الأبحاثالاصلاحات المؤسساتيةالحركات الاجتماعيةحركة السلاليات المغربية: قصة إقصاء وتمكين

يمكن استخدام نموذج تمكين النساء المعوزات في المغرب لتمكين النساء الأكثر ضعفا اقتصاديا واجتماعيا في المجتمع للمطالبة بالمساواة في الإرث والوصول إلى الأراضي الخاصة في المجالات التشريعية الأخرى التي تتسم بالتمييز المباشر والواضح ضد المرأة
ربيعة الناصري ربيعة الناصري14/09/202417223 دقيقة

[vc_row][vc_column][vc_column_text]

يمكن استخدام نموذج تمكين النساء المعوزات في المغرب لتمكين النساء الأكثر ضعفا اقتصاديا واجتماعيا في المجتمع للمطالبة بالمساواة في الإرث والوصول إلى الأراضي الخاصة في المجالات التشريعية الأخرى التي تتسم بالتمييز المباشر والواضح ضد المرأة

 

نشرت هذه الورقة ضمن تقرير صدر بشراكة بين المعهد المغربي لتحليل السياسات ومعهد بايكر للسياسات العامة

 

بدأت النساء المغربيات بالتعبئة من أجل حقوقهن قبل استقلال البلاد في عام 1956 بفترة طويلة، ولكن بين عامي 1998 و 2003 ظهرت مواجهة بين حركة مؤيدة للمساواة بين الجنسين وأخرى محافظة، مما أدى إلى إصلاح قانون الأحوال الشخصية (المدونة) في 2004. تضمن هذا الإصلاح التاريخي العديد من التغييرات بما في ذلك ضرورة مشاركة الأزواج في المسؤوليات بدلا من إلزام الزوجة بالطاعة، وإلغاء الوصاية الزوجية على النساء الراشدات، وتحديد سن الثامنة عشر كحد أدنى للزواج بالنسبة لكلا الجنسين، وإنفاذ إجراءات جديدة لتسهيل حق المرأة في الطلاق.

ونتيجة لضغط الحركة النسوية، أدت الإصلاحات الجديدة إلى الاعتراف بحق المرأة في نقل جنسيتها إلى أطفالها (2007)، وإنشاء آليات التمييز الإيجابي في الولايات الوطنية والمحلية الانتخابية، ومراجعة بعض أحكام القانون الجنائي، وأخيرا اعتماد قانون مناهضة العنف ضد المرأة في عام 2018. كما كرس الإصلاح الدستوري لعام 2011 المساواة والتكافؤ بين الرجل والمرأة في جميع المجالات.

ومع ذلك فإن هذه الإصلاحات، وهي من بين أكثر الإصلاحات تقدما في المنطقة العربية، لم تسهم في الحد من التفاوتات الكبيرة بين الجنسين في العديد من المجالات. ومن خلال الإبقاء على التزام الزوج بتلبية احتياجات الزوجة، وعدم الاعتراف بالأعمال المنزلية والرعاية التي تقوم بها المرأة وكذلك عدم المساواة في الإرث، فقد أبقى قانون الأسرة على الأسس الاقتصادية و الرمزية للنظام الأبوي الذي يتجلى في القوامة.

القوامة هي نظام تم تقديمه على أنه نظام طبيعي ومنظم إلهي يشير إلى توزيع هرمي متشدد للمهام التي يقوم بها الرجال والنساء، ويتمتع بقوة رمزية وثقافية بحيث يتجاوز إطار العلاقات الأسرية إلى تخلل النظام القانوني بأكمله وجميع السياسات العامة. وبموجب هذا النظام، تعطى الأولوية للذكور لأنهم سيتولون مسؤولية قريباتهم من الإناث.

ومع هذا فإن النظام الأسري والقبلي القديم الذي كان يضمن للمرأة بعض الأمن هو الآن آخذ في الزوال؛

فقد أعادت عوامل مختلفة تشكيل نموذج الأسرة الأبوية التقليدية، بما في ذلك الانخفاض الحاد في زواج الأقارب ومعدلات الخصوبة، فضلاً عن زيادة التحضر والزواج في سن صغيرة. وقد أثرت هذه التغييرات على العادات التي تحكم إدارة الأراضي الجماعية، ولا سيما على النساء اللائي حُرمن بالدرجة الأولى من مواردهن الخاصة وأصبحن مستبعدات ومحرومات من حق ملكية الأرض.

 

مسألة وراثة الأرض

لدى المغرب ما يقرب من 12 مليون هكتار من الأراضي التابعة لـ 4631 جماعة عرقية (السلالة)، تتألف من 2.5 مليون من ذوي الحقوق. هذه الأراضي الجماعية غير مقسمة وغير قابلة للتصرف[1]، ويمكن أن تقسم بين ذوي الحقوق أو لا تقسم ويتم واستغلالها نيابة عن الجماعة[2]. تمثل هذه الأراضي أعلى تركيز للأراضي في المغرب وتطرح قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية حرجة.

لم يقطع المغرب بعد الاستقلال مع الممارسات العرفية لعهد الحماية الفرنسية والتي، في معظم الحالات، لم تعترف بالنساء كمستحقات وأقصتهن من التعويض بعد التنازل عن ملكية الأرض. كما أوضحت ذلك إحدى النساء السلاليات اللواتي تمت مقابلتهن:

“أنا أرملة ولدي أسرة مكونة من ستة أطفال ولا أملك موارد مالية، كنت مقتنعة أن الله أراد للأمور أن تسير بهذه الطريقة. زاد شعوري بالظلم عشية عيد الأضحى عام 2007 حين حصل أخي على 270 ألف درهم كتعويض عن التنازل عن الأرض واشترى أغلى شاة دون الالتفات إلى احتياجات عائلتي. ومنذ ذلك الحين، أقسمت على استعادة حقوقي وحقوق أخواتي، وكانت تلك هي البداية “.

منانة، المهدية-الغرب[3]

كما يوضح هذا المقتطف، لم يعد وضع السلاليات محكوما بالعادات أو معتمدا على حسن نية ممثلي هذه الجماعات العرقية – الذين كانوا رجالا فقط.

 

حركة السلاليات غير المسبوقة             

ساهم زخم الإصلاحات المتعلقة بحقوق المرأة في المغرب في ظهور حركة السلاليات بداية من عام 2007. وبدعم من الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب (المعروفة بالاختصار الفرنسي ADFM)، شكلت السلاليات مجموعات في عدة مناطق لوضع حد للحكرة – مشاعر الظلم والإذلال – وبدأن في مواجهة عائلاتهن و ممثلي القبيلة وحتى السلطات المحلية للمطالبة بالمساواة في ملكية الأرض والإرث.

وغالبا ما كانت المعارضات الأشد تصدر من أفراد الأسرة، حيث وجدت العديد من النساء أن أشقائهن من الذكور يعارضون بشدة منحهن حقوقهن في الإرث.

“لقد ساعدت أخي ماديا في دراسته ولكن بعدها عارض بشدة حقي في الانتفاع بالأرض”.

رقية، حادة-الغرب

“بعد وفاة والدي مباشرة، طلب مني إخوتي التنازل عن حقوقي أسوة بنساء القبيلة، وعندما تجرأت على سؤالهم عن السبب، كانت الإجابة: “هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في القبيلة. لا يحق للمرأة حتى الحصول على ملك خاص، والآن أصبحت تطرح السؤال حول حقها في الأراضي الجماعية.” وللمطالبة بحقي، أمضيت سنتين أقضي طول اليوم خارج بابالقايد[4] دون أن أجرؤ على الدخول لأنني كنت خائفة من أن عائلتي، بعد أن تعلم بمحاولتي هذه، ستتهمني بإلحاق العار بهم “.

فاطمة-جهة مكناس

حركة السلاليات هي حركة غير مسبوقة في المغرب. تاريخيا، لم يكن للمرأة الحق في الحصول على الأرض، سواء كانت ملكية جماعية أو خاصة (ملك)[5]؛ فقد اعتادت النساء أن تتنازل عن حصتهن لأقاربهن الذكور حتى لا يتم استبعادهن ونبذهن من الأسرة والقبيلة، لهذا شعر أفراد الأسرة الذكور وزعماء القبائل بالتهديد من المطالب الجديدة للمرأة.

“قال لي ممثلو الجماعة: إذا نجحت في الحصول على حقوقك، فيمكنك ارتداء الجلابة [الزي التقليدي للذكور] واللحية ونحن الرجال سنرتدي القفطان [الزي النسائي التقليدي]، في سننا هذا، لن نمنح حقوقا للكلاب “.

زهرة، آيت واحي-الأطلس المتوسط

كان التغلب على هذا التحيز والتمييز معتمدا على بدء عملية متعددة المراحل، أولها عرض القضية على الرأي العام، وشمل ذلك حملة لتنبيه عامة الناس إلى القضايا التي تواجهها النساء اللائي يعشن في الأراضي الجماعية، وثانيا، ساهمت الحركة في تشكيل الرأي العام بشكل إيجابي من خلال تنظيم المؤتمرات ودعوة وسائل الإعلام الوطنية والدولية لتقديم تقارير عن تجارب هؤلاء النساء، وتنظيم زيارات ميدانية للصحفيين. ثالثا، كان من الضروري للحركة أن تتناول الموضوع مع القادة وصانعي القرار، وقد قامت بذلك من خلال تقديم شكاوى إلى المحاكم الإدارية للمطالبة بتعويض النساء، والدعوة إلى الاحتجاجات في العاصمة الرباط ومناطق أخرى، ومواصلة الحوار المستمر مع السلطات المختصة على المستويين المركزي والمحلي.

 

النهوج المتبعة: التعلم والتضامن

استجابة لطلب النساء اللواتي كان معظمهن من الأميات والفقيرات، كان التحدي الذي واجهته الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب هو مساعدة النساء السلاليات في صياغة طلباتهن بشكل واضح وبناء حركة موحدة. استخدمت الجمعية خبراتها في مجال الدعوة ومعرفتها بالمؤسسات المغربية لدعم السلاليات حتى يتمكن بأنفسهن من تحقيق أهدافهن. ونجاح هذه الطريقة واضح في الشهادات التالية:

“لقد جعلتنا هذه القدرات المكتسبة ذوات مصداقية؛ فرجال القبيلة والسلطات المحلية الذين سخروا من مطالبنا، صاروا الآن يأخذوننا على محمل الجد وباتوا يعرفون أنه يمكننا كسب القضية، لقد أصبحوا يشاهدوننا على شاشات التلفزيون وفي الصحف، وهذا شيء مهم “.

منانة، جهة القنيطرة

“بدون العمل الجماعي والمعرفة التي اكتسبناها بفضل الجمعية، لم يكن بإمكان أي منا الحصول على حقوقنا، وعندما كنا نقابل السلطات المحلية، كنا على أتم الاستعداد: ما الذي يجب أن نقول والأسئلة التي يجب طرحها، لقد كانت الطريقة الوحيدة للاستماع إلينا واحترامنا “.

حجيبة، جهة القنيطرة

وربما تعزى الإنجازات المادية وغير المادية لهذه الحملة – الجارية منذ عام 2007 – إلى مثابرة وتضامن السلاليات بالإضافة إلى الدعم السياسي والإشراف الدقيق للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب.

أما من حيث الإنجازات المادية، أصدرت وزارة الداخلية المغربية منشورين في عام 2009 – الأول خاص بجهة الغرب والثاني بالبلاد ككل – كرسا حق السلاليات في الاستفادة من الدخل الناتج عن نقل الأرض. وبعد اعتماد دستور 2011، صدر منشور ثالث في عام 2012 تضمن حقهن في ملكية الأرض، بما في ذلك الأراضي التي لم يتم نقلها.

وعلى الرغم من افتقارها إلى قوة القانون، إلا أن هذه المنشورات لا تزال تتيح للعديد من النساء الحصول على حقوقهن، مما يساعد على تعبئة مجموعات جديدة من النساء. إلا أنه نظرا للطبيعة الإدارية للمنشورات و مدى معارضة الرجال وزعماء القبائل، لم يكن تنفيذها الفعال مضمونا دائما.

بعد سنوات من النضال، أُقر القانون 17-62 في غشت 2019 المتعلق بالجماعات السلالية وإدارة ممتلكاتهم، ونص على أنه يمكن لأفراد هذه الجماعات، رجالا ونساءً، الحصول على حق الانتفاع بجميع ممتلكات الجماعة التي ينتمون إليها (المادة 6) وأن لكلا الجنسين حق الوصول إلى الهيئات التمثيلية لجماعتهما (المادة 9).

وإضافة إلى أن معاناة السلاليات هي اقتصادية في المقام الأول، فهي أيضا قصة تمكين جماعي عزز نشوء وعي نسوي وولد مشاعر الثقة والفخر؛ كما أوضحت ذلك امرأتان:

“عندما تم الاعتراف بحقي في الأرض، بدأت أعامل باحترام من قبل مجتمعي وشجع ذلك النساء الأخريات على المطالبة بحقوقهن. في الواقع، أدركت أن مشكلتي هي مجرد جزء صغير من مشكلة أكبر “.

العزيزة، عين الشقاق- الأطلس المتوسط

“عندما أصدرت وزارة الداخلية المنشور الأول، لم أكن في ذلك الوقت قد أخذت حقوقي بعد، لكن سعادتي واعتزازي كانا بلا حدود لأنني كنت أعرف أنني ساهمت بطريقة أو بأخرى. كان اللجوء إلى الجمعية أهم خطوة، فقد جعلني ذلك أفهم جذور وأساس مشكلتي.”

منانة، جهة القنيطرة

وفي المقابل، ولدت هذه الثقة الجديدة عزما كبيرا، ولعل أهم مكسب هو القدرة على التغلب على الخوف وإدراك أهمية التضامن بين صفوف النساء.

“هذه الأرض التي حرثتها أعطتني قيمة لا تقدر بثمن أمام عائلتي والقبيلة والسلطات المحلية وأعطت الشجاعة لنساء القبيلة الأخريات لمواجهة السلطات بلا خوف. لقد حققت الكثير بفضل حركتنا وساعدت في الحد من سلطة ممثلي القبائل ولم يعد بإمكانهم التوقيع أو التحدث نيابة عن النساء. أخيرا علمت السلطة المحلية احترام المرأة “.

فاطمة، جهة مكناس

ولدت هذه الحركة أيضا قيادة نسائية جديدة، حيث يوجد حاليا ما يقرب من 30 امرأة في الهيئات التمثيلية لجماعاتهن المحلية (النائبات)، وهو ما كان في السابق حكرا على الرجال. وستزداد أعدادهن تماشيا مع إصدار القانون الجديد لإدارة الأراضي الجماعية.

“بصفتي أول سلالية تترشح لمنصب نائب، واجهت صعوبات هائلة، لكن الجزء الأصعب كان تقديم اثني عشر شاهدا ذكرا من القبيلة من أجل دعم ترشيحي. مرة أخرى، كان علي أن أناضل في سبيل المساواة بين الجنسين في مجموعة الشهود هذه وقد فزت في المعركة. لقد كانت مسألة مبدأ لأنني لم أستطع قبول هذا الرفض الممنهج ضد المرأة “.

رقية، حادة- الغرب

 

في الختام

أدى تمكين النساء المعوزات، بالدرجة الأولى، وقدراتهن المثبتة على المقاومة والصمود والتعبئة والتنظيم إلى تحدي علاقات القوة القائمة داخل الأسرة والمجتمع والنظام الأبوي المتجلي في القوامة. يمكن استخدام هذا النموذج لتمكين النساء الأكثر ضعفا اقتصاديا واجتماعيا في المجتمع للمطالبة بالمساواة في الإرث والوصول إلى الأراضي الخاصة في المجالات التشريعية الأخرى التي تتسم بالتمييز المباشر والواضح ضد المرأة وحيث تكون المقاومة مطلوبة على المستويين السياسي والاجتماعي.

 

الهوامش

[1] في عام 1951، أجاز القانون نقل ملكية الأراضي الجماعية الواقعة بالقرب من المدن إلى الدولة والمؤسسات العامة والجماعات المحلية. وبين عامي 1970 و 1980، تم نقل هذه الأراضي من أجل تنفيذ مشاريع اقتصادية واجتماعية وحصول المستحقين على التعويض. وفي عام 1969، حول قانون الاستثمار الفلاحي الأراضي الجماعية من محيطات مروية إلى أراضٍ غير مقسمة مملوكة ملكية خاصة (ملك).

[2] تخضع ملكية الأراضي في المغرب للعادات والتقاليد، بما في ذلك الشريعة والفقه الإسلامي والأنظمة القانونية الحديثة.

[3] هذه الشهادة والشهادات التي تليها مأخوذة من سلسلة من المقابلات التي أجرتها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب مع عشر نساء سلاليات في عام 2018.

[4] القايد هو ممثل وزارة الداخلية على المستوى المحلي.

[5]  وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، للمرأة الحق في الإرث حتى لو، بنفس درجة القرابة بالنسبة للمتوفى، كان نصيبها أقل من نصيب الرجل.[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]

ربيعة الناصري

ربيعة الناصري

ربيعة الناصري هي عضوة مؤسسة في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM)، وهذه الأخيرة هي واحدة من أكبر المنظمات غير الحكومية المغربية التي تركز على حقوق المرأة ومقرها في الرباط، المغرب.