الحلقة السادسة من كافي بوليتيكو تناقش: كيف يمكن لمؤسسات الحكامة تجويد العمل البرلماني؟
منح دستور 2011 مؤسسات الحكامة مكانة متميزة ضمن خريطة المؤسسات الدستورية التي تشكل قفزة نوعية في مجال ترسيخ دولة القانون والحريات، بعد تنصيصه على ضمان استقلاليتها واستفادتها من دعم أجهزة الدولة . وفي الوقت الذي تأخر خروج بعض المؤسسات الدستورية إلى حيز الوجود حتى الآن لأسباب متداخلة، وتَعَثَّرَ استكمال أخرى لبنائها التنظيمي، فإن مؤسسات الحكامة قطعت أشواطا كبيرة في سياق مراجعة إطارها القانوني وبلغت مرحلة النضج.
وتستمد مؤسسات الحكامة مركزيتها من تعاونها مع البرلمان، حيث يمكن استشارتها من طرف اللجن الدائمة للمؤسسة التشريعية في مقترحات القوانين وفقا لأحكام النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان، وكذا في كل المسائل المتعلقة بمجال اختصاصاتها، مما يساهم في تجويد العمل البرلماني، خاصة في الشق المتعلق بالتشريع.
وضمن مؤسسات الحكامة والتقنين المنصوص عليها في الدستور، يبرز مجلس المنافسة كهيئة مستقلة مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار ، والذي يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي .
بيد أن هذه المؤسسة الدستورية استأثرت باهتمام بالغ منذ دجنبر 2015، تاريخ رفع الحكومة الدعم نهائيا عن كل المحروقات السائلة (الغازوال والبنزين) وكل أنواع الفيول ، لترتفع المطالب الموجهة إليها بضرورة اضطلاعها بدورها كسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي كما هي مُعَرَّفَةٌ في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ، خاصة بعد ارتفاعات غير مفهومة شهدتها أسعار المحروقات في الأشهر الموالية، وتصاعد الحديث عن شبهات حول حصول ممارسات منافية لقواعد المنافسة في السوق.
وتَعَزز هذا الاهتمام بشكل أكبر في مارس 2021، بعد تعيين العاهل المغربي محمد السادس رئيسا جديد للمجلس، غداة رفع تقرير اللجنة الخاصة المكلفة من قِبَله بإجراء التحريات اللازمة لتوضيح وضعية الارتباك الناجمة عن القرارات المتضاربة لمجلس المنافسة، بشأن مسألة وجود توافقات محتملة في قطاع المحروقات، الواردة في المذكرات المتباينة، التي تم رفعها إلى الملك في 23 و28 يوليوز 2020 ، وأيضا أمره بإحالة توصيات اللجنة المذكورة إلى رئيس الحكومة بهدف إضفاء الدقة اللازمة على الإطار القانوني الحالي للمجلس، وتعزيز حياده، وترسيخ مكانته كهيئة مستقلة، تساهم في تكريس الحكامة الجيدة، ودولة القانون في المجال الاقتصادي، وحماية المستهلك .
لم يجد الأمر الملكي ترجمة فعلية لدى حكومة سعد الدين العثماني (2017-2021) لانشغالها بالتحضير لانتخابات الـ8 من شتنبر 2021، لكن حكومة عزيز أخنوش احتاجت إلى خمسة أشهر كاملة لإعداد مشروعي قانونين يقضيان بتغيير وتتميم القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، والمصادقة عليهما في اجتماع مجلسها المنعقد في 24 مارس 2022، وإلى ثلاثة أشهر أخرى لإحالتهما للبرلمان (الأسبوع الأخير من يونيو)، واللذين تمت المصادقة عليهما في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب في 21 يوليوز 2022، فيما يُسجل تأخر غير مفهوم في استكمال مسطرة التصديق عليهما.
وتبدو الحاجة ملحة اليوم لتعديل الترسانة القانونية لمجلس المنافسة، لأنها الكفيلة بإنهاء حالة “تكبيل المجلس لنفسه”، بعد قراره عدم متابعته التحقيق في الشكاية حول شبهة وجود توافقات بين الشركات إلى حين تغيير القانون ، رغم اشتغاله بشكل طبيعي واضطلاعه بكل اختصاصاته في باقي الملفات، وإصداره في 13 شتنبر الماضي رأيا بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية ، قدم تشخيصا دقيقا لقطاع المحروقات، ورَصَدَ مشاكله المتمثلة أساسا في غياب الشفافية في الحصول على رخصة الاستيراد، واعتماد المغرب كليا على الواردات لتموين حاجياته من المنتجات النفطية المكررة بعد إغلاق مصفاة “لاسامير” ، والعجز المزمن في المخزون الاحتياطي.
وبحثا عن أجوبة شافية لكل الإشكالات السالفة الذكر، بدءا من استحضار مركزية مؤسسات الحكامة في العمل التشريعي، ومرورا بتقييم أدائها في علاقتها مع البرلمان، وانتهاء بحصيلة عمل مجلس المنافسة كنموذج يستأثر باهتمام أكثر من غيره في الآونة الأخيرة، يُخَصص برنامج “كافي بوليتيكو” موضوع حلقته الجديدة لمقاربة هذا الموضوع الشائك، انطلاقا من أربعة محاور أساسية، وهي:
– تموقع مؤسسات الحكامة ضمن خريطة المؤسسات الدستورية؛
– إسهام مؤسسات الحكامة في تجويد العمل البرلماني سواء الرقابي أو التشريعي؛
– حصيلة عمل مجلس المنافسة على مستوى تقديم الآراء الاستشارية للبرلمان؛
– أشكال التعاون بين البرلمان ومجلس المنافسة للتعاطي مع الملفات الحارقة -ملف المحروقات نموذجا-.
ضيوف الحلقة