الأبحاثالتنمية الاقتصاديةتقاريرزلزال الأطلس الكبير: الكارثة، الأزمة، والإستجابة الحكومية (التقرير)

زلزال الأطلس الكبير: الكارثة، الأزمة، والإستجابة الحكومية (التقرير)

زلزال الأطلس الكبير: الكارثة، الأزمة، والإستجابة الحكومية (التقرير)

 

فريق البحث:

د. محمد مصباح

د. رشيد أوراز

د. هاجر الإدريسي

 

تحميل التقرير كاملا

 

تقديم التقرير

تُعد الكوارث الطبيعية من أكبر التحديات التي تواجهها دول وحكومات العالم. ويعد زلزال الثامن من شتنبر الذي ضرب الحوز الأحدث من سلسلة الأزمات التي ضربت المغرب منذ جائحة كوفيد-19، حيث طرحت الكارثة عدة أسئلة حول قدرة الحكومة المغربية على التعامل مع الوضع وإنقاذ الضحايا. وحُدد مركز الزلزال الذي بلغت قوته 6.4 درجات على بعد 70 كلم جنوب شرق مراكش بينما تركزت خسائره البشرية والمادية في أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة ونجمت عنه خسائر بشكل أقل في مراكش وورزازات وأزيلال.

وحسب السلطات المحلية فقد بلغ عدد ضحايا الزلزال 2946 شخصًا قضوا نحبهم وجرح 6125 شخصًا في أعقاب هذه الكارثة الطبيعية. كما تقدر الحكومة أن ما يقرب من ستين ألف مبنى قد دُمرت بالكامل أو جزئيًا، معظمها في قرى جبلية نائية وفقيرة، مؤثرةً على ما لا يقل عن 300,000 شخص (المصدر: وزارة الداخلية). وعقب هذه الكارثة، أعلن الديوان الملكي فترة حداد وطني لمدة ثلاثة أيام وأنشأ على الفور لجنة وزارية لتطوير برنامج لإعادة تأهيل وإعمار المنازل المتضررة. ومن جانب أخر فاقمت هذه الكارثة الطبيعية من أنماط الضعف والهشاشة الموجودة مسبقًا، ورفعت الوعي حول جيوب الفقر[1] التي لا تزال قائمة في المناطق القروية، والتي لم تشارك إلى حد كبير في التحولات الاقتصادية العميقة التي شهدها المغرب في العقدين الماضيين.

و عقب الأخبار المأساوية في المغرب، تدفقت عروض المساعدة من حول العالم، حيث استجاب المغرب فقط لعروض الدعم من الدول الصديقة : إسبانيا، قطر، المملكة المتحدة، والإمارات العربية المتحدة.

وشهدت البلاد محليا أيضا موجة من التضامن والتعبئة الاجتماعية على مستوى القاعدة الشعبية حيث تكاثفت جهود المغاربة من مختلف الأوساط، بما في ذلك نشطاء المجتمع المدني، ودعاة حقوق الإنسان، وأعضاء المجتمع، لدعم المناطق المتضررة من الزلزال، وخاصة تلك الموجودة في المناطق الجبلية النائية، من خلال توفير الطعام، والماء، والأدوية، والملابس، والإسكان المؤقت. كما استجاب عشرات الآلاف من المغاربة من مدن مثل الرباط، والدار البيضاء، وطنجة، والعيون، لدعوات السلطات لتلبية الحاجة الملحة للتبرع بالدم. إضافة إلى بروز مبادرات خيرية مهمة استجابةً للكارثة.

و قامت الحكومة أيضًا على الفور بتقييم تأثير الأضرار وأطلقت خطط إعادة إعمار وإصلاح طموحة. وبتوجيهات ملكية، أنشأت لجان المالية والتنمية الاقتصادية بالبرلمان المغربي صندوقا خاصا لجمع المساهمات والتبرعات لإغاثة المتضررين من الزلزال، متماشياً مع الإطار القانوني لمثل هذه الصناديق كما هو موضح في الدستور المغربي وقانون المالية. بالإضافة إلى هذه الجهود الرسمية، أطلقت العديد من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات حملات لجمع الأموال والمساعدات. لتكشف، الحكومة فيما بعد عن رؤية جديدة للجهة، تجمع بين المساعدة المالية العاجلة للأسر المتضررة واستراتيجية تنموية طموحة لأقاليم الأطلس الكبير. وشرعت هذه اللجنة في جهود الإنعاش من بينها تخصيص منحة شهرية قدرها 2500 درهم مغربي (242 دولار) لمدة عام واحد للعائلات التي تأثرت بالزلزال ابتداءً من 6 أكتوبر 2023.و تعتبر هذه الدفعات من بين أشكال الإغاثة العديدة والعون الذي يخطط المغرب لتقديمه للسكان الذين تشردوا بسبب الزلزال. بالإضافة إلى ذلك ستوفر الحكومة المساعدة في إعادة الإسكان المؤقت وتقديم ما يقارب 140,000 درهم (13,600 دولار) لإعادة بناء المنازل المدمرة (60 ألف مبنى مدمر، بما في ذلك أكثر من 500 مدرسة تقع في معظمها في أقاليم الحوز، شيشاوة وتارودانت) إضافة إلى إعادة بناء حوالي 1000 مدرسة و42 مركز صحي.

 

إدراك حجم الكارثة

نظرا للأثار الناجمة عن الكوارث وتأثيرها على الجميع، وجب فهم تأثيراتها الاجتماعية والسياسية العامة بشكل أفضل.ويمكن لهذه الكوارث أن تؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد بحيث تؤدي إلى إتلاف ممتلكاتهم أو تشكل خطرا على حياتهم وحياة القريبين منهم . وتحمل هذه الأحداث في طياتها أيضا القدرة على تغيير نظرة المواطنين وتشكيل وعيهم بطرق أعمق وأشمل. فعلى سبيل المثال، قد تؤثر مثل هذه الأزمات على كيفية تفكير المواطنين بجيرانهم الذين ساعدوهم خلال الزلزال، وقد تغير الكارثة أيضًا الطريقة التي يشعر بها المواطنون تجاه الآخرين بشكل عام، وأبرز مثال على هذا ما بعد تجربة تبرعات المواطنين لمساعدة الأفراد المتأثرين. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر الكارثة أيضًا على الرأي العام تجاه الحكومة، لأن المواطنين قد يشعرون بمدى رضاهم من عدمه عن طريقة تعاملها مع الأزمة[2]. وفي فمثل هكذا سياق، يمكن أن تنشأ هذه التأثيرات الاجتماعية والسياسية ليس فقط من التجارب المباشرة ولكن أيضًا من التعرض غير المباشر للأحداث، مثلا من خلال التغطية الإعلامية للحدث . ففي نهاية المطاف، تعتبر هذه القنوات الإعلامية المختلفة سواء كانت التليفزيون أو الإذاعة مصدر المعلومات للمواطنين وتبقيهم دائما على إطلاع.

فهل تتغير بالتالي الثقة الاجتماعية، والثقة السياسية، والرضا عن الحكومة عمومًا بعد الكوارث الطبيعية؟ وكيف تم نقل الخبر من طرف وسائل الإعلام التقليدية والجديدة مثل التقارير الإخبارية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؟

و تهدف هذه الدراسة بشكل عام إلى استعراض كل من تأثير كارثة زلزال الحوز على رأس المال الاجتماعي والرضا عن الحكومة بين المواطنين وكذا تغطية وسائل الإعلام للحدث باعتبارها آلية مفترضة لتقاسم المعلومات.; تبدأ هذه الدراسة بتسليط الضوء على أهمية رأس المال الاجتماعي والنظرة العامة تجاه الحكومة، استنادًا إلى بحوث متعددة التخصصات في مجال الكوارث. وقد تم الاعتراف بأهمية هذه المفاهيم في فهم تأثير الكوارث، على الرغم من أنها لم تكن دائمًا موضوعة في قلب البحث بالشكل الكافي. وثانيًا، تشكل هذه المفاهيم اللبنات الأساس فيما يتعلق بالثقافة السياسية، والحكم الديمقراطي، والعمل الجماعي (بوتنام، 2000[3]؛ أوستروم وآهن، [4]2008).

 وتنقسم هذه الدراسة إلى قسمين بحيث يتناول القسم الأول منها كيفية إدراك الناس لاستجابات الحكومة للحدث الزلزالي. ويشمل ذلك تقييم سرعة وتنسيق جهود الاستجابة للطوارئ، وتوزيع الموارد لعمليات الإنقاذ والإغاثة، والفعالية الإجمالية لاستراتيجيات إدارة الأزمات. كما يهدف إلى تحديد العلاقة بين فعالية أداء الحكومة أثناء الكارثة والتأثير الناتج على المواقف الاجتماعية. ويستعرض هذا الجزء من الدراسة أيضاً كيف أن تصرفات الحكومة وطرقها في التواصل خلال الأزمات يمكن أن تزيد أو تقلل من ثقة الناس ورضاهم عنها .

و يتعلق القسم الثاني بالتعمق في مستوى العملية التواصلية خلال أزمة زلزال الحوز ويهدف إلى استقراء تأثير الكارثة في ثقة المجتمع بالسلطات ورضاه عن الحكومة من خلال فحص ديناميكيات نشر المعلومات. ويتضمن ذلك استقصاء كيفية إسهام كل من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، بما في ذلك التقارير الإخبارية عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، في تكوين وجهات نظر الجمهور وردود أفعالهم تجاه أحداث مماثلة.

 

تصميم البحث

يحدد هذا القسم منهجية البحث ويصف التصميم البحثي المعتمد في هذه الدراسة. حيث تستند النتائج المقدمة في هذا التقرير إلى تحليل البيانات الكمية استنادًا إلى عينة تمثيلية من 2000 شخص. وقد تم جمع البيانات بين أكتوبر ودجنبر من سنة 2023. ومن أجل ضمان تمثيلية العينة، تم الاعتماد على نهج العينة العشوائية الطبقية، باستخدام متغير “النوع الاجتماعي” كحصة محددة مسبقًا لتحقيق توزيع عادل للإناث والذكور في العينة. وبالعودة إلى جمع البيانات فلقد تمت عن طريق      مقابلات هاتفية بمساعدة الحاسوب (CATI). وتعتبر هذه المقابلات الهاتفية مقابلات منظمة يجريها محاور يسجل الإجابات على أسئلة ذات جواب يكون إما بالإيجاب أو النفي . وتمكن هذه المقابلات الهاتفية بمساعدة الحاسوب المحاورين من إدخال الردود مباشرةً في قواعد البيانات التي تبدأ بدورها في تجميع وتحليل البيانات الُمدخلة. كما أنه بالإضافة إلى هذه الميزة، تعتبر المقابلات الهاتفية نسبيًا غير مكلفة على مستوى إدارتها (ما لم تتم عملية الاتصال بمسافات طويلة) ولا تستغرق من الوقت الكثير، مقارنة بالوقت الذي قد تستغرقها الاستبيانات المكتوبة. ويتم بعد ذلك تسجيل بيانات البحث وترميزها والتحقق منها بحثًا عن أي أخطاء أو فجوات أو تناقضات فيها . بعد ذلك، يتم قياس البيانات التي تم تحليلها حسب النوع الاجتماعي والعمر والجنسية والجهة.

و يتكون هذا الاستبيان من 27 سؤالًا. ووفقًا للتركيبة الديموغرافية للسكان المغاربة حسب المندوبية السامية للتخطيط (المندوبية السامية للتخطيط 2014)، فإن هذه العينة المدروسة تمثل المواطنين المغاربة الذين هم في سن18 فما فوق.واُستعمل لتحليل البيانات الكمية برنامج الحزمة الإحصائية للعلوم الاجتماعية كما عُرضت النتائج على شكل جداول ورسوم بيانية. ولتفسير البيانات تم الاعتماد على الترددات، والنسب المئوية، وغيرها من الإحصائيات الاستدلالية أو الوصفية التي تم جمعها لهذا الغرض.

 

هوامش التقديم

[1] وفقًا لقاعدة بيانات خريطة الفقر للمندوبية السامية للتخطيط لعام 2014، كلما كانت المنطقة أقرب إلى مركز الزلزال، كانت نسبة الفقر متعدد الأبعاد والفقر النقدي أعلى، وذلك فوق المتوسطات الجهوية والوطنية. وتتدهور نتيجة لهذا مقاييس التعليم، بما في ذلك معدل الأمية، غالبًا في المناطق القريبة من مركز الزلزال بشكل أشد.

[2] . 2017 ألبرخت، ف . التأثير الاجتماعي والسياسي للكوارث الطبيعية: دراسة المواقف وتغطية وسائل الإعلام بعد الكوارث. جامعة أبسالا.

[3] بوتنام، آر. دي. (2000). البولنج مفردا: انهيار المجتمع الأمريكي وإحياؤه. نيويورك: سايمون وشوستر.

[4] أوستروم، إي.، وأهن، ت. ك. (2008). معنى رأس المال الاجتماعي ورابطته بالعمل الجماعي. في فان ديث، ج. دبليو. ووليب، ج.، المحررون. دليل على رأس المال الاجتماعي. نورثهامبتون، ماساتشوستس: إدوارد الجارنق باب، ص 17-35.

Avatar

المعهد المغربي لتحليل السياسات

المعهد مؤسسة غير ربحية تعنى بالسياسات العامة وتتخذ من الرباط، المغرب، مقراً لها. يرمي المعهد إلى إجراء أبحاث معمقة حول مختلف الإشكالات المتعلقة بالسياسات العامة من خلال طرح أفكار جديدة لحل المشاكل التي تواجه المجتمع على صعيد الديموقراطية والتنمية.