[vc_row][vc_column][vc_column_text]
أسبوعية الأيام المغربية تحاور د. محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، لتحليل نتائج إستطلاع رأي المعهد حول تصورات المواطنين المغاربة للتدابير الحكومية في مواجهة وباء كورونا المستجد
سؤال: بدا لافتا في نتائج الدراسة الاستطلاعية أن الشباب أكثر قلقا من انتشار الفيروس مقارنة مع الفئات الأكبر سنا المفترض أنهم الأكثر عرضة للخطورة في حالة الإصابة بالجائحة، كيف يمكن تفسير ذلك؟
مصباح: فعلا أظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي أنجزناه مؤخرا مفارقة، وهي أن فئة كبار السن (60 سنة فما فوق) نسبيا أقل قلقا من الفئات العمرية الأصغر. ولا أخفيكم أنني تفاجأت أيضا بهذه النتيجة، إذ تبدو غير متوقعة، وذلك باعتبار أن كبار السن أكثر عرضة للخطر مقارنة مع الفئات الشابة. ولكن دائما في استطلاعات الرأي يكون مثل هذا النوع من المفاجئات الغير متوقعة. ولكن قبل تقديم تفسيرات محتملة لهذا التباين، ينبغي الإشارة إلى أن حوالي 72 في المائة من كبار السن عبروا عن قلقهم، وهي نسبة عالية في كل الأحوال، ولكن النسبة وصلت إلى 81 في المائة تقريبا بالنسبة للفئات الأقل من 60 سنة، وهو فارق 9 نقط. وهنا يمكن تقديم عدد من النقط التي تساعد ربما على فهم هذا التباين. النقطة الأولى هو أن هذه الفئة عادة ما تكون مصابة بأمراض مزمنة، مثل السكري وأمراض القلب وغيرها، وبالتالي تكون تعودت على التعايش مع المرض بشكل يومي، ومن هنا فهي ربما تنظر إلى فيروس كورونا كغيره من الأمراض الأخرى. التفسير الثاني يمكن إرجاعه ربما إلى أن بعض هذه الفئات قد عايش أو كان قريبا من بعض الفترات التي عرف فيها المغرب أوبئة أو أمراضا، وبالتالي لديها سجل ثقافي “متأقلم” مع الأوبئة، مقارنة مع الفئات الشبابية التي عاشت في ظروف “الدعة والسكون” ولم تجرب أبدا تجارب قاسية، مثل الأوبئة والحروب. ثالثا: ربما بسبب عدم استعمالها المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنيت مقارنة مع الفئات الشبابية، وبالتالي قد تكون أقل إدراكا لخطورة هذا الفيروس.
سؤال: أيضا كيف يمكن تفسير أن النساء والفئات العمرية الأصغر هم أكثر حرصا على الحصول على إرشادات من الرجال والفئات العمرية الأكبر؟
مصباح: صحيح، أن النساء والفئات العمرية الشبابية هي التي عملت على طلب معلومات حول فيروس كورونا مقارنة مع الفئات الأخرى. حيث قال 92 في المائة تقريبا من الفئة العمرية الأقل من 45 سنة و93,5 من النساء بأنهم طلبوا إرشادات، في حين تنزل النسبة إلى 85 في المائة بالنسبة لكبار السن، و89 في المائة بالنسبة للرجال. يمكن فهم هذا الأمر من خلال ربطه بالسؤال السابق، حيث يظهر أن النساء والشباب هم الأكثر قلقا بشأن الإصابة بهذا الفيروس، ومن هنا فمن الطبيعي أن يكون لديهم رغبة في التعرف أكثر على هذا الفيروس وطلب إرشادات بخصوصه.
سؤال: في الوقت الذي عبر المواطنون المستطلعة آراءهم عن تأييدهم للإجراءات الحكومية، عاد نفس المواطنين ليعبروا عن عدم ثقتهم في قدرة الحكومة والمستشفيات على مواجهة الفيروس، كيف يمكن تفسير هذه الثنائية؟ وإلى ماذا ترمز؟
مصباح: ينبغي أن نميز بين أمرين، الأولى، وهي مدى درجة رضى المواطنات والمواطنين بخصوص الإجراءات وطريقة التواصل التي قامت بها الحكومة في الأيام الماضية لمحاصرة فيروس كورونا، وبين ثقتهم في قدرة القطاع الصحي على مواجهة هذا الوباء. فالأمران مختلفان، ويمكن تشبيهه بمثال من الحياة اليومية. فمثلا يمكنك أن تكون راضيا عن طريقة تدبير سائق حافلة كان على وشك الوقوع على الحافة، وبين الرضى على الحافلة نفسها أو طريقة سياقتها في الأوضاع العادية. فدرجة الرضى والثقة في الحكومة خلال هذه الظروف الاستثنائية مرتبط أساسا بغريزة البقاء ومدفوع بغريزة الخوف. فلا خيار لهم فيما يبدو إلا أن يبقبلو بهذا الخيار. فالمواطنون عندما عبروا عن رضاهم وثقتهم في الحكومة على تدبير ملف كورونا، فهم يقصدون بالأساس الإجراءات الوقائية والإحترازية، مثل إغلاق المدارس ومنع التجمعات، هذا بالإضافة إلى التواصل المستمر والمكثف للسلطات مع المواطنين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. أما مسألة الثقة في النظام الصحي على مواجهة الفيروس فهو مسألة أخرى، حيث يدرك المواطنون أن المغرب لا يتوفر على بنية تحتية صحية تستطيع مواجهة هذا الفيروس، وهذا في نظري ما يفسر النطاق الواسع لإلتزام الأغلبية الساحقة من المغاربة بالإجراءات الاحترازية التي قامت بها الحكومة، لأنهم يعرفون أننا لا نتوفر على مستشفيات قادرة على مواجهة هذا الفيروس.
سؤال: رغم أن الغالبية (90 في المائة) عبرت عن تأييدها “توقيف صلاة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد”، إلا أن عدم موافقة 10 في المائة من المستطلعة آرائهم عن هذا الإجراء مثير للاهتمام، كيف تعلق على هذه المسألة؟
مصباح: فعلا لمسنا هذا الأمر. فمن ضمن الخمس إجراءات التي طرحناها ضمن هذه الاستمارة، كانت الإجابة تصل إلى 100 في المائة بالنسبة للباقي (إغلاق المدارس، منع التجمعات، منع السفر، إغلاق المقاهي)، باستثناء الإجراء الخاص بتوقيف صلاة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد، حيث وصلت النسبة إلى 90 في المائة. في كل الأحوال تبقى هذه النسبة عالية جدا بكل المقاييس، ولكن يمكن القول بأن المواطنين الذين ينظرون إلى هذا القرار بعين الريبة يمثلون الجزء المحافظ من المجتمع، وهي فئة موجودة في كل المجتمعات عبر العالم. المشكل لا يكمن في كون 10 في المائة من المواطنين يعارضون هذا القرار، ولكن في تحدي السلطات العمومية والخروج للشارع، كما حدث، بشكل معزول في بعض المدن. ولكن يظهر أن التوجه العام لدى المغاربة هو الالتزام بهذه الإجراءات الاحترازية وما حصل يبدو أنه حالات معزولة.
نشر هذا الحوار في العدد 891 من أسبوعية الأيام الصادرة بتاريخ 26 مارس 2020
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]
محمد مصباح
محمد مصباح هو مؤسس ورئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات (MIPA) وهو خبير في علم الاجتماع السياسي. تركز أعماله أساسا على السياسات العمومية والديمقراطية والإسلام السياسي، مع اهتمام خاص بشمال إفريقيا. الدكتور مصباح هو زميل مشارك في معهد تشاتام هاوس-لندن وأستاذ زائر في جامعة محمد الخامس، وكان في السابق باحثا غير مقيم في مؤسسة كارنيغي-الشرق الأوسط، وزميلا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (Stiftung Wissenschaft und Politik, SWP) في برلين. حصل الدكتور مصباح على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس بالرباط، و تناولت أطروحته التيارات السلفية بالمغاربة منذ تفجيرات الدار البيضاء عام 2003. تضم أحدث منشوراته: • •الجهاديون المغاربة: جدل المحلي والعالمي، مركز الجزيرة للدراسات، 2021. • مؤشر الثقة في المؤسسات 2020، المعهد المغربي لتحليل السياسات، 2020. • Rise and Endurance: Moderate Islamists and Electoral Politics in the Aftermath of the ‘Moroccan Spring’” in Islamists and the Politics of the Arab Uprisings: Governance, Pluralisation and Contention (Edinburgh University Press, 2018) للتواصل: m.masbah@mipa.institute