[vc_row][vc_column][vc_column_text]
إنّ قاعدة تحالفات المغرب المتنوعة ودوره كفاعل أمنيّ إقليميّ رئيس يقلّلان من احتمالات قبوله لانتقادات الاتحاد الأوروبي لسياساته الداخلية – رغم أنّه يُحتمل أن يواصل اهتمامه بالتوصيات الخاصة باقتصاده طالما أنّه يتلقى تمويلاً من الاتحاد
نُشِرت هذه المقالة في الأصل على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية
يحكم النظام المغربي بقيادة الملك محمد السادس بلداً يفتقر إلى موارد الطاقة ويعاني مشاكل اجتماعية واقتصادية مزمنة ونزاعاُ إقليمياً طويل المدى على الصحراء. ويرى المغرب في الاتحاد الأوروبي مصدراً رئيسياً للدعم في مواجهة هذه المشاكل، وهو ما يعطي الاتحاد الأوروبي نفوذاً كبيراً في المغرب – حتى مع مضي البلاد نحو تعزيز موقفها في هذه العلاقة.
يعتمد المغرب على التجارة مع أوروبا ومساعداتها المالية ودعمها الدبلوماسي في قضية الصحراء وهو يكن تقديراً خاصاً لعلاقته مع فرنسا التي تعتبرها الملكية حليفاً ثابتاً لها. ومع ذلك، تعتبر السلطات المغربية اعتماد المغرب المفرط على أوروبا نقطة ضعف، فللحفاظ على العلاقات التجارية ومواصلة تلقي المساعدات الثنائية من الاتحاد الأوروبي، كان على النظام المغربي في كثير من الأحيان قبول قيود تجارية وانتقادات لوضعية حقوق الإنسان لديه من بعض الدول الأوروبية. لقد دفع هذا الأمر صانعي القرار المغاربة في السنوات الأخيرة إلى تنويع قاعدة دعم البلاد عن طريق تعزيز الروابط مع دول مجلس التعاون الخليجي وإقامة علاقات جديدة مع شركاء غير تقليديين مثل الصين وروسيا.
يعود اعتماد المغرب الاقتصادي المفرط على أوروبا إلى وضع الاتحاد الأوروبي الخاص باعتباره شريكاً تجارياً رئيسياً للمملكة وأكبر مصدر للمساعدات الثنائية لها، حيث يُعتبر المغرب أكبر المستفيدين من مساعدات الاتحاد الأوروبي في حوض البحر الأبيض المتوسط، إذ تلقّى المليارات من اليورو من طرف كل من الآلية الأوروبية للجوار والبنك الأوروبي للاستثمار بين العامين 2014 و2017.
وعلى الرغم من أنّ النظام ينظر إلى مساعدات الاتحاد الأوروبي والتجارة معه نظرة إيجابية، إلّا أنّ حفيظته أثيرت بسبب الانتقادات الأوروبية لمقاربته في مجال حقوق الإنسان – ولاسيما تلك المرتبطة بالقمع الذي أعقب الثورات العربية عام 2011 – ولرفضه إلى وقت قريب التفاوض حول قضية الصحراء، وهو ما اتّضح من خلال خطاب الملك محمد السادس في قمة مجلس التعاون الخليجي عام 2016 في ذروة التوتر بين المغرب وبعض المنظمات الدولية (بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) حول النزاع الإقليمي حيث أوضح أنّ النظام المغربي لن يقبل أي تدخل في سياساته الداخلية.
على الرغم من هذا التوتر، عملت الرباط على الحفاظ على علاقات طيبة مع الاتحاد الأوروبي إدراكاً منها أنّ الانتعاش الاقتصادي في المغرب يعتمد على التجارة مع أوروبا ومساعدات الاتحاد الأوروبي. وحتى في كلمته في القمة المشار إليها آنفاً، شدّد الملك على أنّ المغرب سيسعى إلى الحفاظ على شراكاته مع حلفائه الحاليين (مثل دول الاتحاد الأوروبي) بالرغم من إقامة المغرب لتحالفات جديدة مع كلّ من روسيا والصين. مع ذلك، فإنّ هذه الشراكات الجديدة للمغرب تتيح له تعزيز موقفه التفاوضي تجاه أوروبا.
المخاوف المتعلقة بالأمن والهجرة
في ظل ازدياد الاضطرابات الناتجة عن الثورات العربية في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، هيمنت المخاوف الأمنية المتعلقة بالإرهاب والهجرة وتفكّك الدول على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وشمال أفريقيا. يُعتبر المغرب منطقة نادرة من حيث الاستقرار النسبي في منطقة شديدة التقلّب. لقد سمح هذا الأمر للمغرب بتقديم نفسه على أنه حليف موثوق به لأوروبا ووجهة آمنة للاستثمار وكذلك باعتباره فاعلاً رئيساً في حلّ أزمة التطرّف في شمال أفريقيا ووقف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها على الأراضي الأوروبية (ولاسيما في بلجيكا وفرنسا وإسبانيا)، وهو ما يمنح النظام المغربي تأثيراً إيجابياً في تعاملاته مع الاتحاد الأوروبي وتعويض اعتماده على الدعم المالي والدبلوماسي الأوروبي.
كما يستخدم المغرب بصورة متزايدة دوره في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ولاسيما إسبانيا، لتعزيز موقفه في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، حيث يكنّ الكثير من المواطنين المغاربة احتراماً شديداً لأوروبا – بالرغم من أنّ هذا الأمر بدأ يتغيّر حالياً. فوفقاً لدراسة أجرتها دول الجوار الأوروبي بالجنوب (EU Neighbours South)، فقد انخفض معدل المغاربة الذين ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي نظرة إيجابية بنسبة 13 نقطة مئوية ما بين عامي 2017 و2018. ومع ذلك، وبالرغم من هذا الانخفاض، لايزال لدى 59 بالمائة من المستجوبين نظرة إيجابية للاتحاد الأوروبي، حيث يربط الكثير من المغاربة المستجوبين الاتحاد بمفاهيم مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الفردية، كما يُعتبر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي ولاسيما في فرنسا وإسبانيا من بين العوامل المساهمة في تعزيز المد الثقافي الأوروبي في المغرب.
فضلا عن ذلك، يرسم الكثير من الشباب في المغرب صورة مثالية للحياة في أوروبا مما يجعلها وجهة جذب رئيسية للمهاجرين من المغرب، كما أنّ نسبة المستجوبين في المغرب والذي يرون أنّ الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يؤدّي دوراً أكبر في بلادهم – من خلال التجارة والتنمية الاقتصادية والهجرة – أكبر من النسب في أي بلد آخر في منطقة المغرب العربي، حيث أنّ نسبة 71 بالمائة من المستجوبين المغاربة يرون أنّ الاتحاد الأوروبي له تأثير إيجابي على تنمية بلادهم. وفي هذه البيئة، يمكن للاتحاد الأوروبي تعزيز نفوذه الذي يتمتع به في المغرب من خلال برامج المساعدات الموجهة للمجتمعات المحلية.
الخلاصة
يدرك النظام المغربي أنّه لا يستطيع الاستغناء عن التجارة والمساعدات الأوروبية. غير أنّ جهود تنويع حلفائه – من خلال تحالفاته مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول الإفريقية وكذلك الصين وربما روسيا – ستجعله أقلّ اعتماداً على الاتحاد الأوروبي في المستقبل. سيظل دور المغرب في الحد من الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب يساهم في جعل البلد حليفاً مهمّاً للاتحاد الأوروبي، غير أنّ احتمال مواصلة قبول المغرب لانتقادات الاتحاد الأوروبي لسجله الحقوقي أو لنزاعه الإقليمي سيكون أقلّ – بالرغم من أنه من المحتمل أن يواصل اهتمامه بالتوصيات الخاصة باقتصاده طالما أنّه يتلقى تمويلات من الاتحاد الأوروبي. في المقابل، ستظل العلاقات الفرنسية المغربية قوية، بل قد تعزّز باريس من نفوذها في المغرب في ظل النظرة شديدة الإيجابية لفرنسا لدى النظام الحاكم والشعب على حد سواء.
وأخيرا، وهو الأهم، فإنّ النزاع على الصحراء سيظل خطاً أحمر بالنسبة للنظام المغربي في علاقاته مع أوروبا. لقد رحّب المغرب بقبول الاتحاد الأوروبي الواضح لهذا الواقع كما تبين ذلك من الموقف الذي تبنته في يونيو 2019 فدريكا موغريني ثمّ الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. من شبه المؤكد أنّ النظام المغربي سينأى بنفسه عن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إذا رأى أنّهم يدعمون أي انتهاكات للسيادة الترابية للمغرب.[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
ياسمينة أبو الزهور
أبو الزهور هي زميلة زائرة في مركز بروكنجز، و حازت دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أوكسفورد حيث أعطت محاضرات لمرحلتي البكالوريوس والدكتوراه في السياسات المقارنة والعلاقات الدولية والحوكمة الاقتصادية. تركّز بحوثها على استمراريّة الأنظمة السلطويّة وتحوّلاتها، والسلوك الاستراتيجي الذي تعتمده هذه الأنظمة، وتفاعلات الأنظمة مع التيارات المعارضة، و تعدد المنهجيات. وهي تكتب كتابًا حول استمراريّة الأنظمة الملكية العربية و تكمل عدة مشاريع حول سياسة و اقتصاد دول شمال أفريقيا. وقد عملت أبو الزهور سابقًا كمحللة مخاطر سياسية في أوكسفورد أناليتيكا، و حصلت على درجة البكالوريوس بتميّز في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا.