الأحزاب السياسيةالإسلام السياسيمدونة المعهدكيف سقط الحزب الإسلامي المغربي من السلطة

تجربة المغرب مع الإسلاميين تميزه عن دول الجوار (مصر وتونس). ففي الوقت التي لجأت هذه الدول إلى الوسائل العسكرية والدستورية لإزاحة الإسلاميين من السلطة، عمد المغرب إلى إزاحة حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل عبر صناديق الاقتراع، دون أي تدخل مباشر من الدولة. وتعتبر هذه هي المرة الأولى منذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011 التي يتم فيها الإطاحة بحزب إسلامي من السلطة من خلال العملية الانتخابية.
نشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية على موقع Chatham House 
لأول مرة منذ الربيع العربي، تمت الإطاحة بحزب إسلامي من السلطة من خلال العملية الانتخابية حيث عاقب الناخبون المغاربة حزب العدالة والتنمية الحاكم.

 

تجربة المغرب مع الإسلاميين تميزه عن دول الجوار (مصر وتونس). ففي الوقت التي لجأت هذه الدول إلى الوسائل العسكرية والدستورية لإزاحة الإسلاميين من السلطة، عمد المغرب إلى إزاحة حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل عبر صناديق الاقتراع، دون أي تدخل مباشر من الدولة. وتعتبر هذه هي المرة الأولى منذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011 التي يتم فيها الإطاحة بحزب إسلامي من السلطة من خلال العملية الانتخابية.

لقد كانت هزيمة حزب العدالة والتنمية متوقعة، إلا أن المراقبين الأكثر خبرة- وربما السلطات نفسها – لم يتوقعوا هذه الخسارة المدوية للحزب، فقد خسر هذا الأخير في انتخابات شتنبر الأخيرة 90 في المائة من مقاعده في البرلمان، وانتقل من 126 مقعدًا فاز بها في انتخابات 2016 إلى 13 مقعدًا فقط، وحتى رئيس الحكومة، السيد سعد الدين العثماني، وجميع وزرائه من الحزب فشلوا في الحصول على مقاعد برلمانية.

لقد كانت هزيمة حزب العدالة والتنمية متوقعة،

إلا أن المراقبين الأكثر خبرة- وربما السلطات نفسها – لم يتوقعوا هذه الخسارة المدوية للحزب

الفائز الوحيد في هذه الانتخابات هو القصر، الذي لم يضرب عصفورين بل ثلاثة عصافير بحجر واحد عندما تم طرد حزب العدالة والتنمية دون اللجوء إلى تدخلات غير ديمقراطية كالانقلاب العسكري مثلا، وثانيا عندما فازت الأحزاب الموالية للقصر بأكبر عدد من المقاعد. والأهم من ذلك، شهدت الانتخابات إقبالا كبيرا للناخبين – 50 في المائة من الناخبين المسجلين مقارنة بـ 43 في المائة في عام 2016 – على الرغم من إجراء الانتخابات في ظروف صعبة بسبب جائحة كوفيد -19 وتأثيره على الاقتصاد.

من شأن هذه الانتخابات أن تعزز على المدى القصير استقرار النظام الملكي وصورته كأقوى -وأذكى – فاعل سياسي في البلاد، غير أنه على المدى المتوسط والطويل، ربما يكون القصر قد فقد عنصرًا حيويا في الاستقرار السياسي لأنه غالبًا ما كان يلجأ لحزب العدالة والتنمية لامتصاص غضب المواطنين، والآن مع إخراج العدالة والتنمية من الساحة، فإنه لم يعد للقصر كبش فداء إذا ساءت الأمور.

ما الذي يفسر هزيمة العدالة والتنمية؟

تلقي قيادة العدالة والتنمية باللوم على التلاعب بقواعد العملية الانتخابية واستخدام “الأموال القذرة” في الانتخابات وتدخل السلطات، لكن هل هذه أعذار مقنعة؟ أولا، تتولى وزارة الداخلية إدارة الانتخابات في المغرب، وقد لا يخفى ماضيها السيئ في التلاعب بالانتخابات؛ ففي العام الماضي تم تعديل قانون الانتخابات بهدف السماح بتمثيل الأحزاب الصغيرة في البرلمان، وبالرغم من أن هذا التعديل كان يهدف إلى تقييد حزب العدالة والتنمية، إلا أنه منع هذا الأخير من إحراز نتائج أسوأ في هذه الانتخابات. وثانيا، يعد شراء الأصوات أمرا روتينيا إلى حد ما في الانتخابات بالمغرب وهو أمر تشكو منه معظم الأحزاب، وإضافة لكل ذلك فقد أبقى القصر على مسافة من العملية الانتخابية ولم يساند أي حزب معين خلال هذه الانتخابات كما فعل سابقا في عام 2016 عندما كان حزب الأصالة والمعاصرة هو الحزب المفضل للسلطة.

الفائز الوحيد في هذه الانتخابات هو القصر،

الذي لم يضرب عصفورين بل ثلاثة عصافير بحجر واحد عندما تم طرد حزب العدالة والتنمية دون اللجوء إلى تدخلات غير ديمقراطية كالانقلاب العسكري

وعليه فإن التفسيرات التي قدمتها قيادة العدالة والتنمية غير مقنعة، لأن كل هذه العوامل كانت جزءًا من البيئة الانتخابية المغربية منذ عقود. والأكثر من ذلك أن أداء حزب العدالة والتنمية قد كان في الواقع أفضل خلال الفترات التي كانت تحدث فيها هذه الممارسات اللاأخلاقية المزعومة. وبالمقابل، تعزى نتائج حزب العدالة والتنمية في الانتخابات أساسًا إلى فقدان ثقة شرائح كبيرة من المواطنين الذين يلومون الحزب على مشاكل البلاد. إن تغير مزاج قواعد حزب العدالة والتنمية خلال السنوات القليلة الماضية يرجع أساسا إلى سوء إدارة القيادة والصراع داخل الحزب.

إن تغير أحوال الحزب بدأ بعد “البلوكاج” الحكومي في 2016-2017 مباشرة عندما استبدل الملك محمد السادس رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران بسعد الدين العثماني، وقد أثارت تنحية بنكيران صراعًا داخل الحزب تغاضت عنه القيادة الجديدة رغم تصاعد الخلافات مع مضي الوقت، وفي مناسبات عديدة كانت العدالة والتنمية على شفى حفرة من الانهيار الداخلي.

علاوة على ذلك، لم تتمكن القيادة الجديدة لحزب العدالة والتنمية من تحقيق التوازن بين الولاء للقصر وتدبير الائتلاف الحكومي من جهة وبين الحفاظ على ماكينة الحزب من جهة أخرى. فقد وصل ولاء العدالة والتنمية تجاه القصر لدرجة فقد فيها استقلاليته، وبالتالي عزل الحزب نفسه عن ناخبيه وقاعدته الشعبية. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتخذ حزب العدالة والتنمية، أثناء وجوده في السلطة، عدة قرارات أضرت بالقوة الشرائية للمواطن العادي؛ فعلى سبيل المثال، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، تم إدخال إصلاح جديد على نظام المعاشات التقاعدية أدى إلى زيادة سن التقاعد من 60 إلى 63 سنة، مما أثار سخط النقابات والموظفين.

إن تغير مزاج قواعد حزب العدالة والتنمية خلال السنوات القليلة الماضية يرجع أساسا إلى سوء إدارة القيادة والصراع داخل الحزب

زاد حزب العدالة والتنمية من تنفير ناخبيه بعد التوقيع على اتفاق أبراهام الذي نتج عنه تطبيع علاقات المغرب مع إسرائيل، علاوة على تقنين استخدام “القنب الهندي”، الذي يراه أعضاء الحزب المحافظون خيانة للمواقف الأيديولوجية الأساسية للحزب، وبهذا أدت كل هذه العوامل إلى نفور كل من الشرائح المتدينة وغير المتدينة في المجتمع.

وفي الوقت الذي قدمت فيه الأمانة العامة للحزب – بما في ذلك العثماني نفسه – استقالة جماعية، جاءت هذه الخطوة متأخرة، أي بعد أن أطاح الناخبون بحزب العدالة والتنمية معتبرين بأنه مجرد حزب انتهازي آخر.

محمد مصباح

محمد مصباح

محمد مصباح هو مؤسس ورئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات (MIPA) وهو خبير في علم الاجتماع السياسي. تركز أعماله أساسا على السياسات العمومية والديمقراطية والإسلام السياسي، مع اهتمام خاص بشمال إفريقيا. الدكتور مصباح هو زميل مشارك في معهد تشاتام هاوس-لندن وأستاذ زائر في جامعة محمد الخامس، وكان في السابق باحثا غير مقيم في مؤسسة كارنيغي-الشرق الأوسط، وزميلا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (Stiftung Wissenschaft und Politik, SWP) في برلين. حصل الدكتور مصباح على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس بالرباط، و تناولت أطروحته التيارات السلفية بالمغاربة منذ تفجيرات الدار البيضاء عام 2003. تضم أحدث منشوراته: • •الجهاديون المغاربة: جدل المحلي والعالمي، مركز الجزيرة للدراسات، 2021. • مؤشر الثقة في المؤسسات 2020، المعهد المغربي لتحليل السياسات، 2020. • Rise and Endurance: Moderate Islamists and Electoral Politics in the Aftermath of the ‘Moroccan Spring’” in Islamists and the Politics of the Arab Uprisings: Governance, Pluralisation and Contention (Edinburgh University Press, 2018) للتواصل: m.masbah@mipa.institute

Related Posts