الأبحاثالتنمية الاقتصاديةالمراكز الجهوية للاستثمار: في الحاجة لإصلاح الإصلاح

أسفر إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار عن تحسن ملحوظ في مؤشرات الاستثمار الجهوي، لكن استمرار عدة أعطاب يُحتِّم اعتماد جيل جديد من الإجراءات “لإصلاح الإصلاح”

 

مقدمة

       اندرج إصدار القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار ضمن مساعي تجاوز الأعطاب الهيكلية التي حدت من سياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار كما وُضِعت في سنة 2002، حيث استهدف القانون المذكور وما تبعه من نصوص تطبيقية وتدابير موازية مراجعة جذرية للإطار التنظيمي والوظيفي للمراكز الجهوية للاستثمار، وهي الإصلاحات التي ترتب عنها إحداث طفرة نوعية في ديناميات الاستثمار الجهوي في ضوء التحسن التدريجي لآجال معالجة طلبات الاستثمار مع تنامي حجم الاستثمارات على الصعيد الجهوي.

       غير أن الممارسة تُؤشِّر على إشكالات عديدة منها ما يرجع لمرجعيات الإصلاح التي لم تُواكَب بالتَّحيِينات والتعديلات المطلوبة أمام تطور واقع الاستثمار الجهوي، ومنها ما يعود لعدم تلاؤم المقاربات المعتمدة في تنفيذ سياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار مع خصوصيات عالم الأعمال، وغيرها من المؤشرات التي لم يعد بالإمكان تجاهلها في ظل ارتباط الاستثمار الجهوي بالأوراش الجديدة للتدبير العمومي، كتنفيذ ميثاق الاستثمار، والاستحقاقات الجديدة للعدالة المجالية بعد مرحلة 2017-2023، وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وتطوير نظام اللاتمركز الإداري، والإصلاح الترابي للدولة في ضوء مساعي تنزيل توجهات النموذج التنموي الجديد.

ستحاول الورقة الإجابة على السؤال المركزي التالي: إلى أي حد ساهم القانون رقم 47.18 والإصلاحات التي تلته في تعزيز فعالية المراكز الجهوية للاستثمار؟ وذلك من خلال رصد المؤشرات المتعلقة بالأداء التدبيري للمراكز الجهوية للاستثمار ومستويات تأثيرها في ترسيخ التدبير اللامتمركز للاستثمار، مع استشراف سبل تجاوز الإكراهات التي تواجه حكامة الاستثمار الجهوي وتحد من فعاليته.

 

دواعي إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار ورهاناته

       ساهمت المراكز الجهوية للاستثمار منذ إحداثها سنة 2002 في التأسيس لمقاربة القرب في تدبير ملفات الاستثمار، وفق هيكلة تنظيمية تألفت من شباكين لمواكبة المستثمرين وللمساعدة على إنشاء المقاولات، وبفضل الصلاحيات الممنوحة للولاة الذين أسند إليهم الإشراف على البعد المجالي لسياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار فقد ساهمت المراكز الجهوية في تنشيط ديناميات الاستثمار الجهوي مقارنة بالتدبير المركزي الذي أورث تفاوتات صارخة في توزيع الاستثمارات بين مجالات التراب الوطني.

      لكن هذه الديناميات سرعان ما خفَّ وهجها جراء تعرض المراكز الجهوية لنفس الأعطاب التي تطبع الإدارة العمومية، كبطء المساطر وتعقد الإجراءات وضعف عمليات التتبع والمواكبة[1]، كما أن صلاحيات ومهام المراكز أصبحت غير منسجمة مع مسار الجهوية المتقدمة كما أصَّل لها دستور 2011 والقانون التنظيمي رقم 111.13 المتعلق بالجهات[2]. وغيرها من الاختلالات التي حتَّمت مراجعة الأطر الهيكلية والوظيفية للمراكز الجهوية للاستثمار، وتدعيم دورها في الإشراف على العملية الاستثمارية[3]. لهذه الغاية، تم إصدار القانون 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار. وقد استهدف هذا القانون -وما أعقبه من إصلاحاتتنظيمية امتدت من سنة 2019 إلى 2023- تحقيق رهانات متعددة تشمل تجديد النموذج القانوني للمراكز، وتعديل منهجية عملها وتحديث وسائل تدخلها.

        نصت المرجعيات الجديدة للتدبير اللامتمركز للاستثمار على تحويل المراكز الجهوية من نموذج “مصالح الدولة المسيرة بطريقة مستقلة” (SIGMA) إلى مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، مع تمتيعها بصلاحيات واسعة في مجال تقديم المساعدة للمستثمرين والمقاولات على امتداد جميع المراحل، من تلقِّي ملفات الاستثمار ومعالجتها إلى مرحلة ما بعد التنفيذ عبر عمليات الاستشارة والمصاحبة، إضافة إلى مد المستثمرين والمقاولين بالمعلومات المتعلقة بالوعاء العقاري العمومي وبالمنظومات التحفيزية، وببنيات الاستقبال والموارد البشرية، وكذا إمكانات التمويل وفرص الشراكة. كما تم تدقيق الصلاحيات ذات الصلة بالتحفيز الاقتصادي والعرض الترابي من خلال إعداد أبناك المشاريع الاستثمارية ووضعها رهن إشارة المستثمرين، وبلورة مخططات لإنعاش الاستثمار الجهوي بالتنسيق مع مختلف الفاعلين العموميين والخواص والمشاركة في تنفيذ الاستراتيجيات القطاعية ذات الصلة، ناهيك عن دورها كوسيط في التسوية الودية للنزاعات بين الإدارات والمستثمرين[4].

     على المستوى المؤسساتي، توخت الإصلاحات المتتالية تحسين حكامة الإشراف على الاستثمار الجهوي، من خلال إحداث لجنة وزارية للقيادة عُهد إليها بتتبع عمل المراكز وبتذليل الصعوبات وتسوية النزاعات. وبالنظر لمحورية هذا الدور من المنتظر أن يتم تحويلها إلى لجنة وطنية للطعون تبعا للتعديلات التي جاء بها مشروع القانون رقم 22.24 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 47.18[5]. أما على الصعيد الترابي، فيشرف على كل مركز جهوي مجلس إداري مكلف بالسهر على مختلف إجراءات التدبير المالي والإداري[6]، فيما أسندت المهام المتعلقة بمعالجة ملفات الاستثمار إلى اللجنان الجهوية الموحدة للاستثمار (CRUI) التي تتولى معالجة طلبات الاستثمار والتقييم المسبق للمشاريع المقدمة من مختلف الأبعاد البيئية والاقتصادية والعمرانية والاجتماعية، كما تبدي رأيها في مدى أهلية المشاريع لاستحقاق الامتيازات التي تمنحها الدولة[7]. إضافة إلى ذلك، تم إحداث لجان جديدة في سياق تنفيذ الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، كاللجنة الجهوية للتنسيق التي تضم في عضويتها المراكز الجهوية للاستثمار، إلى جانب مختلف المصالح اللاممركزة التي تم إلزامها بدعم المراكز باعتبارها شباكا وحيدا لمساعدة المستثمرين على الصعيد المحلي[8].

      من حيث الهيكلة، يلاحظ تسارع جهود تكييف الهندسة التنظيمية للمراكز مع خصوصيات عالم الأعمال وحاجيات حاملي المشاريع، من خلال إحداث قطبين: قطب دار المستثمر كشباك موحد لتبسيط المساطر وتيسير الإجراءات المتعلقة بالحصول على التراخيص وبإحداث ومصاحبة المقاولات، وقطب التحفيز الاقتصادي والعرض الترابي الذي عهد إليه بتحسين قدرة الجهات على جذب الاستثمارات. كما تم تحديث منظومة الرقابة، بإخضاع المراكز للمراقبة المالية للدولة التي يمارسها مندوب للحكومة من خلال حضوره للاجتماعات واطلاعه على الوثائق المحاسبية والإدارية، مع الخضوع لتقييم سنوي ينجز تحت مسؤولية مكتب خاص للتدقيق، الذي يجري تقديرا شاملا لإنجازات المركز في ضوء مؤشرات كمية كالأجل المتوسط لدراسة ملفات الاستثمار ومعالجتها وعدد مناصب الشغل والمبلغ الإجمالي للمشاريع الاستثمارية المصادق عليها، وعدد المقاولات التي تمت مواكبتها وعدد المقترحات الرامية إلى تبسيط المساطر وتحفيز الاستثمارات[9]. ومن أجل تعزيز القدرات التدبيرية للمراكز، تم التنصيص على تنويع آليات تعبئة الموارد البشرية، كالوضع رهن الإشارة، والتعاقد مع خبراء ومستشارين لإنجاز مهام محددة، كما خول لها المشرع إبرام عقود واتفاقيات للاستفادة من تجارب وخبرات كل هيئة عامة أو خاصة تندرج ضمن مهامها[10].

 

الحصيلة المرحلية لسياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار

     تُوحي حصيلة المراكز الجهوية للاستثمار خلال الفترة الفاصلة بين 2019 و2024 ببوادر إيجابية مقارنة بالفترة السابقة، حيث ارتفعت بنسبة النصف تقريبا أعداد طلبات الاستثمار المودعة من قبل حاملي المشاريع مقارنة بمرحلة ما قبل 2019 إذ تنامت تدريجيا لتناهز 3500 ملفا مودعا بشكل سنوي لدى اللجان الجهوية الموحدة، التي أصبحت أكثر إيجابية في معالجة الملفات بفضل الانعقاد المنتظم وتحسين حكامة التدبير، إذ تقارب نسبة قبولها 60 في المائة كمعدل وطني، مع تجاوز العديد من الجهات لهذه العتبة، كما هو الحال مع جهة مراكش-آسفي باقترابها من 90 في المائة مع متم سنة 2023 بعدما كانت تراوح نسبة 66 في المائة في بداية سنة 2022، فيما تجاوزت نسبة الاستجابة لطلبات الاستثمار بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة 87 في المائة في غشت 2024[11].

      كمقارنة بين مرحلتي ما قبل وما بعد الإصلاح، يلاحظ تسارع ملحوظ في الآجال الخاصة بدارسة ومعالجة ملفات الاستثمار، حيث انتقلت المهل الزمنية للحسم في مصير المشاريع الاستثمارية من حوالي مائة يوم في 2016 إلى 27 يوم مع بداية تفعيل القانون 47.18، لتنخفض بشكل تدريجي إلى حدود خمسة أيام كمعدل وطني مع متم سنة 2023. فيما تظهر المقارنة وجود إيقاعات أسرع ببعض الجهات، تستوي في ذلك الجهات الصاعدة من ناحية الجاذبية الاستثمارية كجهة العيون-الساقية الحمراء (نصف يوم) وجهة كلميم- واد نون (3.7 يوم) والجهات الرائدة في استقطاب الاستثمارات كجهة الرباط-سلا-القنيطرة (4.4 يوم)، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة التي عرفت تحسنا كبيرا في الآجال المخصصة لدراسة ومعالجة الملفات الاستثمارية بنزولها من 10,4 يوما في سنة 2020 إلى8,8يوما في سنة 2021لتستقر في حدود 4.9 يوما في السنوات الموالية[12].

       في المجمل بلغت أعداد المشاريع المصادق عليها من قبل اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار بين 2020 و2023 حوالي 8800 مشروعا بغلاف مالي يناهز 800 مليار درهم[13] وبعدد مناصب شغل محدثة تفوق 900 ألف فرصة عمل إذا أخذنا بعين الاعتبار الطابع التراكمي والانعكاسات غير المباشرة للاستثمارات. بالموازاة، تم تسجيل طفرات غير مسبوقة في إحداث مناصب الشغل بالجهات الصناعية، كجهة الرباط-سلا-القنيطرة (142 ألف)، وجهة-طنجة-تطوان-الحسيمة التي سجلت رقما قياسيا في معدل التشغيل بتوفير 72 ألف منصب في سنة 2023 لوحدها[14].ويُرتقب أن تتصاعد هذه الدينامية بفضل الأثر المُهيكِل لاتفاقيات الاستثمار المندرجة ضمن مساعي تفعيل الميثاق الجديد للاستثمار الذي نص على تمتيع المشاريع الاستثمارية الأكثر تشغيلا بامتيازات وتفضيلات استثنائية[15]. وقد بدأت إرهاصات ذلك منذ 2023، بمصادقة اللجنة الموحدة للاستثمار بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة على44 اتفاقية استثمار بغلاف مالي يناهز 18 مليار درهم يَعِد بخلق أكثر من 10 آلاف منصب شغل قار[16].ومصادقة اللجنة الجهويةالموحدة للعيون-الساقية الحمراء على أكثر من 214 مشروعا استثماريا من الجيل الجديد بغلاف مالي يناهز 112 مليار درهم يرتقب أن يُمكِّن من خلق أكثر من 18 ألف منصب شغل في أفق 2030[17].

       نفس التطور عرفه النسيج المقاولاتي الجهوي، حيث تزايدت بشكل ملحوظ أعداد المقاولات المُحدَثة بفضل جهود المراكز الجهوية واللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، إذ عرفت هذه الفترة قفزة نوعية في إحداث المقاولات بمعظم جهات المملكة، مع وجود بعض التفاوت بين الجهات تبعا للدينامية التي يعرفها النسيج الإنتاجي بها ولجودة بنية استقبال الاستثمارات بها من حيث الولوج للأسواق وجاذبية فرص الاستثمار، كجهة فاس-مكناس (8200) الرباط-سلا-القنيطرة (7400)وجهة الشرق (3200)، وجهة كلميم-وادي نون (920) وجهة العيون-الساقية الحمراء (900). كما أسهم المسار الجديد للتدبير اللامتمركز للاستثمار في تحفيز مناخ الأعمال، حيث تجاوز عدد المقاولات المحدثة خلال سنة 2024 ما يزيد عن 86 ألف مقاولة، يتمركز معظمها بجهات الدار البيضاء-سطات (37%)، والرباط-سلا-القنيطرة (12.7%)، وطنجة-تطوان-الحسيمة (11.8%). ومراكش آسفي (11.5%)[18].

فيما يتعلق بمواكبة المقاولات، فقد تطور بشكل لافت أداء المراكز الجهوية للاستثمار بفضل الجنوح أكثر نحو مأسسة هذا الدور، من خلال إشراف مدراء المراكز على لجان جهوية خاصة بالتنزيل الترابي للبرنامج الوطني المندمج لمواكبة وتمويل المقاولات الذي أحدث بموجب قانون المالية لسنة 2020[19]. وفي انتظار التقارير النهائية للتقييم، تشير التقديرات إلى أن الفترة موضوع الدراسة عرفت مصاحبة ما يزيد عن 70 ألف من المقاولات وحاملي المشاريع. وقد تمكنت بعض المراكز الجهوية من الارتقاء بعمليات المواكبة بفضل إنشاء بنيات متخصصة، كالمركز الجهوي لجهة الدار البيضاء-سطات الذي وضع شباكا افتراضيا موحدا (phygital) للمساعدة في التركيب المالي وبلورة النموذج الاقتصادي للمشاريع، وغيرها من التدابير التي مكنت من مواكبة أزيد من 20 ألف مقاولة بالجهة[20]، فيما اعتمدت مراكز أخرى مقاربات للقرب في مواكبة المقاولات الناشئة، كالمركز الجهوي لجهة مراكش-آسفي الذي أحدث مراكز للدعم المقاولاتي والتنمية الاقتصادية المحلية في معظم العمالات والأقاليم التي تنتمي للجهة، والمركز الجهوي للاستثمار فاس-مكناس الذي واكب في السنة المنصرمة أكثر من 1800 مقاولة بفضل برامج متخصصة في المصاحبة مثل “سيدتي المقاولة” و”أفق المقاول” و”أفواج”[21]. نفس الأمر بالنسبة لمركز جهة طنجة-تطوان-الحسيمة الذي سجل خلال سنة 2023 مواكبة أكثر من 4300 مقاولة بفضل الآليات المبتكرة للشباك الوحيد الافتراضي لمصاحبة المقاولات وخاصة أكاديمية الاستثمار (Investangier Academy)[22].

 

دور المراكز الجهوية للاستثمار في تعزيز حكامة الاستثمار الجهوي

        تعكس الحصيلة الكمية للمراكز الجهوية للاستثمار وجود تحسن كبير في حكامة التدبير اللامتمركز للاستثمار مقارنة مع مرحلة ما قبل سنة 2019، حيث أصبحت المراكز أكثر انضباطا لمقومات الحكامة الجيدة وأكثر اندماجا في النظام المؤسساتي لتدبير الاستثمار:

  • اعتماد التخطيط الاستراتيجي: انتقال معظم المراكز من التدابير المجزأة إلى مخططات استراتيجية تبرمج أولويات الاستثمار الجهوي ضمن مدى زمني متوسط، على غرار المخطط الثلاثي للمركز الجهوي لجهة فاس مكناس (2024-2026) الذي حث على إعطاء الأولوية لتشجيع المشاريع الاستثمارية لمغاربة العالم وعلى دعم الاستثمارات الأكثر إنتاجا للقيمة المضافة ولمناصب الشغل، مع تطوير طرق مواكبة للمقاولين الشباب ومهننة(professionnalisation) آليات الوساطة والتسوية الودية للمنازعات[23]، وخلال نفس الفترة وضع المركز الجهوي لبني ملال –اخنيفرة برنامجا متعدد السنوات يتضمن حزمة من التدابير الرامية إلى تنمية الحس المقاولاتي وتحسين مناخ الأعمال وابتكار آليات جديدة لمصاحبة المستثمرين وتتبع المشاريع، ورقمنة الخدمات المتعلقة بإنعاش العرض الترابي.كما تعزز دور المراكز الجهوية في تدعيم التخطيط الجهوي، من خلال المساهمة في إعداد مخططات التهيئة القطاعية ومخططات التهيئة الجماعية، ومساعدة الجهات في إعداد وتنفيذ مخططاتها، إضافة إلى العمل إلى جانب الهيئات المختصة في إعداد الدراسات القبلية لتنمية المناطق الصناعية ومناطق الأنشطة[24].
  • رقمنة المساطر الإجرائية للاستثمار: تماشيا مع رهان اختصار دورة معالجة الملفات ولتسريع الآجال المتعلقة بالدراسة والبت فقد تم تطوير منصة خاصة بالتدبير اللامادي لملفات الاستثمار (cri-invest)، كفضاء إلكتروني يتيح للمستثمر فتح حساب افتراضي لتتبع مآلات الملف الاستثماري منذ وضعه حتى البث فيه وتوقيعه إلكترونيا من طرف اللجنة الجهوية الموحدة[25]. وتزامن إطلاق المنصة مع جائحة “كوفيد 19” لتشكل آلية مثلى للتدبير اللامادي لمساطر الاستثمار، إذ لم تمر سنة على العمل بها حتى تم خلق 3800 حساب خاص بممثلي الإدارات الجهوية المعنية بالاستثمار مع تسجيل 220 ألف عملية ولوج بمعدل 425 مستثمر كل يوم[26]. وقد ساعد تطوير الهندسة المعلوماتية للمنصة على تعزيز دورها في تبسيط الإجراءات المتعلقة بإيداع ومتابعة ومعالجة منازعات المستثمرين مع الإدارة. إضافة إلى هذه المنظومة المعلوماتية المركزية، وبلورة جل المراكز الجهوية حلولا رقمية خاصة بها لتيسير تواصلها مع المقاولات وحاملي المشاريع، كمنصة خطط العمل (E-Business Plan) لمواكبة المستثمرين بجهة الدار البيضاء-سطات في تركيب مشاريعهم الاستثمارية، والمنصة الرقمية لتدبير الطلبات والشكايات بالمركز الجهوي لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، والمنصة الرقمية الخرائطية لاكتشاف عروض الاستثمار والفرص العقارية بجهة سوس-ماسة. ناهيك عن المنصات المحدثة في إطار برنامج “ازدهار” لمواكبة حاملي المشاريع[27].
  • مأسسة مهام التحفيز: بروز ممارسات فضلى في تحفيز الاستثمار الجهوي بجل المراكز، كإحداث المركز الجهوي لجهة الشرق لمرصد للاستثمار أنيط به توفير الدراسات المتخصصة حول الأسواق والحلول المالية والعقارية وتقديم معلومات موثوق بها حول الحوافز وفرص الاستثمار، مع إنشاء مقياس للجاذبية الترابية لإبراز القدرة التنافسية للجهة انطلاقا من 74 مؤشرا تشمل مختلف الجوانب الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والبيئية[28]، فيما اهتمت تجارب أخرى بالتسويق الرقمي كمركز جهة الرباط-سلا-القنيطرة بخلق مرصد رقمي للاستثمار في بداية سنة 2024 في شكل منصة تفاعلية تتيح أزيد من 30 ألفا من المعطيات المتعلقة بالاستثمار تم تجميعها من قبل 30 جهة عبر 200 تحقيق ميداني. نشير كذلك إلى الاستراتيجية الجهوية للتسويق الترابي بجهة درعة-تافيلالت الجاري تنفيذها منذ الربع الأول لسنة 2023 في إطار تشاركي بين المركز الجهوي ومجلس الجهة، والتي اشتملت على عدة إجراءات لتعزيز إسهام المجال الرقمي في خلق فرص الاستثمار والتنمية بالجهة، وفي إبراز جاذبية الجهة والترويج للمؤهلات والإمكانات التي تزخر بها[29].
  • تدعيم التقائية المجهود العمومي: لتعزيز الجهود الترابية لتنمية الاستثمار تم إصدار دورية مشتركة رقم 30/13 بين وزارة الداخلية والقطاعات الوزارية المعنية حددت مجموعة من الآليات لتجويد ممارسة الجهات لاختصاصها المتعلق بدعم المقاولات من ضمنها إشراك المراكز الجهوية للاستثمار في وضع وتفعيل الاستراتيجيات الجهوية لدعم المقاولات. في ضوء ذلك، برزت بعض الممارسات التشاركية بين المراكز الجهوية للاستثمار والمجالس الجهوية في مجال تحفيز الاستثمار، كإحداث صندوق للاستثمار بجهة الرباط-سلا-القنيطرة في 2022 في إطار الشراكة بين مجلس الجهة والمركز الجهوي للاستثمار، وتحويل جهة بني ملال-اخنيفرة لمساهمتها المالية الخاصة بإنعاش الاستثمار إلى صندوق دعم الاستثمار وخلق فرص الشغل التابع للمركز الجهوي للاستثمار كشباك جهوي موحد لعرض الخدمات المقدمة لفائدة المستثمرين والمقاولات[30]. وعلى المستوى المركزي، تم الشروع في تعديل منظومة حكامة المراكز الجهوية بنقل الوصاية عليها من وزارة الداخلية إلى القطاع الوزاري المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية[31]، وهو ما استوجب تعديل المرسوم الخاص بتطبيق القانون 47.18 على نحو يكفل تحويل الوصاية على المراكز الجهوية للاستثمار من وزارة الداخلية إلى رئيس الحكومة بالتنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالمالية[32].
  • مواكبة الأوراش الكبرى: تتكامل أجندة تنفيذ القانون رقم 47.18 مع باقي الأوراش المرحلية للتدبير العمومي بالمغرب، وفي مقدمتها ورش تبسيط ورقمنة المساطر[33]، بإيلاء الأولوية القصوى لمجال الاستثمار في سياق تنفيذ مقتضيات القانون رقم 55.19، حيث أسقطت اللجنة الوطنية لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية منذ فبراير 2023 تقريبا نصف الوثائق المطلوبة من المستثمرين مع إعفائهم من عدة إجراءات عند إعداد ملفات الاستثمار، وذلك اعتمادا على تقنيات تبسيطية، تشمل حذف العديد من الوثائق وتعويض أخرى بنماذج جاهزة أو بمعلومات تصريحية، مع تكفل الإدارة بالنيابة عن المستثمر في تحصيل الوثائق كلما أمكن ذلك في إطار التبادل البيني للمعطيات بين الإدارات العمومية[34]. وهكذا فقد صادقت اللجنة الوطنية لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية على تبسيط 22 قرارا إداريا عبر المنصة الرقمية للمراكز الجهوية للاستثمار، أي بنسبة 45 في المائة من الوثائق الأكثر تداولا لدى المستثمرين[35]. كذلك الحال مع القانون الإطار رقم 32.22 الذي حصر الرهانات الاستراتيجية لتنمية الاستثمار في تحقيق العدالة المجالية وتعزيز فرص الشغل، وتوجيه الاستثمارات نحو مهن المستقبل، وكذا تدعيم التنمية المستدامة، مع التنصيص على جعل المراكز الجهوية واللجان الجهوية الموحدة شريكا أساسيا في تفعيل سياسات الاستثمار[36]. على هذا الأساس تم تكليف اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار بالمصادقة على اتفاقيات الاستثمار التي تعادل أو تقل قيمتها عن 250 مليون درهم فيما تتكلف اللجنة الوطنية للاستثمارات برئاسة رئيس الحكومة بالمصادقة على تلك التي تتجاوز هذه العتبة[37].

 

الأعطاب التدبيرية للمراكز الجهوية للاستثمار والحاجة إلى إصلاح الإصلاح

       بالرغم من المكاسب المحققة ثمة العديد من المخاطر المحدقة بالأداء التدبيري للمراكز الجهوية للاستثمار بشكل قد يعاكس الرهانات الجديدة للارتقاء بالاستثمار وتعظيم آثاره الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يفرض بلورة استجابات جديدة للتأسيس لجيل جديد للتدبير اللامتمركز للاستثمار:

  • تسريع التدبير اللامتمركز للاستثمار: نص الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على وضع أجندة محددة لنقل الاختصاصات والموارد من القطاعات الوزارية إلى تمثيلياتها الترابية، لكن حصيلة 4 سنوات من تفعيل مرسوم اللاتمركز تؤشر على استمرار مركزة مساطر الاستثمار في ظل تباطؤ تنفيذ التصاميم المديرية للاتمركز، فبحسب التقرير السنوي الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، فإنه وإلى غاية شتنبر 2023، تم فقط تفويض أو نقل 15 اختصاصا من بين 44 اختصاصا كان من المفروض أن تسند إلى المصالح اللاممركزة، لأسباب متعددة منها ما يرجع إلى صعوبة التخلص من المقاربة المركزية، وإلى التباطؤ الحاصل في المصادقة على النصوص القانونية والتنظيمية ذات الصلة، وكذا التأخر الذي عرفته إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة للقطاعات الوزارية على الصعيد الجهوي[38]. وهو ما يفرض التسريع بنقل صلاحيات تدبير الاستثمار من الإدارات المركزية إلى التمثيليات الإقليمية والجهوية، صحيح أن التعديل الذي جاء به القانون رقم 22.24 بخصوص إسناد رئاسة المجالس الإدارية للمراكز الجهوية إلى رئيس الحكومة من شأنه أن يساعد على تعزيز التكامل بين البعدين المركزي والترابي لسياسات الاستثمار، لكنه قد يكرس-في المقابل-إعادة مركزة الاستثمار الجهوي، خصوصا أمام تمتيع رئيس الحكومة بصلاحيات كانت مسندة إلى اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار على غرار قرارات الترخيص للاستثناءات في مجال التعمير[39].

في هذا السياق تطرح راهنية بلورة خطاطة مناسبة لتوحيد منظومة قيادة الاستثمارات التي لازالت موزعة بين عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية[40]، بخلق آلية دائمة للتنسيق بين مختلف الجهات المتدخلة في تحفيز وتدبير الاستثمار، مع مراجعة الإطار المؤسساتي للتدبير الترابي للاستثمار سواء في شقه اللامتمركز بما يساعد على انبثاق مصالح لاممركزة جهوية تشكل شريكا أساسيا للمراكز الجهوية في الإشراف على العملية الاستثمارية، أو في بعده اللامركزي بإشراك أكبر للجماعات الترابية وخاصة الجهات في حكامة تدبير الاستثمار الجهوي والمحلي.

  • تصحيح التوزيع المجالي للاستثمار: بالرغم من الجهود المتواصلة ما يزال توزيع الاستثمارات على المستوى الجهوي مطبوعا بعدم التوازن في ظل استمرار استحواذ الجهات الثلاث الواقعة ضمن محور طنجة-الجديدة على معظم الاستثمارات العمومية[41]، وهو ما يعمق التفاوت بين جهات المملكة على مستوى المساهمة في خلق الثروة الوطنية، فبحسب معطيات قانون المالية لسنة 2024 فإن حوالي 60 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي يتأتى من جهات الدار البيضاء-سطات (32.2) والرباط-سلا-القنيطرة (16) وطنجة-تطوان-الحسيمة (10.5)[42]. إلى جانب ذلك، ما فتئ الشرخ يتعمق بين مركز الجهة وهامشها في توطين الاستثمارات، ونشير على سبيل المثال إلى جهة فاس-مكناس حيث لا تحصل خمسة أقاليم سوى على 24 في المائة من مشاريع الاستثمار فيما تذهب معظمها إلى قطبي الجهة مدينتي فاس ومكناس[43]، ويُسائل استمرار هذا التفاوت الجدوى من سياسة التدبير اللامتمركز للاستثمار إن لم تكفل التوزيع المتوازن للاستثمارات بين مجالات التراب الوطني، الأمر الذي يُحتِّم استحضار متطلبات العدالة المجالية في توزيع شبكات التجهيزات واللوجستيك والبنيات التحتية فيما بين وداخل الجهات، ضمن حزمة من تدابير التمييز الإيجابي لإنعاش المجالات الهشة[44]، مع التصدي للعوامل الطاردة للاستثمارات ببعض المناطق جراء تعقد الوضعية العقارية وتفاقم مؤشرات العزلة وصعوبات الولوج إلى الأسواق وضعف جاهزية مناطق الأنشطة الاقتصادية.
  • تعزيز نجاعة الاستثمار الجهوي: يسجل الاستثمار الجهوي مفارقة صارخة تتمثل في تنامي حجم الاستثمارات بدون إحداث الديناميات التنموية المطلوبة، سواء على المستوى الاقتصادي بتطوير الاقتصاد المحلي وتعزيز التنافسية الترابية، أو على المستوى الاجتماعي بالتقليص من مفارقة محدودية الأثر التشغيلي لمشاريع الاستثمار[45]. نشير بهذا الصدد إلى مفارقة صارخة تسائل مجمل الحوافز الممنوحة للاستثمارات الخاصة، فبالرغم من كون الاستثمار يشمل نسبة 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام فإن انعكاساته الاجتماعية تظل محدودة، إذ تظل عدد مناصب الشغل المباشرة المحدثة سنويا في حدود 89 ألفا مقابل ارتفاع عدد الساكنة النشيطة ب 380 ألف نسمة سنويا. ويطرح اتساع هذه الفجوة على المحك مساءلة حكامة المجهود العمومي لتنمية الاستثمار الجهوي، في ظل وجود صعوبات هيكلية تحد من أثر التدابير المتخذة، كضعف التنسيق بين المتدخلين، ومحدودية مواكبة المشاريع الجاري تنفيذها، حيث غالبا ما تتراخى الجهود ذات الصلة بتتبع الأثر الاقتصادي والاجتماعي للدعم الممنوح، وبمراقبة انضباط حاملي المشاريع للالتزامات المنوطة بهم مقابل استفادتهم من حزم الحوافر الممنوحة لهم على نحو يجعلها تتحول إلى ريع اقتصادي. للتخفيف من وقع هذه المفارقة، يتعين جعل التدابير التحفيزية مرتبطة بدفاتر تحملات تتضمن التزامات المشاريع المستفيدة في ضوء مؤشرات العدالة المجالية والمساهمة في التشغيل وحماية البيئة والمقاولة المواطنة والتوجه للمناطق التي تُسجِّل معدلات تنمية بشرية ضعيفة.

       ساعد إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار في ضوء القانون رقم 47.18 على تعزيز دورها في هندسة المشاريع بإرساء قاعدة واسعة من أبناك المشاريع على صعيد كل جهة، لكن بتجاوز التقييم الكمي فإن العديد من المشاريع تظل بعيدة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي بسبب ضعف الاعتماد على المقاربة التشاركية في إعدادها. كما أن محدودية تحيين وملاءمة أبناك المشاريع يجعلها غير مستجيبة لحاجيات المستثمرين المغاربة والأجانب وخاصة الشباب منهم والمغاربة المقيمين بالخارج[46].

  • توحيد حزم الحوافز: إلى جانب الامتيازات التي تمنحها المراكز الجهوية تُقدِّم المجالس الجهوية عدة تحفيزات للمستثمرين، حيث ناهز الدعم المقدم من قبلها خلال فترة 2019-2022 حوالي 300 مليون درهم. وهي ازدواجية قد تتفاقم أمام عدم تنصيص ميثاق الاستثمار على أية آلية لإدماج الجهات في أنظمة الدعم، وعلى أي مقتضيات لتدقيق المعايير المعتمدة في تشجيع النسيج المقاولاتي الجهوي[47]. كما برزت عدة تجارب لمأسسة هذا الدور كإحداث مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة لصندوق الشمال للاستثمار والتنمية من أجل دعم المقاولات وجذب الاستثمار والإدماج في سوق الشغل (Nordev)، الذي تمنح عبره الجهة منحة إضافية يمكن أن تصل إلى 30 في المائة من مبلغ الاستثمار[48]. صحيح أن مثل هذه المبادرات تندرج من الزاوية القانونية ضمن صميم عمل الجهات التي تتمتع بموجب القانون التنظيمي رقم 113.14 باختصاصات ذاتية في مجال جذب الاستثمار وتحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الاقتصادية[49]. لكن من الناحية العملية يؤشر الأمر على تكريس حالة من الازدواجية الوظيفية أو حتى من التنافس السلبي بين طرفين من المفروض أن تربط بينهما علاقة تناسق وتشارك طالما أن الغاية المشتركة هي توفير البيئة الترابية الحاضنة للاستثمارات.

في ضوء ذلك، يتعين توحيد حزمة الحوافز الموجَّهة لحاملي المشاريع على نحو يكفل الملاءمة بين الامتيازات الواردة في كل من القانون 47.18 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية وبين النظام الأساسي للدعم، مع توجيهها لخدمة الرهانات المنتظرة من الاستثمار الجهوي وخاصة فيما يتعلق بتعظيم الآثار الاقتصادية والاجتماعية[50]. مع تمتيع المراكز الجهوية بموقع الصدارة في قيادة الجهود الترابية لتشجيع الاستثمارات تماشيا مع استحقاقات تنزيل ميثاق الاستثمار وخاصة في الشق المتعلق بالمنح الترابية للتشجيع على توطين الاستثمارات في المناطق الضعيفة تبعا لحجم الخصاص الذي تعرفه هذه الأخيرة[51]. وهو ما يفرض المرور نحو سرعة جديدة في إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، من حيث منهجية التحفيز الترابي وآليات التدخل، بما يعزز تموقعها في المنظومة الجديدة لحكامة الاستثمار[52]، وبما يجعلها منخرطة في تحقيق رهان الاستراتيجية الوطنية للاستثمار بالانتقال بنسبة الاستثمار الخاص إلى 50في المائة من مجموع الاستثمارات بغلاف مالي يتوقع أن يبلغ 550 مليار درهم وبعدد مناصب شغل تقدر بنصف مليون في أفق 2026.[53]

 

خاتمة

        أسهم القانون رقم 47.18 في بث نفس جديد في ديناميات الاستثمار الجهوي بفضل الارتقاء بالنموذج المؤسساتي للتدبير اللامتمركز للاستثمار، وتقوية صلاحيات وأدوات تدخل المراكز الجهوية واللجان الجهوية الموحدة للاستثمار. لكن في المقابل، تفاقمت الأعطاب التي تحد من الأثر الاقتصادي والاجتماعي للتدبير اللامتمركز للاستثمار في ظل ضعف التنسيق بين المتدخلين في الإشراف على الاستثمار الجهوي، ومحدودية التدابير الرامية إلى تعزيز فعالية واستدامة المشاريع الاستثمارية وانضباطها لاستحقاقات التنمية المستدامة والعدالة المجالية، وغيرها من الإشكالات التي تستوجب الانتقال إلى “الجيل الثالث” للتدبير اللامتمركز للاستثمار، بما سيجعل المراكز الجهوية للاستثمار قادرة على التدخل بالسرعة والكفاءة اللازمتين للاستجابة لحاجيات المستثمرين. في هذا السياق نوصي بما يلي:

  • تعزيز مساهمة المراكز الجهوية للاستثمار في بلورة وتنزيل الاستراتيجيات الوطنية لإنعاش الاستثمارات بغية ربح الرهانات المرجوة، وفي مقدمتها استحقاقات تفعيل الميثاق الجديد للاستثمار.
  • تسريع أجندة تفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري وخاصة فيما يتعلق بنقل وتفويض الصلاحيات المتعلقة بتدبير الاستثمار، مع مراجعة تركيبة المجالس الإدارية للمراكز واللجان الموحدة لتجسير العلاقة بين مختلف المتدخلين في الاستثمار الجهوي.
  • بلورة آليات دائمة للتحفيز الترابي بشراكة بين المراكز الجهوية للاستثمار والمجالس الجهوية المنتخبة، كوضع مراصد متخصصة وإرساء أبناك مشاريع وقواعد معطيات متقاسمة لإبراز المؤهلات التنموية للجهات وتثمين فرص الاستثمار بها.
  • معالجة الأعطاب البيروقراطية التي تحُول دون التجسيد الفعلي للشباك الجهوي الموحد للاستثمار، بإعفاء حاملي المشاريع من الأعباء المسطرية وتسريع آجال معالجة الطلبات وتسوية النزاعات، مع مأسسة المهام المتعلقة بمصاحبة المقاولات.

 

 

الهوامش

[1]التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015: تقييم تجربة المراكز الجهوية للاستثمار، المجلس الأعلى للحسابات، الرباط، 2017 ص 72.

[2]التوزيع المجالي للاستثمار العمومي في أفق الجهوية المتقدمة، رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إحالة رقم 2015/17.

[3]Évaluation de l’expérience des Centres régionaux d’investissement, cour des comptes, Rabat, 2017, p.12-13.

[4]المادة 41 من القانون 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.18 بتاريخ 13 فبراير 2019، الجريدة الرسمية عدد 6754-15 (21 فبراير 2019).

[5] قانون رقم 22.24 بتغيير وتتميم القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، صادق عليه مجلس النواب في 25 يوليوز 2024، غير أنه لم يصدر بعد بالجريدة الرسمية.

[6]Jawad Ben Said Amrani, Impact du foncier immatriculé et le rôle du CRI pour accompagner les investisseurs à s’installer dans la Région Tanger-Tétouan-Al-Hoceima, Revue Française d’Économie et de Gestion, Volume 2 : Numéro 2, 2021, p.79.

[7]المادة 29 من القانون رقم 47.18.

[8] المادة 31 و37 من مرسوم رقم 2.17.618 صادر في 18 ربيع الآخر 1440 (26 ديسمبر 2018) بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري، جريدة رسمية عدد 6738 – 19 ربيع الآخر 1440 (27 ديسمبر 2018)، ص 9787.

[9]المادة الأولى من قرار الداخلية رقم 474.21 الصادر في 14 يونيو 2021 بتحديد مؤشرات تقييم أداء المراكز الجهوية للاستثمار، الجريدة الرسمية عدد 7027 – 26 صفر 1443 (4 أكتوبر 2021)، ص 7406.

[10]المادتين 4 و19 من القانون 47.18.

[11]توفيق اليعلاوي، المصادقة على مشاريع استثمارية بقيمة مالية تتجاوز 40 مليار درهم بجهة الشمال، إيكوبريس، 2 غشت، 2024. شوهد في 22/08/2024، في:https://bit.ly/4dEfbsr

[12]Khadija taouil. Le Centre régional d’investissement de Tanger-Tétouan-Al Hoceima célèbre les réalisations de 2023,Atalayar, 13/02/24, https://bit.ly/3YUxjtw

[13]Zaina Jnina, Investissement: Les chiffres clés des performances des CRI,  Hespress, 21 janvier 2024,consulté le 28/08/2024. URL: https://urlc.net/wQIw

[14]Abdellah Benahmed, Tanger-Tétouan-Al Hoceima : voici les secteurs créateurs d’entreprises ! LesEco.ma, 27/02/2024. consulté le 11/08/2024. URL: https://cuts.top/BsXN

[15]Khadija taouil. Le Maroc compte sur ses citoyens résidant à l’étranger pour attirer les investissements créatifs, Atalayar, 08/11/2023 consulté le 13/08/2024. URL: https://urlc.net/vxSJ

[16]Tanger-Tétouan-Al Hoceïma : 709 projets d’investissement en 2023 pour plus de 73 milliards de DH, Le Matin, 12 Février 2024. consulté le 22/08/2024. URL: https://bit.ly/4dE1lGw

[17]Lancement d’une banque de projets de nouvelle génération au niveau de la Région de Laâyoune- Sakia El Hamra, Laayouneinvest.Ma, Mars 2023. consulté le 19/06/2024. URLhttps://cuts.top/BlFv

[18]Bulletin de la propriété́ industrielle et commerciale au Maroc, office marocain de la propriété́ industrielle et commerciale, Décembre 2023, p.3.

[19]Une nouvelle page s’écrit, Chambre Française de Commerce et d’Industrie du Maroc, 20 fév. 2020. consulté le 10/05/2024. URL: https://cuts.top/BiPV

[20]Zaina Jnina, Investissement: Les chiffres clés des performances des CRI,  op.cit.

[21]Chaima Aberni, Fès-Meknès : bilan positif pour le CRI lors de son 12ème Conseil d’administration, lebrief.ma. 05/06/2024. consulté le 16/06/2024. URL :https://bit.ly/4dDFRcy

[22]Tanger-Tétouan-Al Hoceima : les investissements en hausse de 41% par rapport à 2022, LesEco.ma, 02/05/2024. consulté le 29/05/2024. URL :https://bit.ly/3XkuYa0

[23]Relance de l’investissement dans la région Fès-Meknès : le CRI dévoile son plan stratégique 2024-2026, LesEco.ma, 05/12/2023. consulté le 30/05/2024. URLhttps://cuts.top/Bl9p

[24]إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار: التنزيل وحصيلة السنة الأولى، رئاسة الحكومة، يوليوز 2021، ص 43.

[25]Yassine Saber, Agadir Souss-Massa : le CRI lance son nouveau portail, LesEco.ma,12/03/2024. consulté le 14/06/2024. URL :https://cuts.top/Blit

[26]Plateforme numérique des CRI : le délai de traitement des dossiers est passé de 130 jours à 20 jours, Ecoactu.ma, 21 janvier 2021. consulté le 17/07/2024. URL :https://cuts.top/DaWK

[27]يوسف يعقوبي، لفائدة المستثمرين، الشركات والإدارات.. المركز الجهوي للاستثمار لبني ملال يُطلق خدمات رقمية، مجلة صناعة المغرب، 26 أكتوبر 2021، شوهد في 29/08/2024، في: https://bit.ly/3AEIVXB

[28]المركز الجهوي للاستثمار للشرق يعقد مجلسه الإداري التاسع، أورو مغرب، 12 أبريل 2023، شوهد في 09/06/2024، في:https://cuts.top/BiNG

[29] نور الدين فخاري، لقاء تواصلي لعرض استراتيجية التسويق الرقمي لجهة درعة تافيلالت، المغربية المستقلة، 12 مارس 2023. شوهد في 27/08/2024، في:https://almostakilla.ma/68031.html

[30]المجلس الأعلى للحسابات، تفعيل الجهوية المتقدمة: الإطار القانوني والمؤسساتي، الآليات والموارد، والاختصاصات، أكتوبر 2023، ص 60.

[31] المادة الأولى من المرسوم رقم 2.23.414 الصادر في 15 ماي 2023 بتفويض ممارسة وصاية الدولة على المراكز الجهوية للاستثمار. الجريدة الرسمية عدد 7196 بتاريخ 18 ماي 2023، ص 4820.

[32]المادة الأولى من المرسوم رقم 2.23.310 الصادر في 12 ماي 2023 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.19.67 المتعلق بتطبيق القانون رقم 47.18. الجريدة الرسمية عدد 7196 بتاريخ 18 ماي 2023، ص 4820.

[33]العالم الفيلالي، منظومة الاستثمار بالمغرب بين سؤال التحديث وأجرأة التنزيل: قراءة في مستجدات القانون الإطار 03.22، مجلة قانونك، العدد 16، يونيو 2023، ص 379.

[34]إسماعيل الإدريسي، الحكومة تقلص نسبة الوثائق المطلوبة للمستثمرين بـ %45، العمق المغربي، 25 فبراير 2023، شوهد في 15/06/2024، في: https://al3omk.com/821844.html

[35] جواب رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش على أسئلة السيدات والسادة المستشارين المتعلقة بالسؤال المحوري: “ميثاق اللاتمركز الإداري ورهان العدالة المجالية والاجتماعية بالجلسة العامة لمجلس النواب المنعقدة بتاريخ 20 يونيو 2023، موقع رئاسة الحكومة، شوهد في 2024/10/15، في:  https://www.cg.gov.ma/ar/node/11300

[36] المادة الأولى من ظهير شريف رقم 1.22.76 صادر في 14 من جمادى الأولى 1444 (9 دجنبر 2022) بتنفيذ القانون – الإطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار. جريدة رسمية عدد 7151 بتاريخ 12 دجنبر 2022، ص 7905.

[37]مرسوم رقم 2.23.1 صادر في 25 من رجب 1444 (16 فبراير 2023) يتعلق بتفعيل نظام الدعم الأساسي للاستثمار ونظام الدعم الخاص المطبق على مشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي.

[38] التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2022-2023، المجلس الأعلى للحسابات، الرباط، 2023، ص 131

[39] تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب حول مشروع قانون رقم 22.24 بتغيير وتتميم القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، ص 146-147. شوهد في 2024/10/12، في: https://bit.ly/3U5ZHFG

[40] L’investissement public au Maroc : Un levier stratégique pour le développement durable du pays, OCDE, Paris, 2024, p.14.

[41]من أجل تنمية متجانسة ودامجة للمجالات الترابية: مداخل التغيير الأساسية، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إحالة ذاتية رقم 2023/69، ص 13.

[42]Ilham Lamrani Amine, PLF 2024 : L’Exécutif face au défi d’une répartition spatiale plus équilibrée des investissements, Lematin.Ma, 23 Octobre 2023. consulté le 10/07/2024. URL :https://cuts.top/BnxZ

[43]Dynamique entrepreneuriale régional, Le magazine du centre régional d’investissement Fès-Meknès, n°21, 2023, p.38.

[44]Zair, Tarik. La gestion décentralisée du développement économique au Maroc. Paris, L’Harmattan, série histoire et perspectives méditerranéennes, 2007, p.307.

[45]Ismail Saraoui, Dynamique d’investissement : le nouveau plan des CRI, challenge.ma, 14 Février 2024. consulté le 14/07/2024. URL :https://cuts.top/Bl4v

[46]من أجل تنمية متجانسة ودامجة للمجالات الترابية، مرجع سابق، ص 20.

[47]تفعيل الجهوية المتقدمة، مرجع سابق، ص 59-60.

[48]Younes Saoury, Ce qu’il faut savoir sur NorDev, le nouveau fonds d’investissement de la TTA, Le Desk, 2023/10/02. consulté le 25/08/2024. URLhttps://cuts.top/BnDw

[49]المادتين 80 و82 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83 الصادر في 7 يوليو 2015، الجريدة الرسمية عدد 6380 الصادرة بتاريخ 23 يوليو 2015.

[50]Boussedra Faouzi et Moufid Fahd, le positionnement du cadre fiscal incitatif à l’investissement dans la nouvelle configuration du nouveau modèle de développement et sa riposte aux chocs exogènes de l’économie marocaine, revue du contrôle, de la comptabilité et de l’audit, volume 6 : numéro 4, 2022, p.212-213.

[51]قرار رئيس الحكومة رقم 3.14.23 في 8 شعبان 1444 (فاتح مارس 2023) بتحديد قائمة الأقاليم أو العمالات المندرجة ضمن الفئتين (أ) و (ب) التي يمكن أن تستفيد مشاريع الاستثمار المنجزة داخل نفوذها الترابي من منحة ترابية.

[52]Hassan Manyani, Charte de l’investissement : El Adaoui identifie des failles dans la réforme, Challenge.Ma, 5 Février 2024. consulté le 27/08/2024. URL :https://cuts.top/Bl6Q

[53]Manal Ben El Hantati, Investissement : zoom sur l’alignement stratégique des CRI, Lebrief.Ma, 09/10/2023. consulté le 26/08/2024. URL :https://cuts.top/Bl7m

عبد الرفيع زعنون

عبد الرفيع زعنون

باحث في القانون العام والعلوم السياسية، له مشاركات في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية وفي عدة مجلات محكمة وكتب جماعية، صدر له كتاب "تدبير التنمية الترابية بالمغرب: دراسة مقارنة"، كما ساهم في تأطير تكوينات متخصصة لفائدة الطلبة الباحثين والفاعلين المدنيين ومنتخبي وموظفي الجماعات الترابية.