[vc_row][vc_column][vc_column_text]
بالرغم من ارتفاع درجة التوتر بين المغرب والجزائر منذ تغيير قيادة الدولة في الجزائر، إلا أنه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى الإخلال بنظام التوازن القائم في المنطقة المغاربية منذ عقود.
تحميل المقال
شكل وصول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الرئاسة في دجنبر 2019 فرصة لضخ دماء جديدة في العلاقات المغربية-الجزائرية، التي تعرف جفاء منذ عقود. بيد أن العلاقة في الحقيقة لم تتحسن، بل يُلاحظ تزايد مؤشرات التوتر والتصعيد اتجاه المغرب؛ فمن ناحية، ارتفعت نبرة وحدة انتقاد السلطات الجزائرية[1] للمغرب، علاوة على رفضها المتكرر الاستجابة لأي حوار سياسي يفضي إلى تسوية الخلافات بين البلدين، رغم الإلحاح المغربي على ذلك؛ ومن ناحية ثانية، فإن الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو يزيد من درجة التوتر، وهو ما ظهر من خلال الاحتضان الرسمي والإعلامي للتصعيد القائم منذ 21 أكتوبر 2020 من لدن جبهة البوليساريو في معبر الكركرات على الحدود المغربية الموريتانية[2].
من المؤكد أن مؤشرات التصعيد الجديدة تعزز التوتر بين البلدين حول الملفات القديمة، وأبرزها استمرار غلق الحدود البرية، وتغذية الانفصال في الصحراء، والتنافس حول الزعامة الإقليمية، ما يجعل البلدان يعيشان على وقع حرب باردة طويلة الأمد، تفيد أن النزاع بنيوي في العلاقات بينهما. لهذا من غير المرجح أن تؤدي عناصر التوتر الجديدة إلى الإخلال بنظام التوازن بينهما، وذلك بسبب قدرة الطرفين، طيلة عقود ماضية، على ضبط التوتر في حده الأدنى، بالمقارنة مع مناطق أخرى من الشرق الأوسط على سبيل المثال.
تجادل هذه الورقة أن الدينامية الجديدة في الدبلوماسية الجزائرية هدفها الرئيسي ملء الفراغ الدبلوماسي والسياسي الذي تميّزت به السياسة الخارجية الجزائرية خلال الفترة ما بين 2013 حتى 2019، أي منذ مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة حتى تنحيه تحت ضغط الحراك الشعبي. إلا أن هذه الدينامية الجديدة قد تنفلت عن هدفها نحو صدام محدود مع المغرب، قد تستعمل فيه جبهة البوليساريو للتحرش به في الصحراء، كما تدل على ذلك مؤشرات التصعيد الجديدة، ولكن من المستبعد أن يؤدي ذلك إلى الإخلال الشامل بنظام التوازن القائم بين البلدين منذ عقود.
مؤشرات التصعيد الجديد
تتصور السلطات الجزائرية أن التغيّر على مستوى قيادة الدولة في دجنبر 2019 يمثل فرصة لاستئناف الدور الإقليمي للجزائر، وتدارك غيابها في قضايا حساسة لأمنها القومي، سواء في مالي أو ليبيا. إلا أن هذه الدينامية تحمل رسائل غير ودّية اتجاه المغرب، في سياق التنافس الطويل بينهما على الزعامة الإقليمية.
مؤشرات التصعيد الجزائري ضد المغرب تتمثل في عدد من الوقائع والمواقف؛ أبرزها على مستوى الخطاب السياسي والإعلامي، فالرئيس عبد المجيد تبون ما فتئ يعبّر عن “مواقف متشددة، وأحيانا مستفزة[3]“، فيما يخص القضايا الخلافية مع المغرب، وخصوصا قضية الصحراء وغلق الحدود البرية منذ سنة 1994، وهي مواقف تكرّرت في أكثر من مناسبة[4]، لكنها صارت أقل استفزازا، فيما يبدو، بعد توليه للسلطة رسميا في 20 دجنبر 2019، لكنه ظل وفيّا لها حتى الآن.
ورغم أن الرئيس الجزائري عبّر في أكثر من خطاب، أنه لا يحمل أي عداء “للشعب المغربي”، ويؤكد باستمرار أن الشعبين المغربي والجزائري “يحبون بعضهم البعض”، إلا أنه لا يتردد في وصف المغرب بالبلد “المحتل” و”المستعمر” للصحراء الغربية، ويرفض الاستجابة للمبادرة المغربية[5] للحوار الثنائي والشامل مع بلاده، وهي المبادرة التي رحبت بها الأمم المتحدة ومنظمات قارية وإقليمية أخرى، كما رحبت بها هيئات شعبية ومدنية من البلدين.
الملاحظ أن الخطاب المتشدد للرئيس الجزائري اتجاه الوحدة الترابية للمغرب، يجد صداه لدى قيادة الجيش الجزائري بشكل أكثر حدة واستفزازا، إذ تضمّن عددي شتنبر وأكتوبر 2020 من مجلة “الجيش”[6] التي تصدرها قيادة أركان الجيش الجزائري، مواقف تشكك في مغربية الصحراء والوحدة الترابية للمغرب، وهي مواقف تُعد امتدادا للعقيدة العسكرية الجزائرية المعادية للمغرب نظاما ودولة، كما أنها ترجمة عملية للمواقف العدائية التي سبق وأن عبّر عنها قائد الأركان الجزائري الحالي، السعيد شنقريحة، في مارس 2016، لما كان قائدا للمنطقة العسكرية الثالثة[7].
على المستوى العسكري، اعتبرت الجزائر إعلان المغرب التخطيط لبناء قاعدة عسكرية بإقليم جرادة (شرق المملكة) لإيواء الجنود “تصعيدا”[8] ضدها، ورغم عدم تأكيد السلطات الجزائرية إذا ما كانت سترد ببناء قاعدة أو قاعدتين عسكريتين على حدودها الغربية، في إطار سياسة المعاملة بالمثل، إلا أن وسائل إعلامية جزائرية[9] أكدت وجود مثل هذا القرار دون أن تنفي ذلك السلطات العسكرية أو السياسية الجزائرية.
وقد عرفت العلاقة بين البلدين توترا دبلوماسيا، إثر تصريحات عابرة للقنصل المغربي في وهران وصف فيها الجزائر بـ”البلد العدو”[10]، إثر استقباله مواطنين مغاربة في 13 ماي 2020 أمام مقر القنصلية. ولعل أقوى المؤشرات على ذلك حجم المؤسسات الجزائرية التي انخرطت في الرد على القنصل المغربي، وعلى رأسها الرئاسة الجزائرية، ووزارة الخارجية الجزائرية[11]. وقد بادر المغرب إلى سحب القنصل العام لتجنب تصعيد التوتر من جهته مع الجزائر.
ورغم أن السلطات الجزائرية تزعم بأنها ليست طرفا في النزاع حول قضية الصحراء، إلا أن سلوكها السياسي يؤكد خلاف ذلك. فقد عبّرت عن غضبها من إقدام دول افريقية على فتح قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، بل إن وزارة الخارجية الجزائرية لجأت إلى أسلوب الاحتجاج الدبلوماسي من خلال استدعاء السفير الإيفواري لديها في فبراير 2020 بحجة أن وزير الخارجية الإيفواري قد أدلى من مدينة العيون بتصريحات “مبطنة”[12]، زعمت الجزائر أنها تتعارض والمبادئ المؤسسة للاتحاد الافريقي، ما استدعى ردّا مغربيا على السلوك الجزائري، حيث اعتبر وزير الخارجية والتعاون المغربي أن “فتح قنصليات هو قرار سيادي للدول”[13]، منتقدا التدخل الجزائري في شؤون دول افريقية أخرى.
إلا أن التصعيد الجزائري ضد المغرب بلغ مداه باحتضان الجزائر رسميا[14] لمناوشات جبهة البوليساريو ضد المغرب في المعبر الدولي-الكركرات، وهي الخطوة التي وفّرت لها جبهة البوليساريو الغطاء العسكري، في حين وفّرت لها الجزائر الغطاء السياسي والإعلامي، حين استضاف التلفزيون الجزائري الأمين العام للجبهة يوم 2 أكتوبر 2020 للقول إن أي مساس بأي صحراوي قطع طريق معبر الكركرات معناه “العودة إلى الحرب”[15].
لقد كان خطاب الأمين العام للبوليساريو إيذانا للعناصر المحسوبة على الجبهة بالتحرك فعليا من أجل قطع معبر الكركرات، ما تسبب في وقف الحركة التجارية والمدنية بين المغرب وموريتانيا طيلة الفترة ما بين 21 أكتوبر و13 نونبر 2020. وقد وصف بلاغ وزارة الخارجية المغربية ذلك العمل بـ”أعمال عصابات”، قبل أن يعلن الجيش المغربي عن عملية عسكرية، طبقا لقواعد اشتباك تجنبت الاتصال بالمدنيين، أعاد بموجبها إرساء حركة التنقل التجارية والمدنية بين موريتانيا والمغرب، كما أقام جدارا أمنيا لصد أي محاولة جديدة لقطع المعبر وعرقلة حركة التنقل المدنية والتجارية[16].
اعتبرت الجزائر قرار الجيش المغربي بالتدخل لرفع العرقلة في وجه حركة التنقل بمثابة “انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار” الموقع بين جبهة البوليساريو والأمم المتحدة سنة 1991، وهو الموقف الذي تبنته الجبهة وأعلنت بموجبه انسحابها من الاتفاق المذكور[17]، والإعلان، من جهتها، العودة إلى الحرب مع المغرب.
حدود التوتر بين الجارين
بالرغم من التوتر والتصعيد الإعلامي والسياسي، وكذا إعلان جبهة البوليساريو الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، إلا أنه من غير المرجح أن يتطور الصدام بين الطرفين؛ الجزائر والبوليساريو من جهة، والمغرب من جهة ثانية، نحو خلخلة التوازن القائم بينهما لعدة عقود، لأسباب عديدة.
فمن جهة أولى، يعاني النظام الجزائري من شرعية ناقصة بسبب الضغط الشعبي القائم منذ فبراير 2019، ولا يبدو أنه قد يتوقف قريبا، رغم التراجع الذي فرضته القيود على الحريات المدنية والسياسية خلال جائحة كورونا، ولعل المؤشر الأقوى على ذلك أن نسبة المشاركة الهزيلة في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، ليوم فاتح نونبر 2020، لم تتجاوز 23,8 في المائة[18]، ما يعني استجابة واسعة وسط الرأي العام الجزائري للحراك الشعبي وللقوى الرافضة للدستور الجديد، وبالتالي شرعية منقوصة للنظام السياسي القائم برئاسة عبد المجيد تبون.
ومن جهة ثانية، تبدو النخب الحاكمة في الجزائر منقسمة على نفسها؛ فعلى صعيد أول، تقود النخب الموجودة حاليا في مركز السلطة حملة لتصفية تركة النخب التي حكمت إلى جانب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتي قادت بموجبها رؤساء حكومات ووزراء سابقون، وأمنيون، ورجال أعمال، إلى السجون؛ وعلى صعيد ثان، تتحدث تقارير إعلامية[19] عن تنافس شرس بين مؤسستي الجيش والرئاسة، حيث تسعى القيادة الجديدة للدولة إلى استعادة السلطة كاملة، وبين المؤسسة العسكرية التي تعتبر نفسها المدافع الأول عن الدولة الجزائرية.
علاوة على ذلك، ثمة كوابح أخرى تحول دون انفلات الأوضاع نحو مواجهة شاملة بين البلدين، تتمثل في التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا على كلا البلدين، وهي تداعيات يمكن أن تسهم في تعزيز التوترات بين المجتمع والسلطة في كل دولة، بسبب ارتفاع البطالة إلى 15 في المائة، وإغلاق آلاف المقاولات الصغرى والمتوسطة، وانخفاض الناتج الوطني الإجمالي بنسبة 3,9 في المائة، وحسب توقعات صندوق النقد الدولي من المرجح أن ينكمش الاقتصاد الجزائري بنسبة 5,2 في المائة، مع عجز في الميزانية هو الأعلى في المنطقة[20].
تؤكد المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السالفة الذكر أن الجزائر تمر بأزمة مركبة، يبدو أنها وراء اندفاع القيادة الجديدة نحو تصعيد التوتر مع المغرب، من خلال اختلاق مناوشات لصرف أنظار الرأي العام الجزائري بعيدا عن أزماته الداخلية المعقدة، كما يحصل حاليا بواسطة ميليشيات البوليساريو في الكركرات وعلى طول الجدار الأمني، لكن لا يبدو أن من مصلحة الدولة الجزائرية الإخلال الجوهري بنظام التوازن القائم في المنطقة، والذي جرى تطويعه من لدن الدولتين عبر عقود، وترعاه قوى دولية وإقليمية، لذا من غير المرجح أن تسمح بانهياره، حتى لو سعت إلى ذلك أطراف داخل النظام الجزائري.
الهوامش
[1] – Thierry Portes et Mélanie Matarese, Le président algérien au Figaro: «Je suis prêt à aller loin pour moraliser le pays», Publié le 19/02/2020. https://www.lefigaro.fr/international/le-president-algerien-au-figaro-je-suis-pret-a-aller-loin-pour-moraliser-le-pays-20200219.
[2] – وكالة الأنباء الجزائرية، غالي لا يستبعد تكرار سيناريو اكديم إزيك في الكركرات ويحذر من الدفع نحو التصعيد، تاريخ النشر: 2 أكتوبر 2020، http://www.aps.dz/ar/monde/92990-2020-10-02-07-59-07
[3] – سعيد الصديقي، هل ستتغير السياسة الخارجية الجزائرية في جوارها الإقليمي خلال العقد المقبل؟ https://mipa.institute/7431
[4]– خطاب الرئيس عبد المجيد تبون يوم تنصيبه رئيسا للجزائر، في 19 دجنبر 2019.
[5]– خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، في 6 نونبر 2018.
[6]– انظر على الرابط التالي: https://www.mdn.dz/site_principal/sommaire/revues/images/EldjeichSep2020Ar.pdf
[7]– حصري…تصريحات عدائية للمغرب من اللواء الجزائري سعيد شنقريحة https://www.youtube.com/watch?v=B_1TOVzoG6s
[8]– حوار الرئيس عبد المجيد تبون مع قناة “فرانس 24″، نشر بتاريخ 24 يوليوز 2020.
[9]– https://www.observalgerie.com/lalgerie-va-construire-deux-bases-militaires-a-la-frontiere-avec-le-maroc/2020/
[10] – https://fr.le360.ma/politique/exclusif-entretien-telephonique-entre-nasser-bourita-et-son-homologue-algerien-215402
[11]– المغرب يسحب قنصله من الجزائر.. وصفها بـ”البلد العدو” فطُلب منه المغادرة، عربي بوست، نشر بتاريخ 10 يونيو 2020.
[12] – بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية، في 20 فبراير 2020.
[13] – المغرب: فتح قنصليات بالعيون قرار سيادي للدول، الشرق الأوسط، في 29 فبراير 2020.
[14] – بيان البرلمان الجزائري حول الوضع في الصحراء، 16 نونبر 2020.
[15] – وكالة الأنباء الجزائرية، غالي لا يستبعد تكرار سيناريو “إكديم إزيك” في الكركرات ويحذر من الدفع نحو التصعيد، في 2 أكتوبر 2020
http://www.aps.dz/ar/monde/92990-2020-10-02-07-59-07
[16] – Le360 (avec MAP) , LE PASSAGE D’EL GUERGUERAT À PRÉSENT COMPLÈTEMENT SÉCURISÉ, ANNONCE L’ÉTAT-MAJOR GÉNÉRAL DES FAR, Publié le 13/11/2020, https://fr.le360.ma/politique/le-passage-del-guerguerat-a-present-completement-securise-annonce-letat-major-general-des-far-227219
[17] – bladi, Le Polisario se retire de l’accord de cessez-le-feu de 1991 signé avec le Maroc, Publié le 15/11/2020,https://www.bladi.net/polisario-accord-cessez-le-feu,76170.html
[18] – APZ, Le Conseil constitutionnel proclame les résultats définitifs et officiels du scrutin, Publé le 12/11/2020,http://www.aps.dz/algerie/112733-le-conseil-constitutionnel-proclame-les-resultats-definitifs-et-officiels-du-scrutin
[19] –Thomas Hamamdjian, Algérie : de l’eau dans le gaz entre Tebboune et Chengriha?, Publié Le 16/10/2020, https://www.jeuneafrique.com/1058837/politique/algerie-de-leau-dans-le-gaz-entre-tebboune-et-chengriha/
[20] – مؤشرات مقلقة للاقتصاد الجزائري بسبب كورونا، القدس العربي، في 9 غشت 2020. [/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
إسماعيل حمودي
إسماعيل حمودي، حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2018، حول السياسة الأمنية للمغرب، يعمل حاليا أستاذا للعلوم السياسية بالكلية متعددة التخصصات تازة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، وله دراسات في مجلات علمية محكمة، ومقالات منشورة في مراكز أبحاث، سبق له أن كان صحافيا مهنيا، ولا زال كاتب رأي في صحيفة "أخبار اليوم" و"اليوم 24".