أن تركيا وإيران والسعودية واسرائيل هي أهم الجهات الفاعلة في الأوضاع الحالية، مبينا أن باقي الدول العربية ليس لديها تأثير رئيسي على القضية الفلسطينية، ومبرزا أن التحول الفعلي سوف يحدث إذا انهارت إيران أو إسرائيل. وأشار إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الأوضاع، مؤكدا أنها لا ترغب في نشوب حرب كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، قد تؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني وحلول قوى أخرى كالصين أو روسيا.
ختامًا، تطرق الصديقي إلى العلاقات المغربية الأمريكية وتأثير التطبيع على المصالح المغربية، مبرزا أهمية دور اللوبي اليهودي في قضية الصحراء المغربية. وبخصوص الانتخابات الأمريكية، رأى أن المغرب قد يستفيد على المدى القريب من دونالد ترامب، بينما يعتبر كامالا هاريس شريكا عقلانيا يمكن التواصل معه بشأن القضايا الحقوقية والديمقراطية الكبرى.