الأبحاثالتنمية الاقتصاديةالحركات الاجتماعيةتدبير الواحات المغربية: خطاب وممارسة مزدوجين

يؤدي انعدام التوازن بين تحقيق الأرباح من خلال الاستثمار والحفاظ على التنوع البيولوجي والطبيعي والفرشة المائية إلى اندثار مستمر للواحات المغربية.

يؤدي انعدام التوازن بين تحقيق الأرباح من خلال الاستثمار والحفاظ على التنوع البيولوجي والطبيعي والفرشة المائية إلى اندثار مستمر للواحات المغربية.

 

دراسة الباحثان:

إسماعيل أيت باسو

عبد الصمد خضيري

تحميل المقال

 

مقدمة

تغطي الواحات 15 في المائة من مجموع مساحة المغرب، ويقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة، أي ما يعادل 5 في المائة من مجموع سكان المغرب[1]، وخلال العقد الماضي قامت الحكومة المغربية بإطلاق مشاريع لحماية وتنمية المناطق الواحية. ففي سنة 2010 تم إطلاق مشروع تنمية سلسلة النخيل المثمر (2010-2020)، والذي هدف إلى تسريع وثيرة الإنتاج والرفع من قيمته المضافة، وتحسين الظروف في هذا القطاع[2]، كما أطلق الملك محمد السادس سنة 2013 استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان[3] لتحقيق تنمية مستدامة بمناطق الواحات، وتثمين الموارد الاقتصادية والطبيعية والثقافية التي تزخر بها هذه المناطق، وحماية المنظومة البيئية.

لكن في المقابل، عرفت الواحات خلال العقدين الماضين تدهورا لافتا، لا سيما تراجع مستوى المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 15 و20 متر مكعب سنويا وانخفاض بنسبة 34 في المائة من إنتاج التمور، ومن الجدير بالذكر أن الكثافة السكانية للواحات بالنسبة للمساحة الصالحة للزراعة تجاوزت 700 نسمة في الكيلومتر المربع خلال السنوات الأخيرة[4]. وضمن هذا السياق دق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ناقوس الخطر حول التهديد الذي طال الواحات المغربية، من ناحية الحق في الماء والأمن المائي، وذلك بسبب الاستغلال المفرط للموارد المائية.[5] علاوة على ذلك تعاني الواحات من نتائج تغيرات المناخ، خاصة تفاقم ظاهرة التصحر بمختلف تجلياتها من زحف الرمال، وأسراب الجراد والحرائق التي تهددها ومرض البيوض الذي يستهدف أجراد النخيل، الذي نتج عنه تقلص المساحة الإجمالية للواحات من 150.000 إلى حوالي 44.000 هكتار [6].

يضاف إلى ما سبق ضعف السياسات العمومية الموجهة لهذه المناطق، وكذا الصراعات السياسية بين النخب المحلية، كالانقسامات المتوالية للمعارضة بمجلس جهة درعة تافيلات  في الولاية السابقة (2015 – 2021) على سبيل المثال، والتي ساهمت في عرقلة المصادقة على مجموعة من المشاريع التنموية، وتوحيد الجهود للعمل على الارتقاء بالواحات وتحسين المستوى المعيشي للساكنة، عبرتحقيق التنمية المستدامة. ساهمت هذه العوامل مجتمعة في تراكم ما تعيشه الواحات من تهميش وإقصاء، الذي تعود جذوره التاريخية إلى المرحلة الاستعمارية، في إطار ما عرف بثنائية المغرب النافع (مناطق ذات مردودية إنتاجية)، والمغرب غير النافع (مناطق ذات قيمة ضعيفة اقتصاديا) [7].

 

  1. السياسات الواحية بالمغرب

سعت الدولة منذ الاستقلال إلى تحقيق الأمن المائي والغذائي وتلبية حاجيات الصناعات والسياحة وتطوير السقي، عبر سياسة بناء السدود، وإطلاق برامج كبرى لتطوير قطاع الفلاحة، لا سيما ما يخص عملية الإنتاج والتصدير نحو الخارج؛ أهمها مخطط المغرب الأخضر الذي أطلق سنة 2008، باعتباره استراتيجية تهدف إلى جعل القطاع الفلاحي المغربي رافعة حقيقية للتنمية السوسيواقتصادية للمملكة، عبر تقليص الفقر و تقوية اندماج الفلاحة في الأسواق الوطنية والدولية[8]. تحت إشراف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والذي ساهم في رفع  صادرات المنتجات الفلاحية بنسبة 117 في المائة، حيث انتقلت من 15 مليار درهم  سنة 2008 إلى 33 مليار درهم سنة 2018، وعمل على توفير 342.000 منصب شغل إضافي في نفس  الفترة (بين 2008 و2018) [9].

مكن هذا المخطط من زيادة عدد أيام العمل لكل عامل حيث انتقلت من 110 أيام إلى 140 يوم في السنة، وذلك بفضل توسع المساحات المزروعة، وتنويع المحاصيل، وتحسين الإنتاج. إضافة إلى ذلك فمشروع تنمية سلسلة النخيل المثمر2010-2020. يهدف المخطط إلى تسريع وثيرة الإنتاج والرفع من قيمته المضافة، وتحسين الظروف التي تؤطر هذا القطاع[10]. كما أطلق الملك محمد السادس سنة 2013 استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان التي تغطي 40 في المائة من التراب المغربي (5 جهات، 16 إقليما و400 جماعة)، تتضمن 45 برنامج عمل ملموس، بغلاف مالي يناهز 92 مليار درهم تحت إشراف الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان[11]، لتحقيق تنمية مستدامة بمناطق الواحات، وتثمين الموارد الاقتصادية والطبيعية والثقافية التي تزخر بها هذه المناطق، وحماية المنظومة البيئية.

وفي إطار مواكبة الطلب المتزايد على الماء في العديد من المجالات الحيوية على المدى القريب والبعيد، ترأس الملك محمد السادس يوم الإثنين 13 يناير 2020 بالرباط، حفل توقيع الاتفاقية الإطار لإنجاز البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (2020-2027)، الذي يكلف استثمارات بقيمة 115.4 مليار درهم موزعة على تحقيق خمسة أهداف أساسية؛ بتنمية العرض المائي المرتبط بالقطاع الفلاح عبر بناء السدود؛ وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي؛ وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء، مع العمل على ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استعمالها. تشرف على تدبيرها الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان في واحات الجنوب الشرقي، لإنجاز البنيات التحتية وتأهيل الرأسمال البشري، من أجل تحسين المعيش اليومي للساكنة وجعلها تتأقلم مع التغيرات المناخية؛ حيث تم غرس أكثر من 1.8 مليون نخلة.

بالرغم من هذه الجهود، لم تظهر فعالية ونجاعة هذه السياسات على وضعية الواحات، وقدرتها على مواجهة التغيرات المناخية والنشاط البشري، في ظل ارتفاع الحركات الاحتجاجية المرتبطة بأزمة المياه الصالح للشرب في عدد من المناطق الواحية بالمغرب في السنوات الأخيرة.

 

  1. موت الواحات وتعميق التفاوتات

وجه مجموعة من الفاعلين المدنيين القاطنين في واحات طاطا رسالة إلى رئيس الحكومة في التاسع من يوليوز لسنة 2020 دقوا فيها ناقوس الخطر للحفاظ على الموارد المائية لإنقاذ واحات إقليم طاطا وعموم الجنوب المغربي من الجفاف والحرائق والإجهاد المائي والتغيرات المناخية[12]، وبعد مرور قرابة السنة على هذا النداء أصدر عامل طاطا قرارا، يعلن بموجبه إقليم طاطا، منطقة متضررة من الجفاف بعد تسجيل شح في التساقطات المطرية في الخمس السنوات الأخيرة[13]، ما نتج عنه تضرر الفلاحين من توقف أنشطتهم الزراعية وتهديد الأمن الغذائي. وعليه فإن السياسة المائية الحالية تساهم في تعميق التفاوتات الاجتماعية، ولا سيما التأثير على الفلاحين التقليديين، حيث إن الاستفادة من الماء ليس بالأمر السهل بالنسبة للفلاحة المعيشية، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التفاوتات وزيادة الفقر[14].

غير بعيد عن منطقة طاطا، مازالت احتجاجات العطش لساكنة إقليم زاكورة مستمرة منذ 2016، ففي ظل عدم توفر الماء الصالح للشرب، اتجهت الساكنة المحلية إلى أشكال جديدة من الاحتجاجات مرتبطة أساسا بالتغيرات المناخية والبيئية، والمطالبة بمعالجة إشكالية ندرة المياه وشح أبار الشرب، جراء استنزاف الفرشة المائية من قبل ضيعات البطيخ الأحمر[15]، مما نتج عنه اعتقال مجموعة من المحتجين غالبيتهم من الشباب، وملاحقتهم من طرف النيابة العامة بتهم “التجمهر والانخراط في مسيرة غير مرخص لها[16]“. وأمام عدم وجود بدائل، تقوم الساكنة بدفع كلفة إضافية للحصول على الماء، سواء من خلال قطع مسافات طويلة بهدف الحصول على الماء الشروب، أو دفع كلفة مالية لاستيراده من مناطق أخرى خاصة في فصل الصيف الذي يعرف ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة.

أما واحات تافيلالت ومحاميد الغزلان، فهي الأخرى لم تسلم من ظاهرة أخرى شديدة الخطورة وهي زحف الرمال، وأصبحت الرمال تحتل مساحة مهمة في تراب المنطقة، ليكون المجال الزراعي أكثر عرضة للترمل، فالكثبان الرملية أمست محيطة بكل الواحات، واجتاحت العديد من الهكتارات الصالحة للزراعة على جنبات الواحة. خلفت ورائها مجموعة من الأضرار كان لها تأثير كبير سواء على المستوى الطبيعي أو البشري، أو على هذه المجتمعات الهامشية التي تقوم حياتها على الزراعة المعيشية، حيث أن الرمال تزحف على واحات النخيل وعلى البنيات التحتية الهيدرولوكية (السواقي والخطارات) وعلى طرق المواصلات، والتجمعات السكنية[17].

إن قوانين استخدام الأرض والأشكال الهجينة لاستغلال الموارد الطبيعية التي تجمع بين المحلي والعالمي تعيد إنتاج الهشاشة الاجتماعية بين الفلاحين واللامساواة في الوصول إلى الموارد[18]. فعلى سبيل المثال، فإن تنامي الزراعة التسويقية الحديثة، مثل زراعة التمور من نوع “المجهول” وزراعة البطيخ الأحمر أصبحت تهدد الزراعة المعيشية والتسويقية البسيطة للفلاحيين الصغار بالواحات. وبالتالي تفاقم الوضعية السوسيو-اقتصادية في ظل تراجع الطلب على السياحة بسب الأثار الناجمة عن كوفيد 19، كما يشكل غياب برامج تنموية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية المحلية عبء إضافي. “فالإنسان الواحي” تكيف مع هشاشة المجال الطبيعي الذي يعيش فيه، وطور أشكال مقاومة وتفاوض مع الطبيعة الواحية وخصوصياتها، لكنه لم يعد يقوى على قساوة ظروفه والصبر على وضعه الذي يفتقد لأبسط شروط العيش، وبالتالي لم يعد يعتمد على الفلاحة والزراعة كوسيلة للعيش، وإنما أصبحت له أنشطة وأدوار ومهام وأعمال أخرى، مثل: النشاط السياحي[19]. الشيء الذي ساهم في تسريع وتيرة الهجرة وارتفاع معدلاتها، للبحث عن موارد ومصادر عيش أفضل خارج الواحات[20]، إذ أن ما كان يشكل في الوقت نفسه غنى الواحات أصبح اليوم مهددا لها بالاندثار، إلى جانب قلة اليد العاملة الضرورية للفلاحة.

 

  1. مساوئ الاستثمار المسرف: الإستنزاف المستمر للفرشة المائية الواحية

قامت  الحكومة المغربية باستثمارات مهمة في الجهات التي تضم المناطق الواحية، وقد بلغت قيمتها بجهة درعة تافيلالت 10,746مليار درهم بين يناير2019 ومارس 2021، ساهمت في خلق 7145 منصب شغل[21]. كما أن الحكومة تمنح مجموعة من الامتيازات والدعم للراغبين في الاستثمار في قطاع زراعة النخيل المثمر، وذلك في إطار المخطط التنموي للواحات، الذي أطلقته الحكومة المغربية، والذي امتد من 2009 إلى 2020، ويهدف إلى إعادة تشجير الواحات القديمة بغرس 3 ملايين نخلة، والتوسع على أراضي جديدة بلغت في منطقة بوذنيب لوحدها 17 ألف هكتار، وتفويتها للمستثمرين من خلال الكراء. وضمن هذا السياق، قامت الحكومة بإعطاء منح استثمارية تعادل 80 في المائة من التكلفة الإجمالية للمشروع بالنسبة للمستثمرين الكبار، وتصل إلى 100 في المائة بالنسبة لصغار المزارعين، وتغطي تكاليف تجهيز الضيعات بتقنيات الري بالتقطير وحفر الآبار وشراء الفسائل[22]، إلا أن هذه السياسات الزراعية الحديثة وأيضا السياحية، غيرت كثيرا من ثوابت هذا النظام الإيكولوجي، وأنشطة السكان التي أصبحت مهددة بالزوال والانقراض.

لقد أدت الاستثمارات الزراعية التي شهدتها الواحات بداية منذ سنوات 2000، إلى تهديد النظام الإيكولوجي للواحة، من خلال بروز الاستثمارات الكبيرة في زراعة نخيل المجهول، وكذا زراعة البطيخ الأحمر، الذي يتطلب كميات كبيرة من الماء؛ فهكتار واحد من البطيخ الأحمر يتطلب 6000 متر مربع من الماء في السنة، ما يعني 12 مليون مكعب في المجموع، أي خمس الموارد المائية السطحية في مجموع حوض درعة[23]. مع ما يقدمه الاستثمار في البطيخ الأحمر من أرباح مرتفعة جدا، بحيث قد يحقق المستثمر ما بين مليون حتى ست مليون سنتيم في الهكتار الواحد[24]، أصبح المستثمرون يعملون على حفر أبار قد يصل عمقها إلى أكثر من 300 متر، على الرغم من أن قانون الماء 36.15، وبالضبط المواد 111 و112 و113 و114، يحدد ويمنع، حفر أثقاب جديدة، في المجالات ذات الفرشات المائية المهددة بالتدهور، إلا في بعض الحالات الضرورية، كجلب الماء الخاص بالتغذية البشرية، أو إرواء الماشية.

بالإضافة إلى ذلك فإن ممارسات الفلاحين الصغار بدورها تهدد الواحة، إذ أن التسهيلات التي أصبحت تقدم لهؤلاء الفلاحين من أجل اقتناء الألواح الشمسية، التي يفترض فيها أنها صديقة للبيئة، أصبح الفلاحون يصرفونها في استغلال مياه الآبار، مما نتج عنه نضوب الآبار في مجموعة من المناطق من جهة، ومن جهة أخرى فإن الاستراتجيات والبرامج السياحية المعتمدة في المنطقة كرست وضعا كارثيا على مستوى استغلال الموارد المائية. فعلى سبيل المثال، عمل برنامج استقبال 10 مليون سائح في أفق 2010، فرصة لتشجيع المستثمرين السياحيين على تقوية البنية التحتية الفندقية بالمجالات الواحية، من خلال التسهيلات التي كانت مقدمة خلال تلك الفترة. وبعد 2010، تركزت السياسات العمومية السياحية، على الانفتاح واستقبال وفود سياحية جديدة، كالسوق الروسية والصينية، وذلك بعد تقوية البنية التحتية السياحية في مجمل التراب المغربي. وقد كان لتشجيع العرض الفندقي؛ مع ما تتطلبه الفنادق من مسابح ومساحات خضراء، تأثير على النظامين الاجتماعي والإيكولوجي الذي ينبني على الموازنة بين استغلال الماء والمسؤولية الفردية، انطلاقا من الوعي بأهمية هذا المورد في تحقيق التنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال يوجد حوالي 369 فندقا مصنفا في جهة درعة تافيلات سنة 2017، وعدد منها تتوفر على مسابح ومساحات خضراء.

وعلى الرغم من أن المغرب صنف من بين الدول التي تعاني بشكل حاد من نقص المياه وفقا لتقرير معهد الموارد العالمية (WRI) لسنة 2019[25]،  فإن منح تراخيص الاستثمارات الموجهة للواحات مازالت مستمرة دون الأخذ بعين الإعتبار التحديات التي تهدد وجودها. فعلى سبيل المثال تم تفويت 900 هكتار من الأراضي لمستثمرين بينهم برلمانيين لإقامة مشاريع فلاحية قرب عيون تيفوناسين بإقليم الرشيدية، الشيء الذي ينذر بأزمة عطش و هجرة جماعية بواحة كلميمة[26]. إلا أن إيمان جمعيات المجتمع المدني التي تعنى بالدفاع عن حقوق الساكنة المحلية ونشر القضية على أوسع نطاق بمختلف أليات الترافع، ساهمت في تراجع المستثمر عن قيام مشروعه في الواحة.

 

خلاصة

 إن السياسات العمومية والاستراتيجيات الوطنية الموجهة للواحات تعرف خطابا وممارسة مزدوجين، فتدبير التحديات التي تواجه الساكنة المحلية بهذه المناطق، يتأرجح ما بين وعي السلطات بمظاهر التدهور بفعل التدخل البشري والتغيرات المناخية، وبين فتح المجال للاستثمارات المحلية والأجنبية لتحقيق التنمية المحلية وجعل الواحات مناطق فلاحية قوية، مع تثمين الموروث الطبيعي والإنساني وتوظيفه في التراث السياحي ودورها في تحسين المستوى المعيشي للساكنة، والحد من ظاهرتي الفقر والهشاشة والفوارق المجالية. هذه الأهداف والغايات الكبرى لا تجد توازنا في أرض الواقع بقدر ما يتم العمل على تحقيق الأرباح وتراكم الأموال على حساب التنوع البيولوجي والطبيعي ونقص الفرشة المائية، الشيء الذي يهدد بشكل فعلي استمراريتها، كما أوضحت ذلك نماذج كل من “العطش” في واحات زاكورة و”جفاف” واحات طاطا.

  وبالتالي فإن رد الإعتبار للواحات رهين بتدبير رصين للموارد المائية وتسريع وثيرة المشاريع الحالية والمستقبلية في هذا المجال، لمواكبة الطلب الكبير على الماء وصياغة استراتيجيات حديثة تتماشى مع التغيرات المناخية، لضمان التوزيع العادل لهذه الثروة على مختلف الفئات الاجتماعية والمجالات الترابية باعتبارها محركا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.  وفي إطار هذه الوضعية الخطرة التي وصلت إليها المجالات الواحية، فإننا نقترح مجموعة من التوصيات لتثمينها وحمايتها:

  • وضع إطار قانوني صارم في منح رخص الاستثمار والتوزيع العقلاني للماء بما يتلاءم مع التوازن الإيكولوجي للواحات: وذلك عبر تطوير أليات التتبع والمراقبة من طرف لجان جهوية ومحلية تواكب بشكل دائم المشاريع الاستثمارية سواء الفلاحية أو السياحية أو الصناعية، في احترامها لاستعمالات الموارد المائية في حدود المعقول للحفاظ على الفرشة المائية من التدهور. وكذا على مستوى الآبار عبر العمل على تحديد كمية محددة للاستغلال بناء على مستوى وجود الماء في الفرشة المائية الجوفية؛
  • تقوية الترسانة القانونية بالأعراف المحلية في تدبير الماء من خلال إعادة إحياء الدور المحوري “لشيخ الماء”، الذي يعمل على مراقبة استغلال الموارد المائية، وفرض عقوبات متفق عليها من لدن الجميع، على كل من يخالف هذه الأعراف؛
  • خلق مجالات واحية جديدة على مستوى تدبير استغلال الأرض ينبني على الزراعات التي طورها السكان المحليون والتي تتكيف مع هذه المجالات: حيث يغلب عليها طابع الزراعة المعيشية، أو التسويقية البسيطة، وذلك في الأراضي المخصصة للاستثمارات الكبيرة، خاصة الأراضي السلالية والجماعية، من خلال تقسيمها إلى مجموعة من الأراضي الزاعية الصغيرة” الفدانات”، بحيث لا تتجاوز مساحة كل أرض زراعية 200 متر مربع. والعمل على تقسيمها على ذوي الحقوق، إما من خلال منحها لهم أو من خلال الكراء، بحيث سيخضع هذا التقسيم لشروط صارمة من قبيل عدم إمكانية استغلال أكثر من أرضين زراعيتان، أو زراعة أنواع لا تتوافق مع النظام الإيكولوجي للواحة؛
  • توحيد جهود مختلف الفاعلين والمتدخلين في السياسة الواحية بالمغرب وتقوية التنسيق المؤسسي فيما بينهم لتنمية الواحات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والرفع من قيمة دعم الفلاحين ماديا ومعنويا في مواجهة أثار التغيرات المناخية والتوجه نحو خلق زراعات متطورة لا تتطلب نسبة كبيرة من المياه الجوفية.

 

الهوامش

[1]  عبد الجليل الكريفة، محمد بولمان. 2019. “المنظومات الواحية بالجنوب المغربي: الواقع ورهانات الاستدامة حالة واحة امكون”، مجلة منشورات علوم جغرافية، عدد 454- .ISSN2286  ص: 89-109.

[2] – الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان: “مشروع تنمية سلسلة النخيل المثمثر2010-2020”.   تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

http://andzoa.ma/fr/contrats-programmes/filiere-du-palmier-dattier/contrat-programme/

[3] – لحسني، علي. 2013. “استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان مشروع رائد لتحقيق تنمية مستدامة بمناطق الواحات بالمغرب”، جريدة لاماب. تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

http://www.mapexpress.ma/ar/actualite/استراتيجية-تنمية-مناطق-الواحات-وشجر-ا-3/الآراء-و-حوارات/

 

[4] – هوزير، مريم. 2017. “النساء الواحيات والتغيرات المناخية في المغرب”، مؤسسة هاينريش بول، شمال إفريقيا الرباط.

https://ma.boell.org/sites/default/files/femmes_oasiennes_et_changement_climatique_au_maroc.pdf

[5] – وثيقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “الحق الحق في الماء والأمن المائي مهددان بسبب الاستغلال المفرط للموارد المائية”، 2019.

 

[6] – Ait El Mokhtar, Mohamed & Ben-Laouane, Raja & Anli, Mohamed &[25]  Boutasknit, Abderrahim & Wahbi, Said & Abdelilah, Meddich. (2019). Climate Change and Its Impacts on Oases Ecosystem in Morocco. In book: “Climate Change and Its Impact on Ecosystem Services and Biodiversity in Arid and Semi-Arid Zones”, IGI Global. (pp.217-24(.DOI:10.4018/978-1-5225-7387-6.ch012

[7] – مولاي الزهيد علوي. 2018. “مناطق المغرب غير النافع في سياسة الاستعمار الفرنسي: منطقة تافيلالت نموذجًا”، دورية کان التاريخية: المستقبل الرقمي للدراسات التاريخية،المجلد 11 ، العدد 41، ص 112-117.

https://www.cg.gov.ma/ar/خطب-وأنشطة-ملكية/جلالة-الملك-يترأس-بالرباط-حفل-توقيع-الاتفاقية-الإطار-لإنجاز-البرنامج-الوطني.

[8] – المركز الجهوي للإستثمار: “مخطط المغرب الأخضر”.  تم الإطلاع عليه في 05/12/2021

https://www.casainvest.ma/ar/node/860

[9] – وكالة التنمية الفلاحية: “الإنجازات الرئيسية لمخطط المغرب الاخضر ” 28/10/2021

https://www.ada.gov.ma/ar/الإنجازات-الرئيسية-لمخطط-المغرب-الاخضر

https://lakome2.com/eco/189798/   

[10] – الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان: “مشروع تنمية سلسلة النخيل المثمثر2010-2020”.   تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

http://andzoa.ma/fr/contrats-programmes/filiere-du-palmier-dattier/contrat-programme/

 

[11] – الحسني، علي. 2013. “استراتيجية تنمية مناطق الواحات وشجر الأركان مشروع رائد لتحقيق تنمية مستدامة بمناطق الواحات بالمغرب”، جريدة لاماب. تم الإطلاع عليه في28/10/2021 .

http://www.mapexpress.ma/ar/actualite/استراتيجية-تنمية-مناطق-الواحات-وشجر-ا-3/الآراء-و-حوارات/

[12] – لجنة التشاور المدني بإقليم طاطا:”رسالة مفتوحة لإنقاذ واحات إقليم طاطا وعموم الجنوب المغربي من الجفاف والحرائق والإجهاد المائي والتغيرات المناخية”.  تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://lakome2.com/eco/189798/   

https://mipa.institute/5495

[13] – وزارة الداخلية: قرار عاملي رقم 38 بتاريخ 22 مارس 2021 يعلن بموجبه إقليم طاطا منطقة متضررة من الجفاف.

[14] – النبيه، أمال. 2020. “استنفاذ الماء”، سلسلة أوراق السياسات، المعهد المغربي لتحليل السياسات. تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://mipa.institute/8145

[15] – سطي،عبد الإله. 2018. ” احتجاجات الهوامش : القشرة وما تخفيه”، سلسلة أوراق السياسات، المعهد المغربي لتحليل السياسات. تم الإطلاع عليه في 11/11/2021.

https://mipa.institute/5495

https://omran.dohainstitute.org/ar/issue027/Pages/art4.aspx

[16] – الطالبي، الهام. 2021. “المغرب ومشكلة ندرة المياه”،  معهد جوته / “رؤية”. تم الإطلاع عليه في 11/11/2021.

https://www.goethe.de/prj/ruy/ar/watlife/21718884.html

[17] – عبدلاوي عبد الاله، العبد الرحماني عبدالكريم. 2016. “البحث العلمي وسؤال التنمية بواحات تافيلات: مساهمة في دراسة زحف الرمال بسهل تافيلالت حالة واحات الجرف، مقاربة كارطوغرافية من  1984إلى 2015”.  تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

http://www.hyatiy.top/2016/09/1984-2015.html

[18] – برج، فوزية. 2019.”بيئوية الفقراء: ديناميات التكيف وممارسات العيش: مقاربة أنثروبولوجية”، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، العدد 27. المجلد 7. ص: 71- 100.  تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://omran.dohainstitute.org/ar/issue027/Pages/art4.aspx

[19] – شعو، سفيان. 2020.”أزمة الواحات بين الجرح الاستعماري والهدر التنموي”، جريدة هسبريس.

https://www.hespress.com/أزمة-الواحات-بين-الجرح-الاستعماري-وال-535207.html

 

[20] – ا فاطمة، ياسين.  2020. “الواحات تشكل مصدر عيش لآلاف السكان باتت مهددة بالاندثار”، جريدة الصحراء المغربية. تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://assahraa.ma/web/2020/147221

[21] – المركز الجهوي للإستثمار بجهة درعة تافيلات:  “باروميرتر الاستثمار لجهة درعة تافيلات بين يناير 2019 و مارس 2021”. تم الإطلاع عليه في 15/06/2021.

https://draatafilaletinvest.com/barometre-dinvestissement/

[22] – مقنع، لحسن. 2015. “الحكومة المغربية تستثمر 2.3 مليار دولار لتنمية مناطق الواحات”، جريدة الشرق الأوسط.  تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://aawsat.com/home/article/490236/الحكومة-المغربية-تستثمر-23-مليار-دولار-لتنمية-مناطق-الواحات

[23] – البلغيتي، رشيد. 2019. “المغرب الأصفر..تنمية الفقر في جغرافيا البطيخ والعطش”، جريدة لوديسك.    تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://ledesk.ma/arabia/المغرب-الأصفر-تنمية-الفقر-في-جغرافيا/

[24] – أيت احساين، محمد. 2019. “البطيخ الأحمر يستنزف الماء ويهدد مناطق حوض المعيدر بالجفاف”، جريدة هسبريس. تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://www.hespress.com/البطيخ-الأحمر-يستنزف-الماء-ويهدد-مناط-495359.html

[25] –    ميندي، رايت. 2019. “معظم الدول التي تعاني من شح المياه لسنة 2019”. تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

https://ceoworld.biz/2019/08/08/most-water-stressed-countries-in-the-world-for-2019/

[26] – “الرشيدية : مشاريع فلاحية في عالية “تيفوناسين” تثير غضب ساكنة واحة غريس”، جريدة هبة بريس، 3 أبريل 2021.   تم الإطلاع عليه في 28/10/2021.

Avatar

المعهد المغربي لتحليل السياسات

المعهد مؤسسة غير ربحية تعنى بالسياسات العامة وتتخذ من الرباط، المغرب، مقراً لها. يرمي المعهد إلى إجراء أبحاث معمقة حول مختلف الإشكالات المتعلقة بالسياسات العامة من خلال طرح أفكار جديدة لحل المشاكل التي تواجه المجتمع على صعيد الديموقراطية والتنمية.