[vc_row][vc_column][vc_column_text]
الكاتب: محمد مصباح
في الآونة الأخيرة بات مصطلح “الوقاية من التطرف العنيف” أحد المفاهيم الرائجة بكثرة في وسائل الإعلام، وعلى لسان المنظمات الدولية. فقد تشكل اقتناع لدى الباحثين وصانعي السياسات أن الإجراءات الأمنية لوحدها غير كافية للحد من ظاهرة التطرف العنيف، ومن ثمة يقترح مناصرو هذا المفهوم معالجة جذور المشكل من خلال استهداف الأسباب والعوامل التي تدفع الأفراد والجماعات نحو التطرف، بدلا من معالجة نتائجه.
ومن هنا عَوّض مفهوم “الوقاية من التطرف العنيف” مفهوما آخر، هو ” مكافحة الإرهاب”، الذي هيمن على الحقل الإعلامي والسياسي لفترة طويلة خلال العقدين الماضيين، والذي كان يرتكز، أساسا، على اعتماد المقاربة الصلبة، أي الإجراءات الأمنية بشكل أساسي، والتي أدت في أحايين كثيرة إلى تعميق المشكل، وأعطت مبررات للأنظمة السلطوية لاستعمال ورقة الإرهاب لتبرير استعمال آلة القمع وانتهاك حقوق الإنسان، من دون أن تؤدي إلى معالجة جذور المشكل.
من الوهلة الأولى يظهر أن هذا المفهوم يمثل أحد الحلول الفعالة لتجاوز الأخطاء التي شابت مرحلة “الحرب العالمية على الإرهاب”، لا سيما أن هذه الأخيرة تعاملت مع ظاهرة معقدة من منطلق أمني صرف، في حين تطمح المقاربة الجديدة إلى تجاوز هذه الأخطاء. ولكن النظر المعمق إلى كل من مضمون المفهوم، وأيضا إلى السياسات المتبعة في هذا المجال، يحيل إلى تحديات في تنزيل مضامين هذه المقاربة.
التحدي الأول، مرتبط بمفهوم الإرهاب نفسه، والذي يعتبر أحد المفاهيم الأكثر إثارة للجدل. فالأمم المتحدة لم تقدم إلى حدود الساعة تعريفا دقيقا للمفهوم وأعطت بدلا من ذلك صلاحية تحديد مفهوم الإرهاب إلى الحكومات، وهو ما دفع العديد من الأنظمة السلطوية إلى توسيع وتمطيط المفهوم لإدخال جماعات وأفراد سلميين في خانة الإرهاب، وهذا ما نتج عنه خلط (بشكل مقصود أو غير مقصود) بين الإرهاب والتطرف، بحيث يتم وضع الأشخاص الذين يمتلكون رؤى معارضة للنظام أو جماعات منغلقة ومتزمتة في الخانة نفسها مع المجموعات التي تستعمل العنف بشكل فعلي للوصول إلى أهداف سياسية. في حين أن التطرف الفكري هو أمر مختلف عن الإرهاب، ولا يؤدي التطرف بالضرورة إلى ممارسة أفعال إرهابية.
التحدي الثاني، هو أنه بالرغم من تأكيد صانعي السياسات على معالجة جذور التطرف، إلا أن المقاربة السائدة تركز بالأساس على اعتبار الإيديولوجيا المحرك الأساسي للتطرف والإرهاب وإغفال الأبعاد المعقدة للظاهرة، لا سيما الأبعاد النفسية والبيئة السياسية والاجتماعية وأهميتها في إنتاج التطرف. وقد كرس مثقفون غربيون – لا سيما في فرنسا – هذا الخلط عبر ربط الإسلام بالتطرف، في حين تم إغفال دور السلطوية والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي كأسباب جذرية لهذه الظاهرة.
التحدي الثالث، مرتبط، أساسا، بالممارسات العملية والسياسات المتبعة. فرغم وضع معظم الحكومات خططا واستراتيجيات لمكافحة التطرف العنيف والوقاية منه، إلا أن هذه السياسات تتميز بعدم انسجامها. فبالرغم من إدراك بعض الحكومات لأهمية الوقاية من التطرف، لا سيما على مستوى الإدماج السياسي والاجتماعي للفئات التي لديها قابلية للتطرف، أو إعادة إدماج المتطرفين السابقين في المجتمع، ولكن الممارسات العملية أظهرت نتائج معاكسة، فقد لجأت بعض الحكومات في أوروبا إلى توسيع رقعة مراقبة المسلمين والتضييق عليهم، كما عملت حكومات في العالم العربي على تبرير قمع المعارضين تحت طائلة مكافحة الإرهاب.
ومن هنا، فإذا لم يتغير مضمون السياسات، فإن مفهوم “الوقاية من التطرف” لا يعدو أن يكون قوقعة فارغة سرعان ما سيظهر فشلها وستعوض بمفهوم آخر، في إطار موضة جديدة أخرى لمكافحة الإرهاب.
نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار اليوم
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
مدونة المعهد
مدونة المعهد المغربي لتحليل السياسات.