قد يكون النظام الضريبي المغربي الحالي فعالًا شريطة استهداف القطاعات أو الأشخاص المستفيدين وإجراء الدراسات اللازمة لتقييم الأثار قبل اتخاذ القرار.
موجز سياسات
حوار السياسات 2021/2022
المؤلفون: دة. هاجر الإدريسي؛ د. محمد مصباح
أهم التوصيات:
• تبسيط لغة المجال المالي الضريبي والقانوني لجعله سهل الفهم.
• إنشاء أنظمة للرصد والتقييم لتحسين الأداء الحكومي.
• تعزيز الحصول على المعلومات وتبادلها بشأن النظام والسياسات والخدمات الضريبية ورقمنة إدارة الضرائب.
• تدريب الموظفين والعاملين لا سيما الموظفين الجدد من أجل إدارة ضريبية فعالة.
• فرض ترشيد الخيارات المتعلقة بالميزانية لمعالجة الاختلالات الضريبية.
• الاستثمار في البحث العلمي لزيادة الوعي المالي.
تقديم
نفذ المغرب إجراءات إصلاحية للحد من الاختلالات وزيادة الأصول الضريبية واستعادة الاستدامة المالية للحكومة. في الآونة الأخيرة دخل مشروع قانون المالية لعام 2021 حيز التنفيذ في سياق دولي معين عرف أزمة صحية غير مسبوقة نتجت عن جائحة كوفيد -19 التي أثرت على كل من البلدان المتقدمة والناشئة والنامية، مع ضغط شديد على الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من 2020.
وفي إطار الإصلاحات الضريبية ترأس الملك محمد السادس مجلسا وزاريا تمت فيه الموافقة على النص التأسيسي المتعلق بالإصلاح الضريبي في صيغة مشروع قانون إطار، وهو مشروع أعد تطبيقا للتوجيهات الملكية السامية واستنادا إلى توصيات المناظرة الوطنية حول الضرائب التي عقدت في ماي 2019 .ويهدف المشروع إلى إنشاء نظام ضريبي فعال ومنصف ومتوازن يرسخ المبادئ الدستورية للعدالة الضريبية والمبادئ العالمية للحكامة الضريبية الجيدة ويمكن من تعبئة الإمكانات الضريبية لتمويل السياسات العمومية وتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق الاندماج والتماسك الاجتماعيين.
بالإضافة إلى ذلك، يبرز النموذج التنموي الجديد أهمية جعل النظام الضريبي أكثر إنصافًا عبر توسيع الوعاء الضريبي بشكل كبير من خلال مكافحة التلاعب والتهرب الضريبي، وترشيد النفقات الضريبية وإدماج القطاع غير المهيكل. ويستند هذا النموذج إلى خمسة عوامل هيكلية، من بينها تطوير سياسة مالية و ضريبية أكثر فاعلية وقادرة على تعبئة موارد إضافية تقدر إمكاناتها بما يتراوح بين 2 و3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي .
يهدف هذا الموجز إلى تحديد مواطن القوة والضعف في مشروع قانون الإطار الجديد مع رسم طريقة للتعاون بين صناع السياسات ومسؤولي الضرائب في تحسين السياسات الضريبية التي تؤدي إلى زيادة العائدات والنزاهة الاجتماعية.
السياق
في سياق الأزمة العالمية لكوفيد-19 والجفاف و كذا الحرب الروسية على أوكرانيا أظهر المغرب استجابة ملحوظة على كل من المستوى الصحي والاقتصادي والمالي، حيث كان أول رد فعل للسلطات العمومية بعد اندلاع هذه الأزمة هو إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية (CVE) على مستوى وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة. وتتألف اللجنة من ممثلين عن الحكومة والمجتمع المدني والأبناك، وهي مسؤولة عن مناقشة واتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للوباء، حيث وضعت خطة عمل تشمل الإجراءات الضريبية التي يمكن تصنيفها كما يلي:
السماح للشركات التي يقل رقم معاملاتها عن 20 مليون درهم، الاستفادة من تأجيل الإقرارات الضريبية والمدفوعات، من 31 مارس حتى نهاية يونيو 2020 ؛ دعم المستخدمين من خلال تعليق سداد القروض وتخصيص مدفوعات شهرية قدرها 2000 درهم؛ تمديد آجال دفع إقرارات ضريبة الدخل والإعفاء من ضريبة الدخل على التعويضات الإضافية المدفوعة للمستخدمين المنخرطين في نظام الضمان الاجتماعي (CNSS) من قبل أرباب عملهم؛ تمويل الشركات التي تواجه صعوبات من خلال إنشاء آلية التمويل “ضمان أكسجين” وهو برنامج للضمان على مستوى صندوق الضمان المركزي (CCG) بهدف تغطية 95 في المائة من القروض الاستثنائية لدعم المقاولات والشركات الصغرى والمتوسطة التي يتراوح رقم معاملاتها بين 200 و 500 مليون درهم.
انعقدت المناظرة الوطنية الثالثة حول الضرائب في ماي 2019 ووضعت المبادئ التأسيسية لنظام ضريبي جديد منصف وعادل يتعين على المغرب تطبيقه على أرض الواقع من أجل ضمان مساهمة جميع المواطنين في النفقات العمومية وفقا لقدراتهم المالية، وعلى النحو المنصوص عليه في الفصل 39 من الدستور. وفي هذا الصدد اتفق المشاركون الذين يمثلون وزارة الاقتصاد والمالية والاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) والنقابات العمالية والعديد من الخبراء في المجال على مجموعة من التوصيات الضامنة للحقوق الأساسية لكل من دافعي الضرائب وإدارة الضرائب.
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل أيام قليلة من انعقاد المناظرة، وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني الأخرى، أصدرت منظمة أوكسفام المغرب تقريرًا حول العدالة الضريبية في المغرب يشمل أهم مقترحات المجتمع المدني المتعلقة بالضريبة، خاصة التي تهدف توسيع الوعاء الضريبي وتقليل الضغط الضريبي وترشيد الحوافز الضريبية لوضع حد لتلك التي لا تحدث أي آثار إيجابية ملموسة، إضافة إلى ضمان التماسك الاجتماعي من خلال زيادة الضريبة على القيمة العقارية وإعادة تخصيص حصة من ضريبة القيمة المضافة للتغطية الطبية الشاملة.
استهدفت هذه القائمة الشاملة أيضا النظام الضريبي المحلي وإدماج القطاع غير المهيكل ورقمنة الإجراءات الضريبية وغيرها. لكن بالمقابل لم يقدم المشاركون أي توصية بفرض ضريبة على الثروة كما في 2013 خلال المناظرة الوطنية الثانية حول الضرائب ، ولم يؤكدوا على أهمية ضريبة التضامن التي نفذتها الحكومة خلال أزمة كوفيد-19 على كل من الشركات والموظفين.
تم اعتماد القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي في يوليوز 2021 كمرجع قانوني لترجمة التوصيات المقدمة خلال المناظرة الوطنية الثالثة حول الضرائب إلى تدابير تشريعية ملزمة. وقد نص هذا القانون-الإطار ضمن أولوياته (المادة 2) وأهدافه الأساسية (المادة 3) على تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتقليص الفوارق المجالية وترشيد التحفيزات الضريبية الممنوحة وتجميع كافة الرسوم المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية وتلك المتعلقة بالممتلكات العقارية وتعزيز آليات محاربة الغش والتهرب الضريبي وغيرها.
ولضمان دخول أحكام القانون الإطار حيز التنفيذ في إطار زمني معقول، تتطلب المادة 19 تنزيل جميع الأحكام المتعلقة بضريبة القيمة المضافة والضريبة على الشركات والضريبة على الدخل (المادة 04) والضرائب المحلية (المادة 09) والرسوم شبه الضريبية (المادة 13) خلال 5 سنوات (2022 – 2026) بعد دخول القانون الإطار حيز التنفيذ. ولكن للأسف، وبالنظر إلى هذا الأجل لم يشكل مشروع قانون المالية 2022 نقطة تحول في النظام الضريبي المغربي نظرا لعدم إجراء تغييرات بارزة على مستوى البرلمان إلى غاية هذه اللحظة، وبالتالي تطرح التساؤلات التالية:
• ما هي إمكانية / الاستعداد لاحترام الأجل المحدد والملزم قانونا لمدة 5 سنوات لتنفيذ التغييرات الضريبية الجذرية المنصوص عليها في المواد 04 و 09 و 13 من القانون- الإطار بحلول سنة 2026؟
• تبسيط لغة المجال المالي الضريبي والقانوني وجعلها سهلة الفهم
التبسيط جانب مهم لفهم النظام الضريبي وتقليل عبء الإدارة وربما تحسين الاستعداد للامتثال للنظام الضريبي، وبالتالي توفير المزيد من الدعم العام. إن تبسيط قوانين وقواعد عمليات الشراء المالية والسياسات الضريبية من شأنه أن يقلل التهرب الضريبي غير القانوني حيث أن بعض الأشخاص لا يدفعون الضرائب لأنهم لا يفهمون قوانينها، لذا وجب تبسيط اللغة المتداولة من أجل تحسين مستوى الخدمات الحكومية.
• إنشاء أنظمة للرصد والتقييم لتحسين الأداء الحكومي
يعد الرصد والتقييم في صلب ممارسات الحكامة الجيدة، بالنظر إلى أهميتها في تحقيق وضع سياسات قائمة على الأدلة، وحسن التدبير والقرارات المتعلقة بالميزانية وكذا المساءلة؛ ولذلك فإنه من الضروري تشجيع جميع الجهات العاملة في المجال الضريبي على العمل معًا في تطوير مجموعة من المؤشرات التي من شأنها أن تدعم الرصد والتقييم الهادفين لتحسين القدرات داخل الإدارات الضريبية وغيرها من المجالات ذات الصلة، وزيادة فعالية السياسة الضريبية وتقليل مخاطر الفساد، وحشد الدعم من أجل إصلاحات أخرى.
• تعزيز الحصول على المعلومات وتبادلها في النظام والسياسات والخدمات الضريبية ورقمنة إدارة الضرائب
يعتبر الحصول على المعلومات مطلبًا قانونيًا في المغرب، فوفقًا للمادة 27 من الدستور المغربي (2011)، يحق للمواطنين والمواطنات الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. وقد سن المغرب القانون الإطار 31.13 (2018) لتحديد نطاق الحق في الحصول على المعلومات. وبالتالي، فإن تعزيز الحصول على المعلومات ومشاركتها في الأنظمة الضريبية أمر مهم، على الرغم من أن هذه القرارات يجب أن تكون متوازنة مع اعتبارات خصوصية البيانات وأمنها وغيرها من أمور.
زيادة على ذلك تساهم مشاركة البيانات في تعزيز الشفافية والعدالة الضريبية، بما يضمن لدافعي الضرائب عدالة نظام التحصيل ومعالجة التهرب بشكل فعال، كما أنهم يهتمون باستخدام هذه الإيرادات في مجالات مهمة لهم. وبالتالي، يمكن لهذه العملية أن تقود سياسات ضريبية أفضل وتوفر فرصًا أكبر للحد من اللامساواة عبر التوزيع العادل للعبء الضريبي بين المواطنين.
توفر الرقمنة والتقنيات الجديدة فرصًا لزيادة أوجه الكفاءة وتوفير التكاليف في التدبير المالي العام، إلا أن الرقمنة الضريبية الحقيقية لا تتعلق فقط بتحويل الأوراق إلى ملفات PDF وتحميلها، بل يجب أن يكون التغيير جذريا، مع الأخذ في الاعتبار ما هو خاضع للضريبة وكيف يمكن للسلطة الاستفادة من البيانات لإكمال ومراجعة الضرائب وليس فقط كيفية دفعها؛ على سبيل المثال يتعين على المديرية العامة للضرائب إنشاء قنوات اتصال محلية عبر الشبكات الاجتماعية، من أجل الحفاظ على علاقة تفاعلية مع شركائها وتكون قريبة من مشاكلهم.
• تدريب الموظفين والعاملين لا سيما الجدد من أجل إدارة ضريبية فعالة
لاشك أن هناك حاجة إلى موظفين مدربين بشكل عال ومناسب لمواجهة التحديات الجديدة التي تواجه إدارة الضرائب، بحيث يعد تعزيز الموارد البشرية من خلال تدريب الموظفين بانتظام واستمرار أكثر الطرق شيوعًا لتقوية قدرة الإدارة الضريبية. كما يمكن أن يساعد التدريب مسؤولي الضرائب على تعزيز المعرفة والقدرات التقنية والاجتماعية اللازمة للعمل الحالي والمستقبلي.
فرض ترشيد الخيارات المتعلقة بالميزانية لمعالجة الاختلالات الضريبية
يصعب إخفاء تدهور المالية العمومية في المغرب، فكل المؤشرات تكشف وجود قلق من عدم التوازن الذي يؤثر سلبا على النمو الاجتماعي في المغرب. وفي كل مرة يزداد عجز الميزانية سوءًا تأتي الضريبة في مقدمة المقترحات باعتبارها الأداة الوحيدة القادرة على تقديم حلول عميقة لهذا الوضع. ولتحقيق عائدات ضرائب أفضل وميزانية متوازنة، يحتاج المغرب إلى توسيع القاعدة الضريبية من خلال تخفيض أو إبعاد جميع الإجراءات التقييدية وتعبئة الموارد وتحسين العائدات الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي والقطاع غير المهيكل وتعزيز مراقبة ميزانية النفقات الضريبية .
• الاستثمار في البحث العلمي لزيادة الوعي المالي.
في سياق اقتصاد المعرفة، يعتبر البحث العلمي ركيزة من ركائز التنمية البشرية، حيث أن إنتاج ونشر المقالات والأبحاث والأطروحات والكتب تقدم فرصة لرفع مستوى المعرفة المالية وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات الاقتصادية واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التخطيط المالي وتراكم الثروة والديون والمعاشات التقاعدية، كما تقدم أدلة واعدة لمجموعة واسعة من التحديات في مجال المالية والنظام الضريبي. لذلك، فإن إنشاء آلية تتعاون من خلالها مختبرات الجامعات مع القطاعين العام والخاص لإنتاج أبحاث قائمة على الأدلة في السياسات الضريبية والإدارة أمر ضروري لتحقيق النمو الاقتصادي والإنتاجي.
ختاما
لقد جرت في المغرب إصلاحات ضريبية بصورة متعاقبة وأثبتت النفقات الضريبية أن الوضع مستمر في التدهور ويحتاج إلى إعادة التفكير من أجل تكييفه مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة. ونظرا للتوجه العالمي، تحتاج المالية العمومية في المغرب إلى موارد إضافية لمواجهة التكاليف المتزايدة باستمرار، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه يتوجب على أي إصلاح ضريبي ملائم وفعال ألا يزعزع استقرار الإطار الاقتصادي الكلي لأنه في حالة الأزمات، يكون الإنفاق الاجتماعي هو أول ما يخضع لخفض الميزانية، الأمر الذي يطرح مرة أخرى مشاكل اللامساواة. بالإضافة إلى ذلك، فإن جودة النفقات العمومية هي المصدر الأول لإضفاء الشرعية على عائدات الضرائب. وأخيرًا، قد يكون النظام الضريبي الحالي فعالًا شريطة استهداف القطاعات أو الأشخاص المستفيدين وإجراء دراسات تقييم الأثار اللازمة قبل اتخاذ القرار.
الهوامش
[1] النموذج التنموي الجديد 2021
https://www.csmd.ma/documents/CSMD_Report_EN.pdf
[1] https://www.finances.gov.ma/en/Pages/detail-actualite.aspx?fiche=5069
[1] https://www.finances.gov.ma/Publication/dgi/2019/recommandations-assises-nationales-fiscalite-fr.pdf
[1] http://www.espace-associatif.ma/wp-content/uploads/2019/05/Memorandum_Assises_fiscales_24042019.pdf
[1] https://www.droit-afrique.com/uploads/Maroc-Loi-2021-86-reforme-fiscale.pdf
[1] تجري مناقشة قانون المالية 2022 في البرلمان قبل اعتماد النسخة النهائية بحلول 20 دجنبر