استضاف برنامج “من الرباط” كلاً من رشيد أوراز، الباحث الرئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، والدكتور ياسين اعليا، أستاذ الاقتصاد والباحث في السياسات العمومية، وعمر الحياني، المهندس وعضو المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، في حلقة بعنوان “أوراز والحياني واعليا في “من الرباط“: اليأس وراء أحداث الفنيدق وهذه المخاطر الممكنة لتنظيم المونديال“. الحلقة تناقش الملفات الاقتصادية الأساسية المطروحة خلال الدخول السياسي 2024/2025، من بينها الإصلاحات المنتظرة في مجال التقاعد والحماية الاجتماعية والدعم المباشر، مرورا بالبطالة والقدرة الشرائية، ووصولا إلى التحديات والمخاطر المرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030 على الاقتصاد المغربي.
حول الأوضاع الاقتصادية الحالية بالمغرب، أوضح الباحث أوراز أن هناك مشاكل عديدة، من أبرزها ارتفاع معدلات البطالة والتضخم في أسعار المواد الغذائية، حيث بلغ هذا الأخير نسبة تتراوح بين 12و13% حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط، مما أضر بالقدرة الشرائية للمواطنين. علاوة على ذلك، أكد بأن البلاد تعاني من ضعف في النمو الاقتصادي وتفاقم الديون والعجز التجاري.
بدوره، أشار الحياني إلى أن معدل البطالة بلغ 13% عام 2023، وهو معدل مرتفع بشكل خاص بين الشباب، حيث يصل إلى حوالي 36% للفئة العمرية بين 15 و24 عاما. كما أشار إلى أن مؤشر جلب الاستثمارات الخارجية في سنة 2023 كان أقل نسبة منذ سنة 2001، رغم التحفيزات الضريبية وميثاق الاستثمار الجديد، ما يعكس تحديات مناخ الأعمال. بالإضافة الى ذلك، تحدث عن ارتفاع أسعار الوقود رغم تراجع أسعار النفط عالميا.
تعليقا على نفس الموضوع، بين الدكتور اعليا أن هناك ضعف نجاعة القرارات والسياسات الاجتماعية المعتمدة، مثل إلغاء مبادرة “مليون محفظة” بدعوى تعويضها بالدعم المباشر. وأكد أن استمرار ارتفاع الأسعار وعدم إصلاح الأسواق يضعف القدرة الشرائية للمواطن ويزيد من فقدان الثقة والاستياء الشعبي، الذي ظهرت تجلياته بشكل واضح في أحداث شمال المغرب والانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة الرباط المحيط.
حول أحداث الفنيدق، أفاد الباحث أوراز بأن التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كشف عن وجود 4,3 مليون شاب(ة) تتراوح أعمارهم بين 15 و34 سنة بلا دراسة أوعمل، مما يجعلهم عالة على أسرهم ويزيد من ضغوط الهجرة. واعتبر أن هذا النوع من الظواهر يعد طبيعيا، إلا أنها تظهر بشكل كبير في أوقات الأزمات.
شدد الدكتور اعليا على أن غياب نماذج نجاح للشباب يساهم في تفاقم فقدان الثقة في المؤسسات، ويدل على ضعف قطاع التعليم الذي أصبح منتجا للفشل ومساهما في تكريس الفقر. كما أشار إلى اعتماد الأسر المغربية على تحويلات مغاربة الخارج التي بلغت 115 مليار درهم، مما يعكس هشاشة الوضع الاقتصادي لهذه الأسر.
أضاف أوراز أن وعي الشباب الراغبين في الهجرة بالظروف الاقتصادية الجيدة في الخارج يعكس نوعا من الذكاء الاجتماعي، رغم أن هذه الفرص قد تكون في أنشطة اقتصادية هشة، كما انتقد فرض ضريبة تبلغ 30% على المقاولين الذاتيين، مما لا يشجع الشباب على إنشاء مشاريعهم الخاصة.
في تعليقه على انعكاس الوضع الاقتصادي على المشاركة السياسية، أكد الحياني أن هناك حالة إحباط جماعي تجاه السياسات العمومية وما تقوم به الحكومة، وهو ما أظهرته نسبة المشاركة المنخفضة في الانتخابات الجزئية، التي بلغت 6%. وقد فسر اعليا ذلك بضحالة النقاش السياسي والأزمات الداخلية لأحزاب الأغلبية الحكومية وتجريف الكفاءات.
تعليقا على منشور رئيس الحكومة السنوي حول توجهات مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، قال الباحث أوراز أن المغرب لايزال بعيدا عن تنفيذ أسس الحماية الاجتماعية، مشيرا إلى وجود فوضى في المفاهيم، ومؤكدا على ضرورة الإصلاحات الهيكلية لتحسين نسبة النمو. في حين، يرى الحياني أن فترة كورونا كشفت هشاشة الوضع الاقتصادي، وتسائل عن قدرة الدولة على تمويل الدولة الاجتماعية المرغوب إحداثها، خصوصا أن المغرب يواجه مشكل المديونية المتزايدة.
بخصوص الدعم الاجتماعي المباشر، أجمع الباحثين على أن فرض دفع الاشتراكات على الأشخاص الذين يستحقون الدعم هو أمر غير عادل، مشددين على أن هناك اختلالات عديدة تسود هذا النظام. من جهته، علق أوراز على إلغاء برنامجي “المليون محفظة” و”تيسير“، محذرا من أن ذلك قد يسهم في زيادة الهدر المدرسي والهجرة السرية.
بخصوص عملية الإحصاء العام للسكان التي أجريت مؤخرا، أوضح الحياني أنها عملية مهمة تهدف إلى مد الدولة ببيانات محدثة حول مختلف المؤشرات الاجتماعية الهامة، التي قد تتوفر فقط على شكل تقديرات. كمثال، أشار الدكتور اعليا إلى صعوبة الحصول على بيانات دقيقة حول القطاع غير المهيكل، والذي يمثل 30٪ من الناتج الداخلي الخام للبلاد، فيما تشتغل 80٪ من الساكنة النشيطة في هذا القطاع، وفقًا لدراسة أنجزتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
حول إصلاح انظمة التقاعد، أشار الحياني إلى أن هذه المشكلة تعاني منها دول عديدة، وطرح بعض الحلول الممكنة كرفع سن التقاعد ومساهمات الدولة المباشرة لضمان توازن صناديق التقاعد. وتحدث الباحث أوراز عن أهمية اتخاذ التدابير المتلائمة والأوضاع الديمغرافية للبلاد، وضرورة توفير خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة للمواطنين.
بالإضافة إلى ذلك، تحدث الحياني عن التحول الاقتصادي في المغرب، موضحا أنه يظهر في الميزان التجاري من خلال مساهمة قطاع السيارات، لكنه لا ينعكس على مؤشرات البطالة لأن المكننة تقلل من فرص العمل المباشرة. وعلق أوراز عن هذا الموضوع، مشيرا إلى أن المغرب يفتقر إلى صناعة طاقية وصناعة سيارات مستدامة، واقترح التوجه نحو صناعات مثل النسيج والأدوات الكهربائية المنزلية التي قد تخلق فرص عمل وتعزز التصدير إلى إفريقيا.
أخيرا، حول المخاطر المرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030 على الاقتصاد المغربي، أشار الحياني إلى أن هذه المشاريع تؤدي إلى المزيد من المديونية دون أن تكون منتجة وقد تسبب أزمات اقتصادية كبيرة، كما حدث في دول مثل اليونان والبرازيل. كما انتقد توجيه الاستثمارات نحو بناء الملاعب بدلًا من مجالات أكثر أهمية مثل التعليم.
أما الباحث أوراز، فأكد على أهمية مراقبة الأوضاع الاقتصادية العالمية خلال الفترة الممتدة بين 2024 و 2030، مشيرًا إلى أن الانتخابات الأمريكية قد تؤثر على الاقتصاد العالمي، مما يتطلب استعدادًا لمواجهة الأزمات. ولفت إلى أن هذه الاستثمارات قد تواجه تحديات بسبب الفساد وسوء الإدارة.
ختامًا، أجمع الخبراء على أن الوضعية الحالية ستستمر نظرا لتحديات مثل ارتفاع مؤشر التضخم، والجفاف، وإلغاء برامج اجتماعية مثل “تيسير” و “مليون محفظة“، التي ستواصل تأثيراتها على مستوى معيشة المواطنين ومعدلات البطالة، خاصة في المناطق القروية.