[vc_row][vc_column][vc_column_text]
الكاتب: محمد مصباح
لفترة طويلة، هيمن “براديغم” (النموذج التحليلي) “مرونة السلطوية”، على تحليل السياسات في الشرق الأوسط. فوفقا لهذا النموذج، المتمثل في ثلاثية: “المشروعية، التدجين والقمع”، تمكّنت الأنظمة السلطوية من الاستمرار وتأبيد وضعها القائم.
وقد أدى ذلك، بقصد أو بدونه، إلى تركيز الباحثين على دراسة البنيات والمؤسسات (البرلمان، الحكومة والجيش…) والنخب (قيادات الأحزاب، التقنوقراط..)، باعتبارهم محركات التغيير. فوفق هذا “البراديغم”، فإن التغيير يأتي دائما من فوق، أي من طرف نخب الحظوة التي تمتلك القوة والموارد، فهي تحتل مناصب السلطة والثروة، وبالتالي الأقدر على صناعة التغيير.
في المقابل من ذلك، تنظر المقاربة نفسها للمواطن البسيط باحتقار، وتعتبره في أحسن الأحوال مادة للتحليل يفتقد للإرادة ومفعولا به. ومن ثمة، تجد صوته غير مسموع في معظم الدراسات حول العالم العربي، إلا باستثناءات قليلة.
في الوقت الذي لا يمكن فيه إنكار الدور الذي تلعبه البنيات والنخب في فهم سياسات الشرق الأوسط، إلا أن من نتائج إهمال دور البسطاء والمواطنين العاديين في السياسة، هي عدم قدرة هذه المقاربة على التنبؤ بثورات الربيع العربي سنة 2011. وهذا أمر طبيعي، فالتركيز على البنيات حجب رؤية الديناميات التي تعتمل تحت السطح.
ومن هنا عجز نموذج “مرونة السلطوية” عن تفسير كيف أن الأفراد العاديين، هم أيضا قادرون على تغيير السياسة من خلال مسلكياتهم اليومية البسيطة، التي تأخذ أحيانا شكل احتجاج سلبي على الأوضاع والمظالم، وفي أحايين أخرى تأخذ أشكالا أكثر تنظيما ونشاطا من خلال سياسات الشارع.
وهنا أرغب في الإشارة إلى راهنية التحليلات التي قدمها السوسيولوجي الإيراني الأصل، آصف بيات، لا سيما كتابه الموسوم بـ”الحياة سياسة: كيف يغير البسطاء السياسة في الشرق الأوسط”. هذا الكتاب ليس مهما لأن كاتبه يعتبر من أفضل دارسي الشرق الأوسط، ولكن، أيضا، لأنه من القلائل الذين استشرفوا “الربيع العربي”، ومن الباحثين الذين أخذوا على محمل الجد أصوات الفئات المحرومة لفهم سياسات الشرق الأوسط.
الفكرة الرئيسة، التي يدافع عنها، هي أن مجموعات المهمشين في العالم العربي شكلت هويات مشتركة وشبكات تضامن غير منظمة بفضل الإحساس بوجود تهديد مشترك. ولكونها غير منظمة، فإنها لم تنل اهتمام الدولة التي ركزت على قمع حركات المعارضة النشيطة. وقد ساهمت وسائل التواصل الجماهيرية من تعميق هذه الهوية المشتركة لمجموعات الهوامش، كما أدى تنشيط الشبكات السلبيةPassif وتراكم أنشطتها إلى تحولها في بعض الأحيان، إلى حركات اجتماعية منظمة من خلال النشاطات التي يقوم بها البسطاء في مقاومتهم لسلطة الدولة بشكل يومي.
ولكــن كيف تنشــأ حركـــات المقـــاومة غيــر المنظمــة في ظــل قمع الدولة؟
أولا، تستفيد من تركيز الدولة على قمع الحركات النضالية المنظمة. ثانيا، في ظل عجز الدولة عن تلبية حاجات وتطلعات المواطنين، فإنها تخلق تضامنات اجتماعية بين الفئات التي تعاني من المظالم نفسها.
وثالثا، لأنها حركات تضم المهمشين، الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من المواطنين، فإن الدولة لا تمتلك الأدوات الكفيلة لمواجهة ملايين المواطنين البسطاء الذين يخرقون القواعد والقوانين بشكل مستمر، وبالتالي تستفيد حركات الهامش غير المنظمة من فضاءات الحرية وتوسعها لصالحها.
لقد برهنت الانتفاضات الشعبية سنة 2011 عن إمكانيات التغيير من خارج المؤسسات السياسية الرسمية ونخب الحظوة، وأظهرت أن المواطن البسيط في ساحات الكرامة، ومن خلال أشكال تعبير يومية بسيطة بأنه فاعل ذو إرادة وقادر على تغيير الأوضاع، أحيانا من دون أن يقصد ذلك، وغالبا بأدوات مختلفة عن تلك التي تستعملها نخب الحظوة.
نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار اليوم
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
مدونة المعهد
مدونة المعهد المغربي لتحليل السياسات.