[vc_row][vc_column][vc_column_text]
نجح المغرب في اجتياز أزمة الخليج بكل عناية من أجل حماية مصالحه الدبلوماسية والاقتصادية ومن المرجح أن يستفيد من حلها الجزئي.
حافظ المغرب على موقف الحياد طوال الأزمة التي استمرت ثلاثة وأربعين شهرا بين حلفائه في مجلس التعاون الخليجي، وعندما فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارا على قطر في عام 2017، كان المغرب أمام موازنة دقيقة تجلت في الحفاظ على علاقته مع الدوحة دون معاداة الكتلة السعودية-الإماراتية. وعلى الرغم من التوترات المتقطعة مع هذه الأخيرة، نجح صناع القرار في المملكة في الحفاظ على سياسة محايدة إزاء النزاع وتمكنوا من تعزيز العلاقات مع قطر؛ وقد هدفت هذه السياسة إلى حماية المصالح الدبلوماسية والاقتصادية للمملكة.
وعلى إثر التقدم المحرز في قمة العلا في يناير 2021 والتوصل إلى حل جزئي للأزمة، من المرجح أن يكسب المغرب كثيرا من الدعم الاقتصادي والدبلوماسي. والأهم من ذلك أن سياسة الرباط الخارجية المستقلة والمحايدة في الخليج قد أثبتت للمجتمع الدولي أنها طرف إقليمي موثوق به.
دوافع الحياد
رفض صناع القرار في المغرب، منذ اندلاع أزمة الخليج في عام 2017، الانحياز إلى جانب معين بينما كثفوا الدعوات إلى التوصل لحل، بل وعرضوا التوسط بين دول الخليج. كان هذا الحياد مدفوعا بالمصالح الاقتصادية والدبلوماسية الكبيرة للمغرب في الخليج والتي تزايدت منذ عام 2011.
في الواقع، شهدت انتفاضات 2011 وأعقابها تعزيزا لعلاقة المغرب مع دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة، وكذلك مع دول الخليج كقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل منفصل. وبسبب التهديد الذي مثلته الانتفاضات على هذه البلدان على المستويين المحلي والإقليمي، سعت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية إلى تعميق الروابط مع المغرب لعدة أسباب، كما سعت الرياض إلى زيادة نفوذها في شمال إفريقيا ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. علاوة على ذلك، بعد أن اكتسب الإخوان المسلمون نفوذًا في مصر والنهضة في تونس، أرادت المملكة العربية السعودية تجنب المزيد من القيادات الإسلامية في المنطقة، كما كانت تهدف أيضا إلى تشكيل تحالف غير رسمي من الأنظمة الملكية لمواجهة النظام الجمهوري المتنامي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما قد يفسر سبب دعوة دول الخليج للمغرب والأردن للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي في عام 2011 (رغم أن الرباط لم تلبي الدعوة).
ومن الجانب المغربي رحب صناع القرار بتعميق الروابط مع دول مجلس التعاون الخليجي لأن في ذلك تعزيز لمصالح البلاد الدبلوماسية والاقتصادية، حيث شملت هذه الأخيرة بشكل رئيسي الاستثمار الخليجي والإعانات والتجارة. وقد عرفت الصادرات المغربية إلى مختلف دول الخليج في الواقع زيادة ملحوظة في أعقاب الانتفاضات العربية (الشكل 1). كما ارتفعت مساعدات دول مجلس التعاون الخليجي للمغرب خلال تلك الفترة بمبادرة من المملكة العربية السعودية. وفي عام 2011، قدمت دول المجلس للمغرب خمسة مليارات دولار من المساعدات لتمويل مشاريع تنموية، ووقعت السعودية في 2016 صفقة بقيمة 230 مليون دولار لمساعدة المغرب. وإضافة إلى هذا تعد دول الخليج أيضا مصدرا أساسيا للاستثمار في المملكة خاصة في مجال العقار. وفي 2019، وردت 40 في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب من دول مجلس التعاون الخليجي. أما في 2016 تعهدت السعودية باستثمار 22 مليار دولار في القوات العسكرية المغربية.
زيادة على ذلك سمحت الروابط القوية للمغرب مع دول الخليج بتنويع قاعدة حلفائه بعيدا عن أوروبا وتقليل اعتماده على نفوذ الاتحاد الأوروبي، وهو هدف رئيسي للسياسة الخارجية يتماشى مع إعادة توجيه السياسة الخارجية للمملكة على مدى العقد الماضي نحو إفريقيا والخليج وشركاء جدد كالصين، كما أن العلاقات الوثيقة مع منطقة الخليج تدعم سيادة المغرب على الصحراء.
المصدرWorld Integrated Trade Solution، تمت زيارة الرابط في 20 يناير 2021 https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/Country/MAR/Year/LTST/Summarytext
توترات غير رسمية
وهكذا فإن علاقة المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي ومع فرادى دول الخليج دفعته إلى تبني موقف محايد رسميا إزاء أزمة الخليج، إلا أن هناك مؤشرات دالة على تفضيله لقطر. وفي الواقع تعززت العلاقات بين الدوحة والرباط على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث يتطلع البلدان إلى زيادة تعاونهما الاقتصادي والأمني والسياسي. أولا، رفض المغرب الرضوخ لضغوط دول الحصار لينقلب ضد الدوحة على الرغم من أن للمغرب مصالح مالية كبيرة في علاقته مع المملكة العربية السعودية. وفضلا عن ذلك، بعد أيام من إعلان الأزمة، أرسل المغرب إمدادات الغذاء إلى الدوحة وسط مخاوف من نقص محتمل، كما عزز الجانبان تعاونهما الأمني؛ ومؤخرا عرض المغرب أيضا تزويد قطر بالمساعدة الأمنية قبل تنظيم مونديال 2022، ومن جهتها قدمت قطر للمملكة دعما دبلوماسيا وماليا – كان آخرها أثناء الجائحة. والأهم من ذلك أن خطاب الدوحة تجاه الرباط لم يتغير طوال الأزمة، فقد أيدت ملف المغرب لاستضافة مونديال 2026 بينما أيدت السعودية ملف الولايات المتحدة والمكسيك، إضافة إلى دعم الدوحة للمغرب ماليا باستمرار على مدى العقد الماضي؛ ففي عام 2015 وقعت اتفاق مساعدات مع المغرب بقيمة 1.25 مليار دولار، في إطار حزمة مساعدات دول مجلس التعاون الخليجي الموعودة خلال انتفاضات 2011. وفي نفس العام، تبرع أمير قطر بـ 300 مليون دولار لبناء مستشفى في شمال المغرب، ومؤخرا في عام 2020 ساهمت قطر الخيرية في الصندوق الخاص بتدبير جائحة كوفيد -19.
أثار التقارب المغربي مع قطر العداء لدى الكتلة السعودية-الإماراتية، على الرغم من أن المسؤولين نفوا باستمرار وجود توترات إلا أن هناك مؤشرات واضحة تدل على تصاعدها. في الواقع، سحب المغرب دعمه العسكري للتحالف الذي قادته السعودية في اليمن في 2019، ولم يلتق الملك محمد السادس مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال جولة قام بها في المنطقة بعد قضية جمال خاشقجي، وزعمت مصادر أن سفير المغرب لدى السعودية قد استُدعي مؤقتا. ويعتبر موقف المغرب من ليبيا مصدرا آخر محتمل للتوتر بين الرباط وأبو ظبي، فقد ورد أن صناع القرار في المغرب رفضوا دعم المشير خليفة حفتر المدعوم إماراتيا أثناء سعيه للاستيلاء على ليبيا. وبالمقابل تواصل المملكة دعمها لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة باعتبارها السلطة الوحيدة في ليبيا ودعم اتفاق الصخيرات 2015 – الذي تم توقيعه في المغرب – كأساس لأي حل سياسي.
ومن جهة أخرى، بث التلفزيون السعودي في عام 2019 وثائقيا يشكك في سيادة المغرب على الصحراء، أما الإمارات فقد استدعتسفيرها في المغرب، كما ألغى الملك سلمان رحلته السنوية إلى طنجة. وبعد أن أعلن المغرب موقفه الحيادي من الأزمة الخليجية، صرح مسؤول سعودي قائلا: “اللون الرمادي لم يعد مقبولا لدينا … إذا أردت الدعم، فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم”. وخلال جائحة كورونا، في أبريل 2020، أعلنت أبو ظبي أنها ستفرض قيودا إذا لم يتم ترحيل المواطنين العالقين في الإمارات.
غير أن العلاقات بين الرباط وأبو ظبي والرياض قد تحسنت في الآونة الأخيرة بعد تطبيع المغرب الجزئي للعلاقات مع إسرائيل في نهاية 2020. كما شهد المغرب والسعودية تقاربا حيث أعلنا عن إنشاء صندوق استثماري مشترك لدعم المقاولات في يناير 2021. ومن جهة أخرى أعلنت الإمارات والبحرين دعمهما لسيادة المغرب على الصحراء وفتحتا قنصليتيهما هناك – وهو فوز كبير للمغرب لأن هذا يدعم سيادته على الأقاليم الصحراوية.
التوقعات المستقبلية
واجهت الرباط في بداية الأزمة تحديا كبيرا يتمثل في تحقيق توازن بين الحفاظ على الروابط (إن لم يكن تعزيزها) مع قطر دون إثارة غضب المملكة االسعودية والإمارات المتحدة، أقرب حلفائها في الخليج. وقد نجح المغرب في ذلك إذ أن حياده الذي استمر طوال الأزمة لم يسمح بالحفاظ على العلاقات مع جميع حلفاءه فحسب، على الرغم من التوترات، بل رفع أيضا من مصداقيته على الساحة الدولية كذلك. موضع المغرب نفسه كطرف محايد يهدف إلى التوسط بدل الانحياز، وفق استراتيجية سياسة خارجية مستقلة لا تقيدها جهات محددة، وهذا سيعزز سياسة المملكة الحيادية البناءة والفعالة على الساحة الدولية وفي عملية السلام الليبية.
زيادة على ذلك، فإن الحل الجزئي لأزمة الخليج سيعود بالنفع على الاقتصاد المغربي وسياسته الخارجية، وفي المستقبل القريب سيقلل التوترات بين المملكة والكتلة السعودية-الإماراتية التي أثارتها العلاقات الوثيقة بين المغرب وقطر. ومن المرجح أن يكون هناك ارتفاع في الاستثمار الخليجي والتجارة وحزم المساعدات، كما لن تقع المملكة مستقبلا تحت نفس ضغط الانحياز والتأكيد على حيادها. وبدلا من ذلك، يمكن لصناع القرار في الرباط الآن إعادة تركيز جهودهم على تقوية العلاقات مع السعودية والإمارات من أجل تعزيز مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية، وتعميق العلاقات مع الرياض لمواجهة النفوذ الجزائري المحتمل في المنطقة. ومن الجانب الخليجي، سيُستأنف تقديم الدعم للمغرب وسيزداد بشكل طبيعي، لأن دول الخليج لها مصلحة أمنية في المملكة وقد استثمرت في نظامها بعد انتفاضات 2011.[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
ياسمينة أبو الزهور
أبو الزهور هي زميلة زائرة في مركز بروكنجز، و حازت دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أوكسفورد حيث أعطت محاضرات لمرحلتي البكالوريوس والدكتوراه في السياسات المقارنة والعلاقات الدولية والحوكمة الاقتصادية. تركّز بحوثها على استمراريّة الأنظمة السلطويّة وتحوّلاتها، والسلوك الاستراتيجي الذي تعتمده هذه الأنظمة، وتفاعلات الأنظمة مع التيارات المعارضة، و تعدد المنهجيات. وهي تكتب كتابًا حول استمراريّة الأنظمة الملكية العربية و تكمل عدة مشاريع حول سياسة و اقتصاد دول شمال أفريقيا. وقد عملت أبو الزهور سابقًا كمحللة مخاطر سياسية في أوكسفورد أناليتيكا، و حصلت على درجة البكالوريوس بتميّز في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا.