[vc_row][vc_column][vc_column_text]
في جرادة وفي أماكن أخرى، قد يؤثر غياب المسؤولية الاجتماعية لشركات التعدين سلبًا على السكان المحليين على الأمد البعيد
الملخص التنفيذي
أدى الموت المأساوي لعاملي المنجم بجرادة إلى إطلاق شرارة حركة من الاحتجاجات، والتي عرّت النقاب على عشرات السنين من التهميش الاقتصادي في جهة كانت إلى وقت قريب موطنا لأكبر منجم للفحم في شمال إفريقيا. وتاريخيا لم تكلف شركات تدبير المناجم نفسها أي جهد من أجل الاندماج داخل المجتمعات المحلية التي تشتغل فيها، واكتفت فقط بمساهمات مؤقتة ومحدودة في تنمية هذه المناطق. لقد سلطت أحداث جرادة الضوء على موضوع مدن الأشباح، أي المناطق التي أدى فيها إغلاق المناجم إلى آثار بيئية واجتماعية كبيرة على الساكنة المحلية، والتي أجبرت فيها شركات تدبير المناجم على إعادة التفكير في ممارساتها في ضوء النقاش المتصاعد حول أهمية فكرة الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات (RSE) وذلك بسبب طبيعة عمليات استخراج الفحم والتي تتسم بالجدل والصراع.
إن ما حدث في جرادة يذكرنا أن غياب مبادرات طويلة الأمد للمسؤولية الاجتماعية للشركات قد يكون له أثر سلبي كبير على حياة الآلاف من الناس. لا تقتصر الاحتجاجات الاجتماعية في المناطق المنجمية على جرادة فقط، ففي قرية إميضر في الجنوب الشرقي للمغرب لا تزال الاحتجاجات الاجتماعية مستمرة منذ أربع سنوات وذلك بسبب استنزاف المياه الجوفية من طرف الشركة المستغلة لمنجم للفضة بالمنطقة ومشاكل تنموية أخرى. ولتفادي تكرار نفس أخطاء جرادة في مناطق منجمية أخرى بالمغرب، يجب على مفهومي الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركاتللشركات أن تصبح جزء من التوجهات الاستراتيجية لشركات تدبير المناجم.
المقدمة
تسبب الموت المأساوي للأخوين جدوان والحسين داخل منجم بجرادة بإطلاق حركة واسعة النطاق من الاحتجاجات خلال ديسمبر 2017. وتضاعفت الاحتجاجات وزادت حدة الغضب وخيبة الأمل عندما توفي عامل منجمي آخر في فبراير 2018. لقد أعادت هاته الاحتجاجات إلى الواجهة عشرات السنين من التهميش السوسيو- اقتصادي ومن الإقصاء بعد إغلاق منجم فحم كبير سنة 1998 بالمنطقة. لقد كانت الشركة التي تدير المنجم تحت إسم “شاربوناج دي ماروك” (charbonnages du Maroc) أكبر مشغل في جرادة، وقد كان أثر إغلاقها كبيرا على المنطقة بأكملها، حيث أدى ذلك بالمنطقة إلى أن تصبح واحدة من أفقر المدن في المغرب بمعدل بطالة تجاوز 30% (مقارنة مع المعدل الوطني الذي يدور حول 10%) ومعدل فقر بنسبة 11%، أعلى بست نقاط على المستوى الوطني.
إن الحالة المأساوية التي تعيشها جرادة لأكبر دليل على أن غياب المسؤولية الاجتماعية للشركات كاستراتيجية طويلة الأمد قد يؤثر سلبا على حياة الآلاف من الناس. وفعلا، فحالة مدينة جرادة تذكر بشكل قوي الحاجة الماسة لإدماج أبعاد اجتماعية وبيئية بالإضافة إلى الحكامة الجيدة خلال نشاط أي مشروع في مجال استغلال المناجم. فمن خلال هذا المنطق ستتمكن شركات تدبير المناجم من معالجة الآثار الطويلة الأمد التي قد تترتب عن عملها أثناء اشتغالها وحتى بعد إغلاقها، وإلا فإن الساكنة المحلية ستضرر كثيرا.
ورغم أن الاحتجاجات التي تجتاح جرادة عرفت تغطية إعلامية موسعة، لكن هذه الاحتجاجات لا تقتصر فقط على هاته المنطقة بالضبط، فهناك مناطق منجمية أخرى في المغرب تعاني من نفس المشاكل ولا يلتفت لها الإعلام لأنها هادئة حاليا، لكن مشاكلها قد تظهر قريبا. من هنا تظهر أهمية التركيز على حاجة الشركات المنجمية لتطوير استراتيجية طويلة حول المسؤولية الاجتماعية للشركات، بحيث تكون طريقة لخفض الآثار الجانبية السلبية لعمل هذه الشركات وكذا للمساهمة في التنمية السوسيو-اقتصادية للمجتمعات المحلية.
ظروف معيشية هشة حول المنجم في جرادة
قبل الدخول في نقاش موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات، جدير بالذكر أنه تم اكتشاف الفحم في جرادة خلال فترة الحماية الفرنسية في أواسط العشرينات من القرن الماضي. وقد كان تسيير ذلك مخولا لشركة “شاربوناج دي ماروك” والتي تم تأميمها لتصبح تابعة للدولة في بداية السبعينات. وخلال الثمانينات واجه المنجم مشاكل عصيبة وسجل عجزا ماليا. وقد كان من ضمن هاته المشاكل والتحديات انخفاض الثمن الدولي للفحم، والمنافسة القوية للفحم الروسي والجنوب إفريقي، علاوة على بعض المشاكل التقنية المرتبطة بظروف الاستخراج المعقدة. ومن أجل مواجهة ذلك، أدخلت شركة “شاربوناج دي ماروك” حلولا تقنية من أجل الرفع من الفعالية والتقليل من تكاليف الإنتاج، كما أن الشركة لجأت أيضا إلى تخفيض عدد العمال من 7000 إلى 2000 عامل في أوائل التسعينات. وقد خلق هذا الانخفاض من أعداد اليد العاملة إلى حصول توترات اجتماعية بين الشركة من ناحية ونقابات العمال من ناحية أخرى. وحتى وإن قامت تلك الشركة بوضع مخططات مسبقة للتقاعد النسبي، لكن يبقى من الصعب التأكد من أنها احترمت تلك الالتزامات بشكل كامل كانت هناك بعض المحاولات المتكررة لتطوير الإنتاجية والفعالية، إلا أن المنجم في جرادة أصبح غير مربح ومن ثمة أغلقت أبوابه في أواخر التسعينات.
ورغم إغلاق المنجم بشكل رسمي، إلا أن المئات من المواطنين في تلك المنطقة لا زالوا يخاطرون بحياتهم بشكل يومي تحت بصيص أمل استخراج قليل من الفحم لسد رمق العيش. ومما لا يختلف عليه اثنان فظروف العمل خطيرة وهشة لدرجة كبيرة، باعتبار أن المنقبين عن الفحم الذين يخاطرون بحياتهم لا يتوفرون على لباس واق والأخطر من ذلك هو أن المنجم لم تتم صيانته منذ أن تم إغلاقه.
قد يبدو من الوهلة الأولى أن هاته المظالم الاجتماعية لها طابع محلي خاص بمنطقة جرادة، لكنها على العكس من ذلك تنتشر بشكل واسع على المستوى الوطني. وفي واقع الأمر أصبحت صناعة استخراج الفحم حول العالم اليوم تحت طائلة رقابة مشددة بسبب العديد من تجاوزات حقوق الإنسان والاضطرابات داخل مناطق تواجد المناجم عبر العالم.
الصناعة المنجمية: تاريخ طويل حافل بالجدل
عموما، ترتبط الصناعات المنجمية بالاضطرابات الاجتماعية والخلافات على المستوى العالمي. فهذه الصناعات في أصلها هي صناعات متعددة الأوجه تطبعها عمليات استخراج معقدة والتي لها تأثير مباشر على الساكنة المجاورة للمناطق المنجمية. كما أن هذه الصناعات تتأثر بشكل قوي بعوامل خارجية تتمثل في الظروف المناخية، والأثمنة العالمية وتقلباتها. ومنذ فترة طويلة، بدأ ربط هذه الصناعات بشكل مباشر بالتأثير على البيئة، وبغياب استراتيجيات للتنمية طويلة الأمد. علاوة على ذلك تتميز هذه الصناعات بعلاقة متوترة مع العمال، فلطالما تعثر الحوار الاجتماعي والذي يجمع بين الشركات المنجمية وبين العديد من الفرقاء الاجتماعيين، الشيء الذي لطخ سمعة الصناعات المنجمية. ثم إن الحالات الموثقة لتجاوزات حقوق الإنسان أضرت كذلك بسمعة هذه الصناعة وقوضت تراخيص بعض الشركات في العمل.
فعلى سبيل المثال، وفي غشت سنة 2012 قتلت قوات الأمن أكثر من 40 فردا في منجم لونمين بماريكنا بدولة جنوب إفريقيا. وقد اشتعلت شرارة أعمال العنف بعد سلسلة من الاحتجاجات السلمية المطالبة بظروف عيش أحسن وبسياسات عادلة. وقد أدانت منظمة العمل الدولية ظروف العمل المزرية التي كانت تعرض حياة عمال المنجم إلى مخاطر أمنية كدرجات الحرارة المرتفعة، والضوضاء الضارة، وتساقط الصخور. وعلى مستوى الساكنة المحلية، فقد زعم المحتجون أن أرباح المنجم لا يتم توزيعها بشكل عادل، ففي حين تحصد الشركات أرباحا كبيرة تبقى الساكنة المحلية مهمشة اجتماعيا واقتصاديا.
كما أن حرب المناجم حصدت أرواحا شتى في أنحاء متفرقة من العالم. فالأمازون البرازيلي كان ولا يزال مكانا لمواجهات مستمرة وعنيفة بين الساكنة المحلية والمنقبين على الذهب، حتى أن السكان الأصليين نادوا برسم حدود واضحة من أجل حماية أراضيهم من المنقبين. ثم إن التوترات بين المعدنين الصغار وشركات تدبير المناجم الكبيرة موجودة منذ فترة طويلة، ومما يزيد الطين بلة هو عدم قدرة الحكومة البرازيلية على التدخل وسن قوانين من أجل حماية أراضي الدولة والملكيات الخاصة.
أما في كندا فالحركة الشعبية ‘لا سكوت بعد الآن’ “أيدل نو مور” (Idle no more) عبأت السكان الأصليين من أجل سيطرة أكثر على مواقع المناجم التي تزيد في الاستلاء على مزيد من الأراضي. الحركة والتي تتسم بلامركزية موسعة على مستوى قيادتها، نادت بامتلاك أكبر لحصص عمليات استخراج المعادن.
وإذا ما قارنا حراك جرادة بحركة “أيدل نو مور”، فحركة الاحتجاج بجرادة لم يتم التخطيط لها مركزيا، لكنها على العكس ظهرت بشكل عفوي ومن تلقاء نفسها بفضل الانتشار الكبير للاحتجاجات على وسائط التواصل الاجتماعي. فقد خرج الآلاف من الناس إلى الشوارع نتيجة لموت الأخوين مطالبين ببدائل اقتصادية، وبربط المسؤولية بالمحاسبة، وبأثمنة أكثر معقولية للسلع الأساسية كالماء والكهرباء.
إلا أن رد الحكومة المغربية على حركة جرادة فقط كان متذبذبا، مما خلق حالة من انعدام الثقة والارتباك لدى المواطنين. فقد قامت السلطات الأمنية بقمع الاحتجاجات ونشرت وزارة الداخلية بلاغا تؤيد فيه التدخلات الأمنية لضبط ومنع ما سمتها بـ” التظاهرات غير القانونية”. أما رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وفي زيارته للمنطقة الشرقية للمملكة أعلن عن مخطط يستجيب لتظلمات الساكنة السوسيواقتصادية، والذي يسعى إلى تطوير ظروف عيش الساكنة في المنطقة ويركز على استثمارات أكبر في مجالات الفلاحة والتعليم والمقاولاتية (Entreprenariat)، وكذلك البنية التحتية. ومن أجل ضمان الالتزام بالمخطط حددت فترة زمنية من أجل التنفيذ.
لم تكن تلك أول مرة تقدم فيها الحكومة وعودا للمنطقة. ففي وقت إغلاق المنجم سنة 1998، وعدت الحكومة بإطلاق تدابير مرتبطة خصوصا بتوفير خدمات الصحة والرعاية، والتقاعد النسبي، ورواتب التقاعد لفائدة عمال المنجم المتضررين. لقد كان من الممكن لمثل تلك التدابير لو تم تنفيذها في ذلك الوقت أن تشكل حلا ناجعا ولساهمت آنذاك في تنمية سوسيو-اقتصادية طويلة الأمد. وقد يفسر لنا هذا لماذا لا زال المحتجون منتفضين، لأنهم لا يثقون في وعود الحكومة.
الانتقال من عقلية الخلاف إلى روح التعاون
لم تعط شركة “شاربوناج دي ماروك” أي خطة عملية لإنهاء نشاطها المنجمي الذي استمر لأكثر من 70 سنة، مما أدى إلى إضعاف النسيج السوسيو-اقتصادي للمنطقة ورمى بالمسؤولية على عاتق الحكومة لوحدها من أجل تصميم وتنفيذ مخططات تنموية في المنطقة. وفي حين أن الحكومة مسؤولة جزئيا لأنها أخلفت وعودها في توفير بدائل اقتصادية، إلا أنه جدير بالإشارة إلى أن شركات تدبير المناجم هي كذلك مسؤولة على إيجاد حلول للأثار طويلة الأمد لعمليات استخراج الفحم، خصوصا وإن افترضنا أن كل المناجم حول العالم لديها مدى زمني محدد بحيث تتوقف عن الانتاج في وقت معين.
لو أن شركات تدبير المناجم تبنت سياسات إرادية والتي أصبحت معروفة اليوم تحت مسمى “المسؤولية الاجتماعية للشركات”، وكذا سن السياسات المستدامة، لاستطاعت بذلك التخفيف من مثل تلك الآثار السلبية ولحققت استفادة قصوى من الآثار الإيجابية لأنشطتها. ففي فترة الاستخراج تكون الآثار السلبية للعمليات المنجمية مرتبطة غالبا بالتلوث، والضوضاء، ومشكل تدبير المياه. كما أن مشكلة البطالة والتي تنتج عن إغلاق المنجم تصبح تحديا كبيرا. ولذلك فسن استراتيجيات فعالة للمسؤولية الاجتماعية للشركات قد تساعد على علاج مثل هاته المشاكل وتبقى لها أهمية كبرى في تحقيق تحسين معقول لظروف العيش المحلية، وبالتالي تقوي من الترخيص الاجتماعي لعمليات شركات تدبير المناجم.
بسبب طبيعة أنشطتها، دخلت العديد من شركات تدبير المناجم في نزاع مع الساكنة لمحلية، وبالتالي اضطرت لأعادة اعتبار استراتيجياتها وطورت برامج مرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات. وتسعى مثل هاته البرامج لتطوير البنية التحتية وبناء الرأسمال الاجتماعي والبشري في أوساط الساكنة المحلية. وعموما يرتبط الاستثمار في البنية التحتية بتوفير الماء الصالح للشرب، والكهرباء، والطرقات، والمستشفيات، في حين تتركز المكونات الاجتماعية والبشرية لبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات حول توفير التكوين وبناء قدرات الساكنة المحلية في الصناعة المنجمية والصناعات المرتبطة، كما وفي غيرها من مجالات أخرى كالفلاحة وتربية المواشي.
نظريا، تعتبر برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات الناجحة تلك التي يتم تقييسها وتكييفها لتتلاءم وحاجيات الساكنة، ومن هنا نجد صعوبة في تحديد مجموعة من المقاييس الدولية المقبولة لمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات. بالمقابل، توجد هناك العديد من المبادرات[1] الدولية والتي تحاول النهوض بالممارسات الفضلى في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات. وتوجد المبادرات التالية من ضمن الأكثر شهرة في العالم:
- الاتفاق العالمي للأمم المتحدة (The United Nations Global Compact): تم تطويره سنة 2000 كإطار إختياري وكآلية للشركات من أجل تبني ممارسات متعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات والتقرير حول تنفيذها[2]. يتضمن هذا الاتفاق العالمي عشرة مبادئ تتعلق بحقوق الإنسان، وظروف العمل، والبيئة ومحاربة الفساد. وهو مبادرة تشمل عدة قطاعات وليست حكرا على قطاع المناجم.
- المجلس الدولي للتعدين والمعادن (ICMM): وهو مبادرة انطلقت سنة 2001 من داخل الصناعة المنجمية من أجل تطوير الأداء المرتبط بالتنمية المستدامة. ويلتزم أعضاء المجلس بلائحة تجمع القيم والمبادئ الأساسية ومنها الالتزام بممارسات الأعمال التجارية الأخلاقية (éthique des entreprises) والتنمية السوسيو-اقتصادية للساكنة المجاورة المتضررة.
- مؤشر داو جونس للإستدامة (DJSI): تم إطلاقه سنة 1999 بغرض مقارنة وتقييم الأداء المستدام للآلاف من الشركات العمومية العالمية في مختلف الصناعات. ومن أجل الانضمام إلى هذا المؤشر على الشركات أن تبين عن التزامها بالمشاكل الاجتماعية، والبيئية وتلك المتعلقة بالحكامة. ويتم تحيين المؤشرات سنويا كما أن الشركات تُراقب على طول السنة.
إن مسألة النهوض بالممارسات المستدامة والمسؤولة اجتماعيا في أوساط الصناعة المنجمية لمن الأهمية بمكان. وبالفعل، فالمدى الزمني المحدود وطبيعة المصادر المنجمية غير المتجددة تتطلب حاجة ملحة من شركات تدبير المناجم لتطوير استراتيجيات طويلة الأمد للمسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي سوف تضمن ظروفا سوسيو-اقتصادية مستدامة تتجاوز حياة المنجم بذاته. إن المشاركة النشطة لشركات تدبير المناجم في التنمية السوسيو-اقتصادية للمناطق المنجمية ليست ضربا من المساعدات الخيرية، بل إن التزام هاته الشركات بالمسؤولية الاجتماعية للشركات سيقوي سمعتها وسيساعدها على التخفيف من المخاطر البيئية والاجتماعية، و على تقوية تراخيصها الاجتماعية من أجل العمل داخل المجتمعات المحلية المعرضة للخطر.
نحو قطاع منجمي أكثر استدامة بالمغرب
إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات حديث نوعا ما في المغرب. فقد وضع الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) سنة 2006 ميثاقا [3] تحدد المسؤولية الاجتماعية للشركات، والذي تم تحيينه سنة 2017 لكي يعكس التطورات والتغييرات التي لحقت المفهوم في المغرب. ويوضح الميثاق قيم ومبادئ المسؤولية الاجتماعية للشركات والتي يأتي من ضمنها احترام حقوق الإنسان، والالتزام بظروف عمل لائقة، وبيئة حامية. ويبقى الالتزام بهذا الميثاق اختياريا، كما تعطى علامة تبين أن الشركة ملتزمة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات. وجدير بالذكر أن أكبر شركتان لتدبير المناجم بالمغرب وهما المكتب الشريف للفوسفاط و”مناجم” ملتزمتان بهذا الميثاق.
في حالة جرادة، من غير المعقول مساءلة شركة تدبير المنجم عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، لكونها أوقفت عمليات الاستخراج منذ أكثر من 20 سنة، وأصبحت الحكومة هي المسؤولة الأولى عن تدبير مشاكل المنطقة. لكن، هناك شركات أخرى لتدبير المناجم بالمغرب تعمل داخل مواقع كبرى لاستخراج معادن ذات قيمة كالفوسفاط، والحديد، والزنك، والنحاس، والرصاص. ومن أجل ضمان الالتزام الكامل والكلي لهاته الشركات بالتنمية السوسيو-اقتصادية في المجتمعات المحلية المعرضة للخطر، علينا أن نضع المسؤولية الاجتماعية للشركات في صلب النقاش حول السياسات العمومية.
توصيات:
مسؤولية الشركات في القطاع المنجمي
ينبغي على السلطات منح تراخيص استخراج المناجم للشركات التي تؤكد على المسؤولية الاجتماعية و أن تضعها أمام تحدي المساهمة في التنمية المحلية. فالاستراتيجيات الفعالة للمسؤولية الاجتماعية للشركات والتي تؤثر إيجابيا في حياة الساكنة المحلية يجب عليها أن:
- تدرج الاعتبارات الاقتصادية، والبيئية والمتعلقة بالحكامة: فبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركات يجب أن تدرج في جميع شركات تدبير المناجم، عوض أن تكون فقط برامج ثانوية أو مرحلية؛
- تتجاوز المقتضيات القانونية الأساسية؛
- تركز على المقاربة التشاركية، عوض نموذج الجهات المانحة غير المستدام؛
- تتلاءم وأوليات التنمية المحلية كما هو مسطر من طرف السلطات المحلية، وذلك من أجل ضمان معالجة المشاكل ذات الأولوية من طرف الشركات في برامجها المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات؛
- إدماج الساكنة المحلية في مثل هاته البرامج من أجل ضمان الالتزام بحل المشاكل المحلية؛
- والأخذ بعين الاعتبار الآثار السلبية لإغلاق المناجم بشكل جدي ومحاولة التخفيف منها، عوض التركيز على سياسة ترقيعية مرحلية. ولتحقيق ذلك وجب العمل على تمرير المهارات، والتعليم، والتكوين، وتقوية الشركات المحلية الصغرى والمتوسطة.
مسؤوليات الحكومة والسلطات المحلية
إن أفضل برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات تكون ناجحة بفضل دعم السلطات المحلية وأصحاب القرار. ولذلك، فعلى السلطات المحلية تشجيع بيئة محفزة من أجل تنفيذ هاته البرامج وذلك من خلال لعب أدوار إجرائية ك:
- إنشاء أرضيات من أجل تشجيع الشراكات بين شركات تدبير المناجم والساكنة المحلية؛
- وضمان مراقبة شفافة لشركات تدبير المناجم من أجل التأكد من تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات. ويمكن لهذا أن يتم عبر تدقيقات (audit) اجتماعية وبيئية تقوم بها سواء وزارة المعادن أو مكاتب تدقيق مستقلة مصادق عليها من طرف الدولة.
الهوامش:
[1] إن ممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات كما حددتها الأمم المتحدة متضمنة في الاتفاق العالمي للأمم المتحدة في حين يتم تحديد الممارسات والمعايير الجيدة الأخرى الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات بواسطة القطاعات والصناعات.
[2] عشرة مبادئ من الاتفاق العالمي للأمم المتحدة: https://www.unglobalcompact.org/what-is-gc/mission/principles
[3] جدول الاتحاد العام لمقاولات المغرب المتعلق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات; http://www.cgem.ma/upload/1618495181.pdf
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
كاتيا برادة
باحثة مشاركة في مركز دراسات مغربي. قبل العودة إلى المغرب، عملت كاتيا لفائدة وكالة تصنيف وشركات استشارية في فرنسا وبلجيكا. حصلت كاتيا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية غرونوبل للأعمال. تتمحور اهتماماتها البحثية الحالية حول التغييرات المؤسساتية، وديناميات ريادة الأعمال، والتنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.